(بي بي سي) لندن: فرانك غاردنر - وصل إلى السعودية يوم الأربعاء الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، في آخر زيارة يقوم بها لأهم حليف عربي للولايات المتحدة قبل انتهاء فترة ولايته.
ويلتقي الرئيس الأمريكي بالملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز، ويحضر قمة لدول مجلس التعاون الخليجي للتأكيد على أن واشنطن ما زالت مهتمة بمنطقتهم وواعية بمخاوفهم، وأهمها الشكوك بأن واشنطن بدأت التخلي عن التزاماتها في الشرق الأوسط.
ولكن خلف البروتوكول والاستقبال الحافل والتصريحات الصحفية الرسمية، ثمة أدلة تشير إلى أن العلاقة ذات الـ 71 عاما بين الولايات المتحدة والسعودية تتعرض لضغوط حقيقية.
فهل هذه ظاهرة مؤقتة، أم أن العلاقة بين البلدين في طريقها إلى الفناء؟
مهما بلغت كياسة العبارات التي يتفوه بها السعوديون في العلن، فإن الرئيس أوباما شخصيا يجسد بالنسبة لهم كل خيبة أمل بالإدارة الأمريكية الحالية.
ومن غير المرجح أن تعالج زيارة أوباما القصيرة القائمة الطويلة من الشكاوى السعودية.
وفي المقابل، فإن البيت الأبيض يشعر يإحباطات من ناحية الرياض، وأعلن عن بعضها من قبل.
وإجمالا، فإن العلاقات السعودية-الأمريكية لم تنقطع تماما، فالحليفان بحاجة إلى بعضهما. لكن هذا التحالف يتعرض لحالة من التوتر أكثر من أي وقت مضى منذ حرب عام 1973.
وفيما يلي بعض مظاهر هذا الاحتقان.
هجمات 11 سبتمبر
يعمل مجلس الشيوخ الأمريكي حاليا على وثيقة قد تدين السعودية في هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001.
ونفذ الهجوم 19 شخص، بينهم 15 سعودي، لكن اللجنة التي تولت التحقيق في الأحداث برأت المملكة العربية السعودية من الهجمات. ولوح البيت الأبيض آنذاك بالاعتراض على القرار.
وفي المقابل، هددت الحكومة السعودية بسحب استثمارات في الولايات المتحدة، تبلغ قيمتها ما بين 750 مليارا إلى تريليون دولار حال تمرير الوثيقة المزمع إصدارها.
وحتى إذا لم تُمرر الوثيقة، سيظل في ذهن الأمريكيين ذكرى بأن للسعودية دورا في أسوأ هجوم تعرضت له البلاد في التاريخ.
إيران
يسعى الرئيس الأمريكي إلى أن ينحي الغريمان، السعودية وإيران، خلافاتهما جانبا، ويتفقا على "تقسيم المنطقة بينهما".
لكن الخبراء يقولون أن هذا لا يمكن أن يحدث في وقت قريب.
ويعيش البلدان حالة من الصراع على النفوذ في المنطقة، الذي يأخذ شكل المصالح السعودية مقابل الإيرانية، والتحالفات السنية مقابل الشيعية.
ويشعر السعوديون بالحصار. ويخشون أن الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 تسبب في زيادة نفوذ الإيرانيين في ثلاثة من أكبر العواصم العربية، هي العاصمة العراقية بغداد، والعاصمة اللبنانية بيروت، والعاصمة السورية دمشق.
كما تتهم السعودية إيران بدعم "المتمردين" الشيعة في شرق المملكة، وفي البحرين، ودعم الحوثيين في اليمن.
كذلك ثمة مخاوف سعودية من الاتفاق الأخير للحد من البرنامج النووي الإيراني مقابل رفع العقوبات.
وتخشى المملكة أن الحرس الثوري الإيراني سيستغل الأموال الجديدة لدعم أنشطته في المنطقة. وأن واشنطن تسعى لإرساء قواعد الانتقال التدريجي من تحالفها الخليجي الذي تقوده السعودية، إلى آخر إيراني.
وقد وصف الأمير تركي الفيصل، السفير السعودي السابق في واشنطن، هذا التحرك بأن "الولايات المتحدة تتحول تدريجيا باتجاه إيران".
ومن المتوقع أن يكون هذا الموضوع على رأس قائمة محادثات أوباما يومي الأربعاء والخميس.
سوريا
ولم ينس الملك سلمان أبدا أن أوباما رفض القيام بضربات جوية تستهدف القوات السورية، بعد اتهام الحكومة بقتل الشعب عام 2013.
ويرى السعوديون أن الموقف الأمريكي ضعيف وغير حاسم، وأدى إلى استمرار المأساة التي يعيشها السوريون.
وبدأت السعودية في تكوين تحالفات أخرى، بعد الوصول إلى قناعة بعدم التزام الحكومة الأمريكية بوضع حد للصراع السوري، بحيث تكون القيادة السنية في تركيا والمسلحين السنيين في ساحة القتال.
وما زالت السعودية عضوا رسميا في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم "الدولة الإسلامية"، ونقلت طائرات مؤخرا إلى جنوب تركيا.
وفي مؤتمر ميونخ الأمني، في فبراير/شباط الماضي، قال وزير الخارجية السعودي إن تنظيم "الدولة الإسلامية" لن يُهزم طالما بقي بشار الأسد في السلطة.
لكن الولايات المتحدة هدأت من جهودها للإطاحة ببشار الأسد، وأعلنت عن تكوين "التحالف الإسلامي" الخاص بها، الذي يضم الدول السنية لـ "مكافحة الإرهاب" والترويج لأجندتها الخاصة.
اليمن
وينفذ التحالف الذي تقوده السعودية ضربات جوية تستهدف مواقع الحوثيين في اليمن منذ أكثر من عام، الأمر الذي تسبب في الكثير من الخسائر على الجانبين.
وتوفي أكثر من ستة آلاف يمني بسبب الصراع، إلا أنهم لم يكونوا جميعا ضحايا القصف. وكلفت الحرب السعودية حوالي 5.8 مليار دولار في الوقت الذي تعاني فيه من عجز في الموازنة.
ولا تشعر الولايات المتحدة بارتياح لعدم قدرتها على الفوز في الحرب، لكنها تستمر في إمداد الرياض بالمعلومات المخابراتية، والذخيرة، والأسلحة.
ومع اشتداد الحرب، يستمر التعاون بين الولايات المتحدة والسعودية لقصف مواقع القاعدة في جنوب اليمن بطائرات بدون طيار.
النفط
وانقضت أيام الاعتماد الأمريكي الكامل على النفط السعودي لتغطي احتياجاتها من الطاقة، وذلك بفضل الإنتاج الأمريكي من الوقود، وتكنولوجيا الوقود الصخري.
وفي المقابل، حافظت السعودية على كثافة إنتاجها من النفط للحفاظ على انخفاض أسعاره، فأصبح الإنتاج غير اقتصادي للمنتجين الأمريكيين.
كما تساهم زيادة الإنتاج الإيراني في الإضرار بأسعار النفط. ورغم قدرة السعودية حتى الآن على الحفاظ على كثافة إنتاجها بتكلفة منخفضة، إلا أنها ستحتاج لرفع الأسعار لتحقيق التوازن في ميزانيتها.
حقوق الإنسان
من المستبعد أن تصل السعودية والولايات المتحدة إلى اتفاق تام حول هذا الأمر، لكن من المتوقع أن يثير الرئيس الأمريكي هذه النقطة في محادثاته.
وعبرت واشنطن عن قلقها لإعدام العشرات هذا العام، من بينهم رجل الدين الشيعي البارز نمر النمر.
وطالبت منظمة "ريبرايف" الحقوقية الرئيس الأمريكي بالتدخل لصالح ثلاثة من السجناء السعوديين، الذين تقول إنهم كانوا أحداث وقت القبض عليهم.
كما قالت المنظمة إن زيارة الرئيس الأمريكي تأتي "في وقت تشهد فيه المملكة موجة كبيرة من القمع".
وختاما..
من غير المتوقع أن تسوى أي من الموضوعات السابق ذكرها خلال زيارة هذا الأسبوع.
وسيبقى تحالف واشنطن والرياض، وسيستمر التحالف العسكري الذي يقدر بمليارات الدولارات.
لكن ثمة درجة من انعدام الثقة بين الطرفين.
وفي منتدى أوكسفورد لدراسات الخليج وشبه الجزيرة العربية، قال الباحث زياد بلباجي: "بالنسبة لمن يعيشون في العالم العربي، توجد فجوة بين تراجع الالتزام الأمريكي بقضايا المنطقة، وبين ما ورد في خطاب أوباما في القاهرة عام 2008. وهذه الزيارة بها كل صفات زيارة الوداع، وليس تأكيد الالتزام بأي من القضايا العربية".
https://telegram.me/buratha