الصفحة الإسلامية

مقتل الامام الحسين والقرآن الكريم من كتاب السيد المقرّم (ح 2)


الدكتور فاضل حسن شريف

ويستطرد السيد عبد الرزاق المقرم في كتابه مقتل الحسين عليه السلام عن الغيب قائلا: سجل الشيخ الصدوق اعتقاده في الوحي والغشية، كما لم يتباعد عنه الشيخ المفيد فيقول: الوحي، منه ما يسمعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم من غير وساطة، ومنه ما يسمعه بوساطة الملائكة. واقتص أثره الحجة الشيخ محمّد تقي الاصفهاني، المعروف بـ (آقا نجفي)، مع زيادة علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالقرآن، وبما حواه من المعارف والفنون، وما اشتمل عليه من أسرار الطبائع وخواص الأشياء قبل أن يوحى به إليه، غاية الأمر عرّفه المولى جلَّ شأنه ألا يفيض هذا العلم قبل أن يوحي به إليه، فقال سبحانه: "وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ" (طه 114)، ولولا وقوف النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ما حواه الكتاب المجيد من الأسرار والمعارف، لما كان للنهي عن بيان ما فيه معنى. فظهر أن علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالحوادث الكائنة والتي كانت وتكون، لم يتوقف على نزول جبرئيل عليه، لأن المنحة الالهية المباركة أوقفته على جمع الحقائق قبل خلق جبرئيل. ومن هنا تتجلى ظاهرة اُخرى لم يدركها من لم يفقه ما تحلّت به هذه الشخصيات من مراتب الجلال والجمال، وهي معرفة الرسول الاعظم بالقراءة والكتابة على اختلاف انحاء اللغات، وتباين الخطوط قبل البعثة وبعدها، لبلوغه اسمى درجات الكمال، فلا تفوته هذه الصفة، مع أن اللازم من عدم معرفته بها، رجوعه إلى غيره فيما يحتاج اليه من كتابة وقراءة، فيكون مفضولاً بالنسبة اليه، مع أنه الفاضل في المحامد كلها. وبهذا الذي قلناه اذعن المحققون من الاعلام وآية "لاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ" (العنكبوت 48) لا تنفي معرفته بالكتابة على اطوارها، فإنها غاية ما تثبته عدم كتابته صلى الله عليه وآله وسلم، ولا ربط لها بعدم المعرفة للكتابة، فهو صلى الله عليه وآله عارف بالكتابة ولكنه لم يكتب، والعلة في نفي كتابته، ارتياب المبطلين كما صرح به القرآن. ومن لم يعرف المراد من علم الغيب المدّعى لهؤلاء الأفذاذ، استعظمه فأنكره. وحَكم من لا يفقه الشرع والشريعة بكفر معتقِده. حدّث الشيخ زاده الحنفي: أن قاسم الصفار أفتى بكفر من تزوج على شهادة الله تعالى ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، مدّعياً بأنه يقتضي اعتقاده في علم النبي بالغيب ولكن صاحب التتارخانية نفى الكفر عنه، لأنَّ بعض الاشياء تعرض على روح النبي صلى الله عليه وآله وسلم الطاهرة فيعرف بعض الغيب، وقد قال الله تعالى: "عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ" (الجن 26-27)، وكلاهما لم يفقها معنى الغيب المراد اثباته، ولا ادركا كنه خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله، فقالا بما شاء لهما إداركهما. وأمّا الحكاية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "لَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْر" (الاعراف 188)، فلا تفيد إلا كونه مفتقراً إلى الله تعالى في التعليم، وأنه لم يكن عالماً بالغيب من تلقاء نفسه. وهذا لا ريب فيه، فإنّ المعتقَد: إنّ الله تعالى هو المتلطّف على النبيّ وأبنائه عليهم السّلام بالملكة القدسيّة، التي تمكّنوا بواسطتها من استكشاف ما في الكون. في شرح الشفا للخفاجي 2 ص 150: إنّ المنفي في الآيات هو اطّلاعه على الغيب من غير وساطة، وأمّا علمه بالغيب بإعلام الله تعالى له، فثابت ومتحقق، لقوله تعالى: "فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ" (الجن 26-27).

ويستمر السيد المقرم متحدثا عن الغيب في كتابه: وقال ابن حجر الهيثمي: لا منافاة بين قوله تعالى: "قُل لا يَعلمُ مَن فِي السَّمواتِ وَالارضِ الغَيبَ إِلا اللَّهُ" (النمل 65)، وقوله: "عالِمُ الغَيبِ فلا يُظهِرُ على غَيبِهِ أَحدا" (الجن 26)، وبين علم الأنبياء والاولياء بجزئيات من الغيب، فإنّ علمهم: إنما هو بإعلام من الله تعالى، وهذا غير علمه الذي تفرد به تعالى شأنه من صفاته القديمة الأزلية، الدائمة الأبدية، المنزّهة عن التغيير، وهذا العلم الذاتي هو الذي تمدّح به، وأخبر في الآيتين بأنه لا يشاركه أحدٌ فيه. وأمّا مَن سواه، فإنما يعلم بجزئيات الغيب، فبإعلامه تعالى وإعلامه للأنبياء والأولياء ببعض الغيوب، ممكن لا يستلزم محالاً بوجه، فإنكار وقوعه عناد. ومن البداهة أنه لا يؤدي إلى مشاركتهم له تعالى فيما تفرد به من العلم الذي تمدّح به، واتصف به من الأزل، وعلى هذا مشى النووي في فتاواه. وعلى هذا الذي قرره ابن حجر سجّل اعتقاده النيسابوري صاحب التفسير فقال: إن امتناع الكرامة من الأولياء، إمّا لأن الله ليس أهلاً لأن يعطي المؤمن ما يريد، وإمّا لأن المؤمن ليس أهلاً لذلك، وكل منهما بعيد. فإن توفيق المؤمن لمعرفته لمن أشرف المواهب منه تعالى لعبده، فاذا لم يبخل الفيّاض بالأشرف، فلأن لا يبخل بالدون أولى. وقال ابن أبي الحديد: إنا لا ننكر أن يكون في نوع من البشر أشخاص يخبرون عن الغيوب، وكلّه مستند إلى الباري جلَّ شأنه بإقداره، وتمكينه، وتهيئة أسبابه. وقال لا منافاة بين قوله تعالى: "وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا" (لقمان 34)، وبين علمه صلى الله عليه وآله وسلم بفتح مكة، وما سيكون من قتال الناكثين والقاسطين والمارقين، فإن الآية غاية ما تدل عليه: هو نفي العلم بما يكون في الغد. وأمّا إذا كان بإعلام الله عز وجل، فلا، لأنه يجوز أن يُعلم الله نبيه بما يكون.

وعن آية التهلكة يقول السيد عبد الرزاق المقرم في كتابه مقتل الحسين عليه السلام: ممّا قررناه تجلّى لنا: أنه لم يعزب عن الأئمة عليه السلام العلم بالشهادة على يد من تكون، وفي أي وقت تقع، وفي أي شيء، إقداراً من الله تعالى لهم بما أودعه فيهم من مواد العلم التي بها استكشفوا الحوادث، مضافاً إلى ما يقرؤونه في الصحيفة النازلة من السماء على جدّهم المنقذ الاكبر صلى الله عليه وآله وسلم. وليس في إقدامهم على الشهادة إعانة على إزهاق نفوسهم القدسيّة، وإلقاؤها في التهلكة الممنوع منها بنص الذكر المجيد، فإنّ الإبقاء على النفس، والحذر عن إيرادها مورد الهلكة، إنّما يجب إذا كان مقدوراً لصاحبها، أو لم يقابل بمصلحة أهم من حفظها. وأمّا إذا وجدت هنالك مصلحة تكافئ تعريض النفس للهلاك كما في الجهاد، والدفاع عن النفس مع العلم بتسرب القتل إلى شرذمة من المجاهدين، وقد أمر الله الأنبياء والمرسلين والمؤمنين فمشوا إليه قدماً، موطّنين أنفسهم على القتل، وكم فيهم سعداء، وكم من نبي قتل في سبيل دعوته، ولم يبارح قوله دعوته حتّى أزهقت نفسه الطاهرة. وقد تعبّد الله طائفة من بني اسرائيل بقتل أنفسهم، فقال جلّ شأنه: "فَتُوبُوا إلى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ" (البقرة 54)، على أن الاقتصار على ما يقتضيه السياق يخرج الآية عمّا نحن فيه من ورودها للتحذير عمّا فيه الهلكة، فإنها أعقبت آية الاعتداء في الأشهر الحُرم على المسلمين. قال الله تعالى "الشَّهرُ الحرامُ بالشَّهرِ الحَرامِ وَالحُرُمَاتُ قِصاصٌ فمَنِ اعتدَى عَليكُمْ فاعتدوا عَليه بمثلِ ما اعتدَى عَليكُمْ وَاتَّقوا اللّه واعلموا أَنَّ اللّهَ مَع المُتَّقِينَ * وأَنفقُوا في سبيلِ اللّه ولا تُلقُوا بأَيديكُمْ إلى التَّهلُكَة وأَحسِنُوَا إِنَّ اللّهَ يُحبُّ المُحسنين" (البقرة 194-195). فيكون النهي عن الإلقاء في التهلكة خاصاً بما إذا اعتدى المشركون على المسلمين في الأشهر الحرم، ولم تكن للمسلمين قوة على مقاتلتهم. والألتزام بعموم النهي لكل ما فيه هلكة، لا يجعل حرمة إيراد النفس مورد الهلكة من المستقلات العقلية التي لا تقبل التخصيص، بل هي من الأحكام المختصة بما إذا لم توجد مصلحة أقوى من مفسدة الإقدام على التلف، ومع وجود المصلحة اللازمة لا يتأتّى الحكم بالحرمة أصلاً، كما في الدفاع عن بيضة الإسلام. وقد أثنى سبحانه وتعالى على المؤمنين في إقدامهم على القتل، والمجاهدة في سبيل تأييد الدعوة الإلهية، فقال تعالى: "إِنَّ اللّهَ اشترَى منَ المُؤمنينَ أَنفُسَهُمْ وأَموالهُمْ بأَنَّ لهُمُ الجَنَّةَ يُقاتِلُونَ في سبيلِ اللّهِ فَيَقتُلُونَ ويُقتَلُون" (التوبة 111)، وقال تعالى: "ولا تَحسَبنَّ الَّذينَ قُتِلُوا في سَبيلِ اللّهِ أَمواتاً بَلْ أَحياء عندَ ربِّهمْ يُرزقُون" (ال عمران 169)، وقال تعالى: "ومِنَ النَّاسِ مَن يَشرِي نَفسَهُ ابتِغَاء مَرضَاتِ اللّهِ" (البقرة 207). وبمثل هذا صارح الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في تعاليمه الثمينة أُمته، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (أفضل الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل تكلم بكلمة حقٍّ عند سلطان جائر فقتله). ولم يتباعد عن هذه التعاليم محمّد بن الحسن الشيباني، فينفي البأس عن رجل يحمل على الألف مع النجاة او النكاية، ثم قال: ولا بأس بمن يفقد النجاة أو النكاية إذا كان إقدامه على الألف مما يرهب العدو، ويقلق الجيش، معللاً: بأن هذا الأقدام أفضل من النكاية، لأن فيه منفعةً للمسلمين. ويقول ابن العربي المالكي: جوّز بعض العلماء أن يحمل الرجل على الجيش العظيم طالباً للشهادة، ولا يكون هذا من الإلقاء بالتهلكة، لأن الله تعالى يقول: "مَن يَشرِي نَفسَهُ ابتِغَاء مَرضَاتِ اللّهِ" (البقرة 207)، خصوصاً إذا أوجب الأقدام، تأكد عزم المسلمين حين يرون واحداً منهم قابل الاُلوف.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك