وردتني أسئلة عديدة بشأن الأضواء الحمراء التي شوهدت عقب العاصفة الشمسية التي حدثت مساء يوم الجمعة 1052024، وما إذا كانت لها علاقة بعلامات الظهور الشريف أو أنّها تنبؤ بأحداث خطيرة ستعقبها.
وللجواب عن ذلك، أشير أوّلاً إلى أنّ روايات أهل البيت عليهم السلام أشارت إلى حمرة تجلل السماء منها ما رواه ابن عقدة بسنده لأمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: لا تقوم القيامة (في نسخة القائم ولعله هو الصحيح) حتى تفقأ عين الدنيا، وتظهر الحمرة في السماء، وتلك دموع حملة العرش على أهل الأرض حتى يظهر فيهم عصابة لا خلاق لهم يدعون لولدي وهم براء من ولدي، تلك عصابة رديئة لا خلاق لهم، على الأشرار مسلطة، وللجبابرة مفتنة، وللملوك مبيرة، تظهر في سواد الكوفة، يقدمهم رجل أسود اللون والقلب، رثّ الدين، لا خلاق له، مهجّن زنيم عتّل..(الخبر). (فضائل أمير المؤمنين: 128 ح125، وعنه في غيبة النعمانيّ: 149ــ150 ب10 ح5)
وقد روى الشيخ الصدوق فيما رواه عن ابن مهزيار قول الإمام الحجة (عليه السلام): وظهرت الحمرة في السماء ثلاثاً فيها أعمدة كأعمدة اللجين تتلألأ نوراً. (كمال الدين وتمام النعمة: 497 ب43 ح23)
وكذلك روى الشيخ المفيد بسنده لأبي عبد الله الصادق عليه السلام أنّه قال: يزجر الناس قبل قيام القائم (عليه السلام) عن معاصيهم بنار تظهر في السماء، وحمرة تجلّل السماء. (الإرشاد 2: 378).
وقد ذكر في عقد الدرر في أخبار المنتظر وهو من كتب العامّة في فصله الرابع خلاصة لأخبار علامات ظهور الإمام (أرواحنا فداه) والكثير منها من مرويات أهل البيت (عليهم السلام) وكان منها قوله: وحمرة تظهر في السماء وتنتشر في أفقها ولبست كحمرة لشفق المعتاد. (عقد الدرر في أخبار المنتظر: 154ــ155 ف4)
وقد أورد نُعيم بن حمّاد (وهو من محدّثي العامّة) خبرين عن كعب الأحبار أشار فيه إلى حمرة تظهر في جوّ السماء في شهر رمضان. (الفتن: 130)
هذه هي حصيلة ما لدينا في الروايات عن الحمرة في السماء، وفي الواقع أمامنا حالات عدّة لتشكّل الحمرة في السماء، وهي الحالات المعتادة، فالغبار يمكن أن يشكل نمطاً من الاحمرار في شكل السماء أمام نواظرنا، ويمكن أن نرى الحمرة في السماء أثناء الغروب، ونسميها بالحمرة المشرقية والتي تظهر بالطرف المقابل لغروب الشمس، وفي مقابلها ما يسمّى بالحمرة المغربية، وهو لون الشفق من بعد تحقق الغروب، وهذه الأنماط من الحمرة هي من الأنماط المعتادة المتكررة دائماً، والتي لا تحمل أي دلالة تعريفية غير دلالتها على إثارة الغبار في الأولى والحركة المعتادة للشمس في الأخرى، وكما هو معروف فإنّ العلامة التي تعيّن لأمر معيّن يجب أن تحمل فيها دلالة واضحة ومتميّزة على هذا الأمر، وحيث لا تحمل هذه الحمرة أيّ دلالة ممّا أشرنا إليه، ولذا فلا اعتناء لنا بها.
ويمكن افتراضاً أن تنشأ الحمرة في السماء نتيجة لانبعاث غازات تقترن لسبب أو لآخر، سيّان في ذلك أن يكون طبيعياً كما قد يحصل في البراكين الضخمة أو بشريا نتيجة لحريق معين، ويكون لهذه الغازات اللون الأحمر، لتلتقي افتراضا بتيارات كهرومغناطيسية والأمر كي يتعلّق بما ورد في الروايات يجب أن يكون ضخماً جداً بحيث يرى قي السماء بشكل لافت، وعلى فرض وجود هذه الإمكانية فإنّ الحديث عن التشابه مع أعمدة اللجين، الوارد في الرواية لا يمكن تحققه بمثل هذه الافتراضات.
أو أن ينشأ نتيجة للتفاعل بين الغلاف الجوّي وبين الرياح الشمسية المشحونة بتيارات كهرومغناطيسية، نتيجة لمحاولة اختراق هذه الأخيرة للغلاف الجوي مما يتولّد من عملية تبديد الموجة وصدّها من قبل الغلاف الجوّي ألواناً عديدة وبأشكال مختلفة كما هو في ظاهرة الشفق القطبي، وتأخذ هذه الألوان لونها وفقاً لطبيعة الغاز المتوفّر في منطقة الاختراق، وبمقدار الموجة الشمسيّة يتم تحديد وقتها والمساحة التي تغطيها.
ويلاحظ في هذه الحالة أنّ ظاهرة الشفق القطبي تحصل في مناطق القطب الشمالي، وفي أوقات محددة من الشتاء وهي من النمط المعتاد، ما يعني أنّها لا تحمل ــ بحدّ ذاتها ــ دلالة ذات شأن يمكن أن يستخدم دليلاً تعريفياً على حدث يأتي من بعده في الواقع الاجتماعي كما هو الحال في علامات الظهور.
وهذا النمط وإن كان تتشكّل منه الألوان الفضية النازلة في بعض الأحيان وكأنها أعمدة متراصفة هو أمر معتاد فيه، بيد أنّ ما ليس معتاداً هو اللون الأحمر، والذي لا يتولّد إلّا مع وجود الأوكسجين في الطبقات العليا من الفضاء، وهذا نادر الحدوث جداً.
وبالنتيجة فإننا بصدد حالة تتّم على شاكلة الشفق القطبيّ، ولكن التفاعل بين التيارات الكهرومغناطيسية يكون مع غاز الأوكسجين حصراً لتتشكّل منه الحمرة السماويّة، ولا ينحصر ذلك بفصل الشتاء كما هو الحال في الشفق القطبيّ، وإنّما يحصل مع رياح شمسية تتجّه إلى الأرض، وهي تنجم في العادة من الانفجارات الشمسيّة الهائلة دون حصرها بوقت محدد.
والخلاصة التي ننتهي بها من خلال كل ذلك، هي أنّ الروايات أشارت إلى حمرة تجلل السماء، وهي هنا تعني رؤيتها في أماكن مساحتها أوسع مما نراه من ألوان الشفق القطبي، وهي غير مقيّدة بصيف أو شتاء، وتستمر لثلاثة أيّام، وتحصل نتيجة لاختراق ما هو المعبّر عنه في الرواية بفقأ عين الدنيا.
وما يميّزها عمّا سواها أنّ أحداثاً عديدة ستعقبها في الواقع الاجتماعي للناس، فلو أنّنا رأينا الحمرة من دون أن نرى تلك الأحداث، فإنّ وجود الدلالة على كونها هي العلامة التي أشارت إليها الروايات ستنتفي.
أما ما ورد في شأن حصول الحمرة في شهر رمضان، فهو أمر رواه كعب الأحبار، وهو غير موثوق بل ومتهم بالوضع، فلا تعويل على ما روى.
هذا على المستوى الروائي، أما ما يجري حالياً فيرتبط بعواصف شمسيّة غير معتادة وهي الأقوى من نوعها منذ عام 2003، وهي تشكّل مجموعة من خمسة انفجارات شمسية موجهة إلى الأرض من أصل أحد عشر انفجاراً، وقد صنّفت بالدرجة الخامسة الشديدة ضمن المقياس الخاص بقياس العواصف الشمسيّة، وقد وصل الأرض آثار الانفجار الأول يوم الجمعة، ويتوقع أن تستمر عدّة أيّام، وقد وصلت الأرض أوّل موجة شديدة من العاصفة بعد الغروب مباشرة بتوقيت العراق، وقد تمّ رؤية الحمرة السماوية والألوان الشفقية المتوافقة معها في أماكن عديدة بعيداً عن القطب الشمالي كما هو الحال في مناطق عديدة في بريطانيا والولايات المتحدة وعدد كبير من الدول الأوروبيّة وصولا الى أسبانيا وأمريكا الوسطى، وتحدّثت بعض المواقع عن رؤية الحمرة في مدينة سكيكدة الجزائرية على البحر الأبيض المتوسط، وقد أشارت بعض المصادر إلى إمكانية رؤية الحمرة السماويّة في العراق خلال الأيّام القليلة المقبلة، والله العالم.
يبقى أن نشير إلى كيفية التعامل مع الروايات الواردة في مجال الحمرة السماويّة، وهل ثمّة مجال للتقريب بين هذه الروايات وبين ظاهرة الحمرة السماوية هذه؟ فالظاهرة الاي بين أيدينا بحدّ ذاتها لافتة ونادرة ومهمّة، ولكن هذا لا يعطينا الحقّ في ربطها بحديث أهل البيت عليهم السلام ما لم تكن لدينا حجّة كافية على ذلك، ومع أنّ الواقع العام يكشف عن احتدام الآفاق بعلامات الظهور في عصرنا هذا، إلّا أننا لن نتسرع حتى نكتشف المحدّدات التي ذكرتها نفس الروايات لتمييزها عمّا يشابهها من أحداث، فحين تتحدث الرواية عن دموع حملة العرش إنّما تشير إلى مصائب كبيرة سيعاني منها الناس الذين يهتمّ بشأنهم حملة العرش تحصل قبلها، وثمّة فتن كثيرة تحدث بعدها في الكوفة وغيرها، ومع أنّ مصائب غزّة وفلسطين الجارية حالياً يمكن أن تكون من النمط التي تستدرّ دموع القديسين، ولكن من المبكر أن نعتبر أنّ ثمّة تطابقاً بين ما حصل وبين ما ورد في رواياتنا ما لم نر ما سيعقبها، ولهذا أعتقد أن الاهتمام بما يجري مهماً جداً، ولكن الاستعجال في اعتبار التطابق غير مجدي بل ومضر، والمطلوب هو الانتظار والترقّب، فلعل الله يحدث من بعد ذلك أمراً!
https://telegram.me/buratha