الصفحة الإسلامية

مفهوم العصمة في القرآن الكريم عند الشيخ جلال الدين الصغير من كتابه عصمة المعصوم (ح 13)


الدكتور فاضل حسن شريف

يستمر الشيخ جلال الدين الصغير عن نشأة العصمة قائلا: وفي حالة المعصوم فإن قلب هذا المعصوم ما هو إلا صفحة بيضاء لا يعتريها أي غبش لأنه نتاج نطفة تقلبت بين الساجدين فتنتقل من أصلاب طاهرة إلى أرحام مطهّرة لقوله تعالى: "وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ" (الشعراء 219)، وبالنتيجة فلا حائل في قلبه يحول دون رؤية ذلك النور والاهتداء بهديه، وهذا هو مؤدى الآية الكريمة التي أوردناها آنفاً في شأن علم الراسخين في العلم، فهو إنما حصل فلعدم وجود زيع في قلوبهم، ومما لا شك فيه أن الزيغ الذي تتحدث عنه الآيات لا يمكن أن يبلغ المعصوم وإلا لم يك جديراً بعلم الله ولا قابلاً له، وهذه الخصيصة إن ضمت إليها حقيقة ما يعلمه الله من مواصفاتهم الإرادية وصدقهم في عبوديتهم، فإنها تنفي عندئذ أي غرابة من أن تجد ذلك الطفل يبعث نبياً ولما يزل في المهد صبياً، ويتمكن من الحكم ولما يزل في مرحلة الطفولة، ولئن كان هذا الأمر سارياً على عيسى ويحيى عليهما‌السلام، فما بالك بنبينا الأعظم وآله الكرام؟

وعن عصمة أئمة أهل البيت عليهم‌السلام يقول الشيخ جلال الدين الصغير: أظهر البحث في امتداد العصمة بعد الرسول صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله ، وجود جملة من الآيات الكريمة التي تحدّثت عن عصمة التابع الرسالي، وما علينا إلا أن نلاحق هذه الآيات ومثيلاتها للعثور على مصداقها الاجتماعي، وقبل الدخول في تفاصيل ذلك لا بد وأن تستوقفنا الآية الكريمة: "الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلاَ تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ * فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ" (ال عمران 61-62) فهي وإن تحدّثت عن قصة المباهلة ، ولكن وجود كلمة "وَأَنْفُسَنَا" بعد جملة: "فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) وقبل جملة : "ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ" (ال عمران 62) يشير إلى طبيعة هذه النفس، فهي ليست النفس الرحمية فقط بالصورة التي جاءت عن بعض المفسّرين، فالكلمة جاءت ضمن سياق رسالي تام، فالمقدمة تتحدث عن الحق الرباني وتطالب بعدم الامتراء فيه، ثم تتحدّث عن العلم الرسالي الذي اختص بالرسول صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله، لتمرّ من بعده بالحديث عن إجراء ديني بحت هو المباهلة، ومن ثم لتختمه في البراءة من الكاذبين. وإذا لم تك هذه النفس نفس رحمية فحسب ، فما هي تتمتها يا ترى؟ ولو كانت ليست برحمية فقط فالمراد بكلمة : "أَبْنَاءَنَا" وكلمة: "وَنِسَاءَنَا" سيكون هو نفس المراد بتلك النفس حتماً.

ويستطرد الشيخ الصغير قائلا: والواقع فإننا نتلمّس في الآية الكريمة: "وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ" (ال عمران 144)، وكذا قوله: "مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْ‌ءٍ عَلِيماً" (الاحزاب 40)، وتبعاً لما توصلنا إليه في مبحث العلاقة بين الرسالة والذات، فإن ذات الرسول صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله لا يمكن أن تكون إلاّ نفساً رسالية، وفي خصوصية قوله: "مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ" (الاحزاب 40) تتضح المسألة بشكل أكثر، إذ إن وجود كلمة "أَبْنَاءَنَا" في الآية الشريفة السابقة يظهر أن الرسول إذا لم يك أبا أحد من الرجال، فإن المراد بالأبناء هنا المعنى الرسالي للكلمة علاوة على الصلة الرحمية. وبهذا يمكن القول بأن هذه النفس المشار إليها وهؤلاء الأبناء والنساء هم المعين الذي يمكن به أن يدلّنا على الامتداد الذي نبحث عنه، خاصة وأن اتفاق النفس مع الأبناء والنساء على أن يلعن الله الكاذبين، يجعلهم في درجة الصدق المحض ، وهو أحد مظاهر العصمة، وذلك لأن الآمر بلعن الكاذبين في الآية الكريمة هو الله، والله لا يأمر بذلك من يصدق عليه اللعن بأن يتصدّى للعن نفسه.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك