حسن المياح ||
هذه دروس رسالية حركية متنوعة مستوحاة ومستخلصة من ثلاث سور قرآنية كريمة، وهي سورة المزمل، وسورة المدثر، وسورة القلم من القرآن المجيد الكريم. الغاية منها الإستيضاح الواعي، والتطلع والإنفتاح على العمل الرسالي النبوي من خلال القرآن الكريم، والتطبيق العملي الرسالي الحركي في سيرة الرسول الأكرم النبي محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله، ليتأمل فيها الدعاة الكرام الميامين، ويتخذوا منها قدوة في الحركة والعمل، ومعلمآ هاديآ لينير لهم معالم الطريق الرسالي الشاق الشائك، المليء بالأشواك والعقبات، وما يخبأ فيه الأعداء من إنحناءات وإلتواءات وتعرجات القصد منها إثقال وإبطاء، وربما منع خطوات الدعاة السائرين السالكين من إكمال الخطو على إستقامة الخط في طريق ذات الشوكة، بما فيه من تثبيطات العزائم، وترهيب النفوس، والتخويف بفقدان الحياة، إذا إستمر العمل والخطو الجاد في هذا المشوار الحالك المظلم في نظر الأعداء من كافرين ومشركين ومتصنمين وعلمانيين.
والتزميل والتدثر والقيام هي العناوين الظاهرة البارزة في مطلع سورتي المزمل والمدثر.
وهاتان السورتان نزلتا في أول البعثة النبوية المحمدية لمواكبة المسيرة الرسالية، وهدي وإرشاد تحركاتها في النفس، وفي واقع حياة الناس.
وأنهما نازلتان على النبي الكريم صلى الله عليه وآله، لتؤنسه وتطيب خاطره وتعينه وترعاه وترشده الى العمل الحركي الرسالي الجاد الحافل بالجهد، وبذل الطاقة، وتخطي العقبات، وتعلمه أنه سير في طريق وعر صعب، وليس طريقآ معبدآ سالكآ ؛ وإنما هو طريق شاق شائك مليء بالعقبات والعراقيل، وأنه سيلاقي التهم الرخيصة الباطلة، والنعوت المزعومة الهزيلة المثبطة من أجل إيقاف عجلة العمل الرسالي الدعوتي المغير، والمؤثر الفاعل المتحرك ذي الموج في ساحة الوجود الإنساني، وفي حياة الناس والمجتمع.
والسورتان الكريمتان تشيران الى أن محمدآ صلى الله عليه وآله، كان يعيش حياة السكون والراحة والدفء، لا طلبآ للراحة والإستجمام والتكاسل والقعود، وإنما كان يستثمر وقته في التعبد والتحنث والتطلع الى مخلوقات الخالق الكريم الجليل جل وعلا، والتفكر في خلق السموات والأرض، والتأمل في الآيات الكونية في النفس والآفاق، من أجل الإستعداد الواعي، والتهيؤ الحركي الفاعل الى حياة الجهاد والكفاح، وتحمل مشقة كل ما يلاقيه من تكذيب وأراجيف وإشاعات من قبل المشركين ؛ وهو بعد لم يبعث بالنبوة والرسالة، ولم يكلف بعد بالوزر ونشر الدعوة والحمل الثقيل للرسالة، وإنذار الناس من شر الدنيا، ونار الآخرة، ويهديهم الى عبادة الله تعالى الواحد الأحد، ويرشدهم الى الطريق والعمل الصالح.
وهذا هو المعبر عنه بالقيام، والتي تشير اليه الآية الكريمة في سورة المدثر ( قم فأنذر )، والذي أمر به رسول الله محمد بن عبدالله، صلى الله عليه وآله، وهو الحمل والقول الثقيل الذي يحتاج الى ذات مؤمنة واعية متدربة مستعدة لحمل الرسالة، وتحمل المتاعب والأثقال والآلام والتشكيكات والأباطيل والإستهزاء والسخرية من القوم الذين لا يعلمون، وهم مشركون، ولا تفتر عزيمتها التهم والأكاذيب والإشاعات التي توجه اليها من قبل الأعداء.
وسورة المزمل تشير وتوضح صورة الإستعداد الفكري، والإنفتاح الذهني، وكيفية خلق طاقة تحمل ؛ وتتطرق الى الزاد الثقافي والمفاهيمي، وخط السير والسلوك العبادي للإنسان الداعية المسلم المؤمن لتغذيه بطاقة حرارية حركية فاعلة في العمل على إمتداد الخط الرسالي الدعوتي، فتكون مثمرة النتائج، مغيرة للواقع الوثني المشرك، وعبادة الأصنام، وكل واقع فاسد، وتحويله الى واقع عبادي توحيدي خالص، وسير سلوكي محمود نابض نبيل كريم.
فالداعية المسلم في العمل الحركي الرسالي لا بد له من زاد يتقوى به في عمله الدعوتي الفكري والسلوكي والجهادي، ليمكنه من إثبات وجوده في ساحة العمل، وأن يحقق بصمة عمل في تغيير ما هو فاسد في عالم الواقع، وفي حياة الناس من تأليه وتوثين وتصنيم، ومن سلوك رخيص رذيل ؛ وأن يخلق فكرآ منفتحآ على آفاق آيات الكون، وما في النفس من عوالم وطاقات وأعاجيب تدهش العقول وتطمئنها، وتفتح مغاليق النفس لتستروح نسيم، وتشم عبير حرية الفكر المؤمن الحر، والتفكر في عجائب مخلوقات الله تعالى، ولتؤمن به وتقدسه وتطيعه وتتبع منهجه الرسالي، ونظامه الإجتماعي في الحياة، والتمسك بالقيم الأخلاقية الإسلامية الرسالية، والتحلي بالأخلاق الفاضلة، والتصرفات النبيلة، من أجل بناء الذات على خط الإستقامة، والعيش بسلام وأمان في عالم الواقع الإنساني، وفي حياته الإجتماعية.
وسورة المدثر تعلن القيام، وساعة التحرك الرسالي في خط الدعوة الى الله تعالى في حياة الناس والمجتمع، وإزالة كل ما هو صنم ووثن، وتغيير حالة حياة الشرك الى عالم عبادة التوحيد، وحياة طاعة الإله الواحد الأحد التي لا تقبل الشرك بأي نوع من أنواعه، والسير في خط إستقامة واحدة على طريق التوحيد، ونشر الدعوة الرسالية الإلهية، بما فيها من عقيدة وأفكار ومفاهيم وتشريعات، ليكون هدفها إحياء الإنسان، والإرتقاء به في عالم الوجود، ويصبح سيد الموجودات والمخلوقات، ويحقق موقع الخلافة بمفهومها الرسالي، وأن يكون المتصرف بما يفيض عليه خالقه الجليل الكريم من نعم وثروات، ليتمتع بعيش سعيد رغيد في خط طاعة الله سبحانه وتعالى، ونيل مرضاته في الحياة الدنيا، ويثيبه جنان الخلد في عالم الآخرة.
هذه نبذة مختصرة، ومقدمة كاشفة، لما في السورتين، وما يتبعها في سورة القلم، من كنوز الفكر والإعتقاد والعمل الرسالي الحركي، والسير السلوكي من خلال التزميل والتدثر والقيام.
وستتلاحق سلسلة الحلقات في معرفة هذه الكنوز، وما تدخره السور الثلاث من قلائد فكرية حركية، وجواهر سلوكية أخلاقية، ليظهر الداعية الحركي المسلم بمظهر وحقيقة الأسوة الأرفع، والقدوة الأصلح، والنموذج الأمثل في قيادة الحياة، وإدارة الأمور والمؤسسات على طريق الصلاح والخير والفضيلة.
https://telegram.me/buratha