الدكتور فاضل حسن شريف
قال الله جل جلاله عن يخرصون "وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ" ﴿الأنعام 116﴾ يَخْرُصُونَ: يخرص فعل، ون ضمير، يخرصون: يكذبون فيما ينسبونه إلى الله. أو يظنون و يَحدِسون، و الخرّاص: الكذاب، يَخْرُصُونَ: يخمِّنون و يحزرون، ولو فُرض أيها الرسول أنك أطعت أكثر أهل الأرض لأضلُّوك عن دين الله، ما يسيرون إلا على ما ظنوه حقًّا بتقليدهم أسلافهم، وما هم إلا يظنون ويكذبون، و "أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ ۗ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ ۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ" ﴿يونس 66﴾ يَخْرُصونَ: يظنون و يكذبون، ألا إن لله كل مَن في السموات ومن في الأرض من الملائكة، والإنس، والجن وغير ذلك. وأي شيء يتَّبع مَن يدعو غير الله من الشركاء؟ ما يتَّبعون إلا الشك، وإن هم إلا يكذبون فيما ينسبونه إلى الله، و "وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَـٰنُ مَا عَبَدْنَاهُم ۗ مَّا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ ۖ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ" ﴿الزخرف 20﴾ يَخْرُصُونَ: يكذبون، وقال هؤلاء المشركون من قريش: لو شاء الرحمن ما عبدنا أحدًا من دونه، وهذه حجة باطلة، فقد أقام الله الحجة على العباد بإرسال الرسل وإنزال الكتب، فاحتجاجهم بالقضاء والقَدَر مِن أبطل الباطل مِن بعد إنذار الرسل لهم. ما لهم بحقيقة ما يقولون مِن ذلك مِن علم، وإنما يقولونه تخرُّصًا وكذبًا، لأنه لا خبر عندهم من الله بذلك ولا برهان، و "سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ ۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ حَتَّىٰ ذَاقُوا بَأْسَنَا ۗ قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا ۖ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ" ﴿الأنعام 148﴾ تَخْرُصونَ: تكذبون، قل لهم أيها الرسول: هل عندكم -فيما حرَّمتم من الأنعام والحرث، وفيما زعمتم من أن الله قد شاء لكم الكفر، ورضيه منكم وأحبه لكم من علم صحيح فتظهروه لنا؟ إن تتبعون في أمور هذا الدين إلا مجرد الظن، وإن أنتم إلا تكذبون، و "قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ" ﴿الذاريات 10﴾ الْخَرَّاصُونَ: ال اداة تعريف، خراصون اسم، الخراصون: الكذابون المفترون، قُتِلَ الخَرَّاصُونَ: لعن المكذبون بهذا الدين، لُعِن الكذابون الظانون غير الحق، الذين هم في لُـجَّة من الكفر والضلالة غافلون متمادون.
ورد ذكر مشتقات خرص في القرآن الكريم: يَخْرُصُونَ، تَخْرُصُونَ، الْخَرَّاصُونَ. جاء في معاني القرآن الكريم: الخرص: حرز الثمرة، والخرص: المحروز، كالنقض للمنقوض، وقيل: الخرص الكذب في قوله تعالى: "إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ" ﴿الزخرف 20﴾، قيل: معناه يكذبون. وقوله تعالى: "قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ" ﴿الذاريات 10﴾، قيل: لعن الكذابون، وحقيقة ذلك: أن كل قول مقول عن ظن وتخمين يقال: خرص، سواء كان مطابقا للشيء أو مخالفا له، من حيث إن صاحبه لم يقله عن علم ولا غلبة ظن ولا سماع، بل اعتمد فيه على الظن والتخمين، كفعل الخارص في خرصه، وكل من قال قولا على هذا النحو قد يسمى كاذبا وإن كان قوله مطابقا للمقول المخبر عنه كما حكي عن المنافقين في قوله عز وجل: " إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ" (المنافقون 1).
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى "وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ" ﴿الأنعام 116﴾ الخرص هو كل قول أطلق عن ظن وتخمين، وأصله من تخمين كمية الثمر على الأشجار عند استئجار البستان، وأمثال ذلك، ثم أطلق على كل ظن وتخمين قد يطابق الواقع وقد لا يطابقه، والكلمة تستعمل في الكذب أيضا، وقد تكون في الآية بكلا المعنيين. نعلم أن آيات هذه السورة نزلت في مكة، يوم كان المسلمون قلة في العدد، ولعل قلتهم هذه وكثرة المشركين وعبدة الأصنام كانت مدعاة لتوهم بعضهم أنه إذا كان دين أولئك باطلا فلم كثر أتباعه؟ وإذا كان دين الإسلام حقا، فما سبب قلة معتنقيه؟ ولدفع هذا التوهم يخاطب الله نبيه بعد ذكر أحقية القرآن في الآيات السابقة قائلا: "وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ" ﴿الأنعام 116﴾. وفي الجملة التالية يبين سبب ذلك، وهو أنهم لا يتبعون المنطق والتفكير السليم، بل هم يتبعون الظنون التي تخالطها الأهواء والأكاذيب ويمتزج بها الخداع والتخمين: "إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ" ﴿الأنعام 116﴾.
https://telegram.me/buratha