د.محمد العبادي ||
لقد خسر ترامب الانتخابات وأخرج من البيت الأبيض مذموما مدحورا لم يرافقه في توديعه من جوقته الوزارية والحكومية إلا زوجته وهي ترتدي ثيابا سوداء حدادا على الخسارة المرة .
لقد شاهدنا تجليات الله وقدرته في قهر (ترامب) وإذلاله بعد أن نزع عنه الملك وترشح من ذلك الذل _ الذي حظي به ترامب_ حزنا وغما وبكاء لباقي أفراد عائلته الذين كانوا في انتظاره في ولاية فلوريدا .
في مشهد آخر كان جو بايدن وأفراد عائلته في حالة انبساط ونشاط حتى أن بايدن رغم كهولة سنه ؛ ذهب غير مرة مهرولا ذات اليمين نحو الناس لتأدية التحية والمجاملات .
لقد إختلف المشهد في أمريكا هذه المرة وغلب عليه الطابع الأمني مضافا إلى جائحة كورونا التي باعدت بين الناس واخفت صورهم ؛ بل جعلتهم أحلاس بيوتهم .
خطابات وكلمات كثيرة ألقاها بايدن على أسماع الناس، لكننا سنكتفي منها عند كلمته أثناء حفل تنصيبه رئيسا لأمريكا .
الرئيس الأمريكي بايدن بعد إنتخابه رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية كثف حديثه عن الداخل الأمريكي ، وركز خطابه حول مفردة (الوحدة) في أمريكا ، وكأنه يشير إلى حالة الانقسام العمودي داخل المجتمع الأمريكي ووصف ذلك بأنها تحديات وليس مشكلات أو أزمات ؛ حيث قال (علينا مواجهة التحديات أو الصعوبات) وهي محاولة للتقليل من حجم تراكم المشاكل ووصولها الى حافة الأزمة.
ان موضوع الانقسام العنصري أو التطرف على سبيل المثال يتجاوز مسألة (التحدي) ويتخطى حتى حدود (المشكلة)، ويصل الى حدود الأزمة.
ان الرئيس الأمريكي الجديد جعل كل ما تواجهه الولايات المتحدة في قالب ( التحديات ) وهو خلط متعمد لمصطلحي( التحدي) و (الأزمة ) لاسيما وانه صاحب تجربة طويلة في السياسة والادارة .
نعم توجد في البين (تحديات) مثل فايروس كورونا و والذي تحول إلى مشكلة بعد إنتشار الواسع داخل المجتمع الأمريكي ، وهناك تحدي آخر مثل فقدان الوظائف ، وإغلاق الشركات . هذه الأمثلة هي عبارة عن ( تحديات)؛ وقد ذكر بايدن ذلك بقوله (أنه أخذ من الأرواح في عام واحد أكثر مما أخذته الحرب العالمية الثانية من الامريكيين . الملايين من الوظائف فقدت ، ومئات الشركات خسرت) .
انه يريد تبسيط (الأزمة ) الاجتماعية ويقلل من شأن العنصرية المتغلغلة في الداخل الأمريكي.
ان الذي دفع المتظاهرين إلى الدخول إلى مبنى الكونغرس (الكابيتول ) لم يكن فيروس كورونا أو فقدان الوظائف ؛ بل هي الأعمال العرقية وموضوع تفوق العنصر الأبيض ،وقد أشار بايدن إلى ذلك بأن (علينا أن نواجه العنصرية البيضاء والإرهاب الداخلي أو المحلي....غضب وتطرف ، الكراهية )، وهو يقصد بذلك اليمين المتطرف ، أو العنصريين البيض .
وأشار إلى حجم المشكلة وأبعادها الخطيرة (أعرف أن القوة التي تفرقنا عميقة وهي حقيقية ، ولكن أعرف أيضا أنها ليست بالجديدة ).
ولاحقا ومن داخل البيت الأبيض قال بايدن ( علينا أن نتخلص من العنصرية الممنهجة).
إنها أزمة إجتماعية وثقافية عميقة داخل المجتمع الأمريكي وهي التي رسمت صورة المشهد الأمني داخل الولايات الخمسين وخاصة في العاصمة واشنطن ولهذا نشاهد الرئيس بايدن يتحدث عن (حلم العدالة للجميع ) .
إن خطاب الرئيس جو بايدن لم يكن خطابا تصادميا؛ بل كان احتوائيا .
لقد كان أسلوبه في الحديث فيه عاطفة من أجل أن يستوعب المتطرفين ويمتص حالة الغضب الذي يعتمل في نفوسهم ، حتى أنه كرر قراءة نصوص إنجيلية لتملق عاطفة الانجليين أو الايديولوجيين المؤيدين لترامب .
وقد أكثر أثناء خطابه من مفردة (الوحدة) و ( امتنا ) (أمريكا ) حيث تكررت كل مفردة من هذه المفردات الثلاث في خطابه لأكثر من عشر مرات ؛ وأنقل على سبيل المثال بعض العبارات التي وردت فيها كلمة الوحدة : ( الوحدة ..الوحدة ) ،(مع الوحدة بإمكاننا أن نحقق أشياء عظيمة ومهمة ).
لقد كانت بعض عبارات بايدن في دعوته للشعب الأمريكي بالاتحاد والتضامن فيها توسل واستصراخ للناس ( أضع روحي للعمل في ان نوحد أمريكا ،وأن نوحد شعبنا ونوحد امتنا ، وأطلب من كل أمريكي ان ينضم إلينا ) ، ( يمكن أن نوحد أمريكا مرة أخرى ونجعلها قوة الخير العالمية ) ( أنا أعرف عندما أتحدث عن الوحدة ، قد يبدو للبعض أنه مثل الخيال ) ( المعركة صعبة ، التاريخ.. الأمل . الايمان تظهر الطريق وتقودنا إلى الوحدة ) ( الوحدة هي الطريق للمضي قدما) و..و..الخ.
إن أمريكا لديها تحديات مثل فيروس كورونا والذي تحول إلى مشكلة بعد تفشيه بين الأمريكيين، وتواجه أزمات حقيقية مثل أزمة العنصرية ، وأزمة التطرف عند أقصى اليمين وعند أقصى اليسار والتي آلت الى ظاهرة الاستقطاب الحاد ، واظن ان الأزمات في الداخل الامريكي تحتاج الى وقت طويل لعلاجها ولو بقيت تلك الأزمات فإنها ستؤدي الى شفير هاوية التفكك للولايات الخمسين .
ـــــــ
https://telegram.me/buratha