متابعة ـ علي عبد سلمان||
كتب – جورج مونبيوت
نُشر في الجارديان بتاريخ 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2016.
أجل. سياسة دونالد ترامب عشوائية، لكن من حوله يعرفون ماذا يريدون، وتشوش أفكاره يزيد من قوتهم. حتى نفهم المرحلة المقبلة، فعلينا فهم من هؤلاء. أنا أعرفهم جيداً إذ أمضيت السنوات الـ 15 الأخيرة أحاربهم.
على مدار الفترة المذكورة راقبت شركات التبغ والفحم والوقود والكيماويات والتكنولوجيا الحيوية تزوّد ماكينة دولية من المعلومات المغلوطة بالمليارات، والماكينة قوامها مؤسسات بحثية ومدونين ومجموعات من المواطنين الناشطين المزيفة. غايتها هي تصوير مصالح المليارديرات بصفتها مصالح الشعوب، وأن تشن حرباً على النقابات وتسحق كل محاولات تنظيم الأعمال والضرائب التي يسددها فاحشو الثراء. الناس الذين ساعدوا في تدوير هذه الماكينة يشكّلون الحكومة الآن.
صادفت هذه الماكينة لأول مرة عندما كتبت عن التغير المناخي. كان السخط والحقد المسكوبين على علماء المناخ والمطالبين بوقف التغير المناخي لُغز حتى أدركت أن هذا ليس إلا سخط وحقد كاذبين. هي مشاعر ممولة. المدونون والباحثون الذين يسكبون كل هذا الغضب ممولون من شركات النفط والفحم.
من بين من دخلت معهم في صدام “ميرون إبيل” من “معهد الأعمال التنافسية CEI”. يصف المعهد نفسه بمسمى مؤسسة بحثية “ثينك تانك”، لكنه يبدو لي جماعة ضغط لتحقيق مصالح شركات. ليس المعهد شفافاً في إنفاقه، لكن نعرف الآن على سبيل المعلومات المُتاحة أنه تلقى مليوني دولار من “إكسون موبيل“، وأكثر من 4 ملايين دولار من مجموعة تُدعى “أمانة المانحين” (وهي تمثل عدة شركات ومليارديرات )، و800 ألف دولار من مجموعات أنشأها من ملوك المال والأعمال تشارلز وديفيد كوش، فضلا عن مبالغ كبيرة من شركات الفحم والتبغ والأدوية.
على مدار سنوات دأب “ميرون إبيل” ومعهد الأعمال التنافسية على مهاجمة جهود الحد من آثار التغير المناخي، عن طريق أعمال الضغط (اللوبي) ورفع القضايا وشن الحملات. أصدر المعهد إعلاناً شعاره “ثاني أوكسيد الكربون: يسمونه تلوث، ونسميه حياة“.
سعى المعهد لوقف تمويل التعليم البيئي، وضغط ضد قانون الكائنات المهددة بالانقراض، وتحرّش بعلماء المناخ وضغط لصالح تنقيب شركات الفحم في المناطق الجبلية. في 2004 أرسل إبيل مذكرة إلى أحد موظفي جورج دبليو بوش يطالب فيها بفصل رئيس هيئة حماية البيئة عن العمل. أين إبيل الآن؟ إنه يقود فريق ترامب الانتقالي المعني بهيئة حماية البيئة الأمريكية.
لعل تشارلز وديفيد كوش – اللذان مولا لسنوات سياسات متمادية في مناصرة الشركات – أقول لعلهما ليسا ممن يبدون الحماس لرئاسة ترامب، لكن تابعين لهما شاركا بحماس في حملته الانتخابية. حتى يونيو/حزيران، كان مدير حملة ترامب الانتخابية هو كوري ليفانودوفسكي، وهو مثل الأعضاء الآخرين في فريق ترامب، جاء من مجموعة تُدعى “أمريكيون من أجل الرخاء”.
هذه المجموعة تدّعي أنها حملة شعبية، لكنها أسسها ويمولها الشقيقان كوش. هي المجموعة التي أعدت أول صفحة على الفيسبوك لحركة “حزب الشاي” اليمينية المتطرفة. بميزانية تناهز مئات الملايين من الدولارات، دافعت حركة أمريكيون من أجل الرخاء بشراسة عن قضايا وثيقة الصلة بمصالح الأخوين كوش في النفط والغاز والمعادن والأخشاب والكيماويات.
في ميتشجن، ساعدت الحركة في تمرير “قانون الحق في العمل”، اتساقاً مع ما وصفه مدير محلي في حركة أمريكيون من أجل الرخاء بـ “تركيع النقابات”. شنت حملة على مستوى الولايات المتحدة ضد اتخاذ تدابير لتخفيف آثار التغير المناخي. أنفقت مئات الملايين من الدولارات على إزاحة ساسة رفضوا طلباتها واستبدلتهم بآخرين تحرّوا السمع والطاعة.
يمكنني أن أعبئ صفحات هذه الجريدة بأسماء موظفين في إدارة ترامب ينحدرون من مثل هذه الحركات والجماعات: أشخاص مثل دوج دومينيش من “مؤسسة تكساس للسياسات العامة” الممولة – من بين ممولين آخرين – من قبل الشقيقين كوش وإكسون و”أمانة المانحين”. وهناك باري بينيت، الذي رفض “تحالف مستقبل أمريكا” (يُدعى الآن “أمة واحدة”) التابع له أن يكشف عن قائمة مانحيه عندما طُلب منه ذلك. وهناك توماس بايل، رئيس “تحالف الطاقة الأمريكية”، الممول من إكسون وآخرين. كل هذا ولم نتكلم بعد عن أزمة تضارب المصالح الكبيرة، بين شركات ترامب والرئاسة. وعد ترامب بـ “تجفيف مستنقع” جماعات المصالح (اللوبي) والمجموعات الممثلة لشركات في واشنطن. لكن يبدو أن المستنقعات الوحيدة التي سيجففها هي مستنقعات حقيقية؛ إذ يشن فريقه حرباً على الطبيعة.
تكثر الأخبار حول العنصريين والمؤمنين بسمو الجنس الأبيض الذين تجرأوا إبان فوز ترامب الانتخابي. لكن رغم فحش هذه الأخبار، فليست تمثل إلا هامش سياساته التي يُعدّ لها فريقه. ربما من المريح التركيز على هؤلاء العنصريين، إذ على الأقل نعرف من هم وما هي أفكارهم. على النقيض، فإن اختراق ماكينة المعلومات المغلوطة التي تديرها الشركات يعني دخول عالم من المرايا. حاول قضاء فترة طويلة في فهمه، وسوف تضر هذه المرايا المتقابلة بحالتك العقلية.
لا تتخيل أن مناطق العالم الأخرى حصينة؛ فالمعاهد البحثية الممولة من الشركات والحركات الشعبية المزيفة أصبحت في كل مكان. الأخبار المزيفة التي يجب أن تقلقنا ليست الأخبار التي أخترعها البعض حول بيع هيلاري كلينتون السلاح للدولة الإسلامية، إنما الآلة الإخبارية التي تضخ بلا انقطاع معلومات وأنباء حول النقابات والضرائب غرضها التخويف والترويع، وتقف ورائها جماعات ترفض كشف مصالحها بشكل شفاف.
كلما قلت شفافيتهم؛ زاد ظهورهم على شاشات التلفزيون. تعد منظمة “Transparify” استبياناً سنوياً حول المعاهد البحثية. كشف استبيان هذا العام أن في المملكة المتحدة وحدها 4 معاهد بحثية (معهد أدم سميث، مركز دراسات السياسات، معهد الشؤون الاقتصادية، ومؤسسة تبادل السياسات) “ما زالت تقبل أخذ نقود من مجهولين وراء الأبواب المغلقة”.
عندما يظهر ممثلو معهد الشؤون الاقتصادية على شاشة الـ بي بي سي – وهم يفعلون كثيراً – للجدال ضد فرض قوانين لتنظيم تجارة التبغ، أليس علينا أن نخبرهم أن المعهد تموله شركات التبغ منذ عام 1963؟ هناك نمط مشابه في الولايات المتحدة: الجماعات الأعلى صوتاً هي الأكثر غموضاً وإبهاماً.
وكالعادة، فإن اليسار والوسط (وأنا منهم) يجلدون أنفسهم ويتساءلون أين الخطأ ولماذا فشلنا. هناك إجابات كثيرة، لكن إجابة منها تقول ببساطة إن غيرنا أنفقوا على مصالحهم أكثر بكثير مما أنفقنا. ليس بفارق ضئيل، إنما الفارق هوة سحيقة. أنفِق بضع مليارات من الدولارات على إقناع الغير وسوف تنال السياسة التي تريدها. لا يمكن للناشطين الصادقين الذين يعملون في أوقات فراغهم مضاهاة الشبكة الاحترافية التي قوامها الآلاف من الموظفين الفاسدين أصحاب الرواتب الجيدة على الجانب الآخر.
لا يمكنك مواجهة قوة لا تعرف مداها. أول مهمة أمامنا في هذا النضال هي فهم ما الذي نواجهه. وقتها فقط يمكننا التخطيط لما يجب عمله.
ـــــــ
https://telegram.me/buratha