د. محمد العبادي ||
ليس من المبالغة إن قلت ان الديبلوماسية الايرانية تقوم بحساب المعادلات الإقليمية والدولية بتأن ودقة ،وليس أدل على ذلك من العلاقة البينية والتضايفية بين طالبان وإيران رغم التناقض الآيديولوجي والثقافي الصارخ بينهما ، وأيضا رغم التضاريس السياسية المعقدة بينهما، ورغم أن طالبان وبالاشتراك مع (جيش الصحابة) قد ارتكبت عمليات قتل سنة ١٩٩٨م بحق الديبلوماسيين الإيرانيين(١١) فردا في مبنى القنصلية الايرانية في أفغانستان واحتجاز عشرات الإيرانيين وغيره، ورغم كل ذلك فقد تجاوزت ايران تلك الحواجز الكبيرة ، لأن الخوارزميات السياسية ومصالح شعوب المنطقة تقتضي مد جسور التواصل بين دولها ، وطرد الغرباء الأغيار والذين جاءوا إلى المنطقة وجاءت معهم كل الحروب والمجازر والافكار الإنفصالية الهدامة وما آلت إليه من الفتن الطائفية والقومية والفقر وغير ذلك .
في غير مرة تمد ايران فيها يد الصداقة والتعاون مع البلدان المجاورة ، لأن سياستها قائمة على إقامة علاقات التعاون وحسن الجوار والمصالح المشتركة بين الدول الإسلامية والصديقة وخاصة البلدان المجاورة لها .
ليست هي المرة الأولى التي يزور فيها وفد من حركة طالبان لطهران ، بل سبق وأن جاء وفد في نيسان سنة ٢٠١٩م في أعقاب المحادثات بين أمريكا والحركة ، ثم في أيلول سنة ٢٠١٩م ، وأخيرا في ٢٦ من الشهر الجاري سنة٢٠٢١م .
هذا التفاوض مع جماعة طالبان لم يكن دون علم دولة افغانستان ؛ فقد قام علي شمخاني مسؤول الأمن القومي الإيراني بزيارة لافغانستان في سنة ٢٠١٩م ، وأيضا من الجانب الأفغاني وفي تشرين الثاني من سنة ٢٠٢٠م زار إيران رئيس المجلس الوطني الأعلى للمصالحة الأفغانية عبدالله عبدالله، والتقى بكبار المسؤولين وعلى رأسهم الرئيس حسن روحاني وناقش معه مستجدات المصالحة الأفغانية ودور طهران المؤثر فيها . وأيضا قبل وقت قريب من العام الماضي زار إيران مستشار الأمن القومي الأفغاني حمد الله محب وأجرى لقاءات مع المسؤولين الإيرانيين وتداول معهم مختلف الموضوعات ، ومنها ما يخص دور الحركة وتأثيرها على الأمن والاستقرار داخل أفغانستان.
ان هذه الزيارات المتبادلة تأتي في إطار التشاور وتقريب وجهات النظر من أجل صنع الأمن والاستقرار داخل أفغانستان.
لم تقتصر زيارة قادة جماعة طالبان على إيران وفقط ، وإنما قاموا بزيارات سابقة الى باكستان وروسيا والصين .
إن هذه الزيارة لإيران لم تكن سرية؛ فقد أعلنت الخارجية الإيرانية يوم الثلاثاء الماضي على لسان ناطقها الرسمي خطيب زاده عن وصول الوفد إلى طهران .
وفد الحركة كان يترأسه الملا عبدالغني برادر رئيس المكتب السياسي للحركة والذي كان المسؤول العسكري الأول في العاصمة كابل أثناء سيطرة الجماعة على اغلب مناطق افغانستان.
ان نظرة في جدول الزيارة وتوقيتها يكشف عن أهميتها وتنوع موضوعاتها في صنع استقلال واستقرار أفغانستان حيث إلتقى وفد الحركة مع الممثل الايراني الخاص في افغانستان محمد ابراهيم طاهريان فرد ، وكان قد أجرى ممثل إيران الخاص مباحثات سابقة مع روسيا وآلمانيا وافغانستان الى جانب ممثل الأمين العام للأمم المتحدة الخاص بالشؤون الأفغانية ؛ الأمر الذي يعني أن المحادثات التي اجراها الممثل الإيراني الخاص مع وفد الحركة هي في سبيل ترتيب الاوضاع الداخلية بما فيها وضع الحركة في أفغانستان بما يحقق الأمن والسلام في هذا البلد .
وفي صبيحة يوم أمس الأربعاء كان لوفد طالبان لقاء آخر عقده مع مسؤول الأمن القومي الإيراني علي شمخاني ، وقد غرد شمخاني ولمح إلى ما دار في الحوار بعبارة مقتضبة عن عزم الحركة وجديتها في طرد القوات الأجنبية من افغانستان .
كما أن جدول الزيارة تضمن عقد لقاء مع الدكتور ظريف لدفع مباحثات السلام في افغانستان .
ان حركة طالبان قد عقدت اتفاقية سلام مع الولايات المتحدة الأمريكية، لكن يبدو أن أمريكا وعلى لسان خارجيتها أنتوني بلينكن تريد إعادة النظر في الاتفاقية وترغب في الإبقاء على عشرة آلاف من قواتها في أفغانستان وهو ماترفضه الحركة وبعض جيرانها ومنهم إيران ، ويعتبر هذا الموضوع أحد الأسباب الموجبة للزيارة .
إن اتفاقية السلام بين الحركة وبين طالبان من الممكن أن تستغلها أمريكا في تجييش الحركة ضد ايران ، كما أن إيران وحسب بعض الخبراء في الشأن الأفغاني تريد من خلال هذا التواصل إنهاء النزاع داخل أفغانستان ، لأن ذلك ينعكس على استقرار ايران والمنطقة وأزدهارها .
بمعنى ان ايران تريد أن إشراك الحركة تحت غطاء الدولة في صنع السلام الداخلي والذي لو تحقق سيسحب البساط من تحت أرجل الامريكان الذين يتذرعون بمحاربة الإرهاب .
وربما في البين مسائل أخرى ستبحثها ايران مع الحركة مثل مسألة اللاجئين الذين يعدون بالملايين داخل ايران ، وموضوع داعش على حدودها الشرقية ( ولاية خراسان الدولة الإسلامية )والتي لها بيئة حاضنة في شمال غرب افغانستان وتمتد طموحاتها إلى مزار شريف ومنها إلى مدينة مشهد الايرانية .
ان ايران ترغب بتصفير التواجد الأجنبي وخاصة التواجد الأمريكي الذي لم يحقق السلام ليس في أفغانستان فحسب ؛ بل وفي منطقة الشرق الأوسط وغرب آسيا، ومناطق أخرى من العالم
https://telegram.me/buratha