ترجمة وإعداد فهد الجبوري ||
لم يعد خافيا إن حدة الصراع والتنافس بين الولايات المتحدة والصين قد تصاعدت خلال السنوات الاخيرة ، وهناك من يرى إن البلدين قد دخلا فعلا في حرب باردة ، وبرزت الخلافات بينهما في مجالات عدة ، منها العلاقات التجارية ، والمنافسة في المجال التكنولوجي ، والتنافس على الهيمنة في منطقة بحر الصين الجنوبي، وكذلك التداعيات الناجمة عن جائحة كورونا والتي تسببت في توتر واضح في العلاقة بين البلدين .
وهناك من يعتقد إن البلدين ، اذا لم يتفقا على ارضية مشتركة لحل المشاكل القائمة بينهما، فإن الامور قد تتفاقم لتصل الى التصادم العسكري، خاصة مع تأكيد العديد من الدراسات إن الصين ستزيح قريبا الولايات المتحدة من موقع الصدارة كأول قوة اقتصادية في العالم ، وهذا من شأنه أن يولد ردود فعل غاضبة من واشنطن التي تسعى بكل قوة للاحتفاظ بموقعها الاول في العالم كأكبر قوة اقتصادية وعسكرية وتكنولوجية وسياسية .
وفي هذا السياق ، نشرت مجلة التايم الامريكية الثلاثاء ٩ مارس ٢٠٢١ مقالة للباحثين الادميرال جيمس ستافريديس،القائد السابق للقيادة العليا لحلف شمال الأطلسي ناتو ، والروائي الجندي الامريكي اليوت أكرمان .
· وفيما يلي خلاصة لهذه الدراسة :
الصين والولايات المتحدة اليوم في حالة مسار تصادمي ، وقد أشار الى ذلك قبل أكثر من سنة هنري كيسينجر عندما قال " إن الولايات المتحدة والصين يقفان على أعتاب الحرب الباردة".
إن تقييمنا هو إن كلا البلدين يصعدان بسرعة منحدر ذلك الجبل المجازي ، ومن المرجح أن يجدا نفسيهما في وضع شبيه بالحرب الباردة في المستقبل القريب.
وبحلول عام ٢٠٣٤، وهو العام الذي وضعنا فيه روايتنا الجديدة، ليس بعيدا أن يتطور الموقف الى حرب ساخنة بين البلدين ، قد تستخدم فيها الاسلحة النووية.
إن البلدين على خلاف كبير حول الوضع في بحر الصين الجنوبي الذي تدعي الصين إنه ضمن مياهها الإقليمية ، وهو ما قد يمنحها السيطرة على احتياطات النفط والغاز التي يزخر بها البحر ، وكذلك السيطرة على ٤٠٪ من التجارة العالمية التي تمر عبر هذا البحر الاستراتيجي .
لكن الولايات المتحدة ومعظم دول العالم يرون إن هذه المياه هي مياه دولية يحق لكل دولة الإبحار فيها ، وتعمل الصين بوتيرة سريعة على توسيع اسطولها البحري ( وهي تملك الآن سفنا بحرية أكثر من الولايات المتحدة) ، وتقوم أيضا ببناء جزر اصطناعية في أنحاء عديدة من بحر الصين الجنوبي لتكون نقاط عسكرية استراتيجية .
الصين والولايات المتحدة أيضا على خلاف حول قواعد التجارة الدولية ، والتعريفة الكمركية ، ويرافق ذلك علاقة تجارية غير متوازنة ، وتهم ضد الصين من جانب الولايات المتحدة بسرقة مهمة للملكية الفردية، ونشاطات لهجمات سيبرانية يقوم بها كلا الطرفين، وانتهاكات خطيرة لحقوق الانسان ضد السكان المسلمين الايغور داخل الصين، والوضع في هونغ كونغ ، حيث تعتقد الولايات المتحدة إن الصين تقوم بانتهاك المعاهدة التي أعادت المستعمرة البريطانية السابقة الى " الوضع الخاص " داخل الصين .
كما توجد خلافات عميقة بشأن السيطرة على شبكات الجيل الخامس G5 ، ووضع شركة هاواي الصينية المجهزة لهذه الشبكات ، والانتقام من الشركات الامريكية التي تعمل من الصين والتي ترفض التوافق على قضايا السياسة الصينية مثل ( الوضع في تايوان )، و( معاملة الايغور ) ، والنتائج المدمرة لكوفيد ١٩ في الولايات المتحدة ، والذي كان مصدره فايروس بدأ لاول مرة في مدينة واهان الصينية وانتشر منها الى بقية بلدان العالم ، وحرية تايوان : هل ستنضم الى الصين في نهاية المطاف أم تحافظ على وضعها الراهن .
إن التاريخ حافل بالأمثلة على ما يسمى ( بمصيدة ثيوسيديز) THUCYDIDES TRAP، التي تحدث عنها عالم السياسة في هارفارد ، غراهام أليسون ، وهي * كلما قوة صاعدة ( وفي هذه الحالة الصين ) تواجه قوة راسخة ( وهي الولايات المتحدة ) ، فإن النتيجة تؤدي في أغلب الأحيان الى صراع عالمي ، وهذا ما كان عليه العالم خلال الألفين سنة الماضية .
وهذا يحدث بالرغم أنه في معظم الحالات لا توجد مكاسب لأي طرف في شن الحرب ، وفي التاريخ الحديث ، حدث ذلك في العام ١٩١٤، عندما إنحدرت القوى الاوروبية الكبرى التي كانت متشابكة بشدة من خلال العلاقات الأسرية الملكية، والشبكات الاقتصادية ، نحو الحرب العالمية المدمرة .
وفي الآونة الأخيرة ، تفادى العالم رصاصة خطيرة في الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي ، حيث كانا على مقربة من تبادل نووي، كان من شأنه ان يدمر جزءا كبيرا من الكوكب .
وبالرغم من كثرة الملفات التي تعد محل خلاف بين واشنطن و بكين ، الا إن بحر الصين الجنوبي سيكون البؤرة التي تنطلق منها شرارة الحرب بين البلدين، بسبب المياه المتنازع عليها ، حيث تقوم الولايات المتحدة بدوريات متكررة تطلق عليها " حرية الملاحة " ، وتبحر سفنها في المياه المتنازع عليها ، وغالبا ما تكون قريبة جدا من الساحل الصيني ، وغالبا ما يرد الاسطول البحري الصيني والقوة الجوية الصينية على ذلك بشكل عدائي .
الولايات المتحدة سوف تستمر في هذه الدوريات ، وسوف تضغط على الحلفاء للمشاركة ، وهذه الدوريات تجري على كلا الجانبين من قبل قادة عسكريين شباب نسبيا ، رجال ونساء في العشرينيات ، والثلاثينيات، ونحن كلانا نعلم همة وفخر وموقف مثل هؤلاء المحاربين الشباب ، حيث إنهم لن يتراجعوا أو يعترفوا بالهزيمة، وكل طرف وبكل سهولة قد يحصل لديه سوء تقدير ، مما يجعل الطرف الآخر يرد بعدوانية أكبر ، وهكذا سلم التصعيد سوف يبدأ بكل سهولة، اذا ما تم إسقاط طائرة صينية ، أو تعرض مدمرة أمريكية الى صاروخ صيني ، مع وقوع قتلى وخسائر ، فإن من شأن ذلك أن يزيد من مشاعر الفخر القومي في كلا العاصمتين، واشنطن وبكين ، خصوصا في ضوء ما حصل خلال الانتخابات الامريكية الاخيرة ، حيث استخدم الجمهوريون والديمقراطيون على حد سواء، الصين " كيس ملاكمة بلاغي " , واذا ما حصلت حادثة من هذا القبيل ، ولربما في مضائق تايوان لتضيف شيئا آخر الى الفخر الوطني المتطرف للصين ، حيث ترى أن تايوان هي جزء من الأراضي الصينية ، وهذا قد يشعل بسهولة تبادلا عسكريا أكبر وأوسع نطاقا من الطلقات التحذيرية ، والاحتكاكات القريبة التي شاهدناها حتى الآن .
ونحن في الجيش نقول عندما تطلق الذخائر ، ويقتل أشخاص، فإن كل شئ يتغير ، إنها تشبه فتح باب في غرفة مظلمة للغاية ، فتصبح عملية التنبؤ بالنتائج أكثر صعوبة ، هجمات أقوى من كل طرف تأتي ، مثل هجمات سيبرانية واسعة، ربما ضد البنى التحتية الحساسة، ومن الممكن ان تكون مجموعات حاملات الطائرات الهجومية وجها لوجه ( أو في حالة تصادم ) ، وحتى مع وقوع خسائر أكبر ، فإن الإغراء بإستخدام الأسلحة النووية التكتيكية، ربما في البحر ، متصوريين إن ذلك لا يمكن أن يتصاعد الى مستوى التبادل الاستراتيجي للقوة .
كل هذا يبدو غير متصور، ومع ذلك في كثير من الأحيان ، فإن التحديات في الإستجابة للتهديدات الكبيرة لا تتمثل في فشل استخباراتي، وانما في فشل تصوري ( خيالي ) ، نحن لم نتخيل حادثة بيرل هاربر ، أو هجوما مدمرا على الولايات المتحدة أدى الى تدمير برجي التجارة العالميين في نيويورك، أو عشرين سنة حرب في أفغانستان ، وعلى نحو جماعي ، علينا ان نتخيل كارثة حرب محتملة بين الولايات المتحدة والصين، حتى نتمكن من التصرف المضاد، ومنع وقوعها .
إن فرص إنحدار الولايات المتحدة والصين الى حرب هي حقيقية ومتزايدة ، إنها لا تتطلب فقط تخيل، ولكن أيضا العمل الشاق لإيجاد استراتيجية وطنية يمكن أن توظف جميع أدوات ووسائل الدولة المعتبرة مثل الدبلوماسية، الاقتصاد، الردع العسكري ، الثقافة ، والاتصالات اذا ما أردنا تجنب السير أثناء النوم الى حرب القرن الحادي والعشرين .
https://telegram.me/buratha