د.أمل الأسدي ||
قال تعالی:((لَوْ أَنزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۚ... ))سورة الحشر،الآية:٢١
🔴 هنا قال تعالی(أنزلنا) ونلاحظ الضمير(نا) كيف أضاف فخامة للسياق،تدل علی عظمة الجهة المُنزِلة للقرآن الكريم ألا وهي الله تعالی.
- قال تعالی: هذا القرآن،أي أشار إليه بكله ،إشارةً قريبة مع التنبيه.
ـ استعمال القرآن أسلوب الشرط في هذا السياق، أكد علی الحال التلازمية المتحققة في حال إنزال القرآن علی جبل،سيكون خاشعا متصدعا،وتلازمية رؤيتك له، أي رؤية الرسول الأعظم له،لأنه المخاطَب في هذه الآية.
ـ ثم نتوقف عند مفردتي:(خاشعا،متصدعا)
لم يكن التعبير مثلا:لخشع الجبل، أو تصدع الجبل،إذ استعمل القرآن الكريم اسم الفاعل(خاشع، متصدع)
وخاشع مشتقة من الفعل خشع
ومتصدع مشتقة من الفعل تصدّع
وعلی ذلك نثبت بعض النقاط:
ـ أول علامة من علامات التلقي للنص الإلهي هي الخشوع،ثم بعد الخشوع يزداد أثر التلقي فيتصدّع الجبل،وهذا تناسب مع اشتقاق اسم الفاعل (متصدعا) من الفعل(تصدّع) فالتضعيف من شأنه أن يضفي علی السياق نوعا من التأكيد والإحكام في الشيء،
إذن فالتلقي كان متدرجا، من الخشوع اشتد وقوي حتی التصدع.
ـ اسم الفاعل والأسماء عموما توحي بالثبات والاستقرار والاستيعاب العميق،علی عكس الأفعال التي توحي بحركة واضطراب،وهنا أراد الله تعالی أن يبين ثبوتية الخشوع والتصدع وتأكيدها عن طريق اسمي الفاعل.
ـ بإبمكاننا رصد جرس الحروف بين مفردتي (خاشعا، خشية )،للحظنا جرسية حرف الخاء،فمن صفاته أنه منفتحٌ،أي لايستعلي اللسان حين النطق به،وكذلك حرف الشين فمن صفاته الانتشار والاتساع،وكلا الحرفين يجري فيهما النفس والصوت، فجرسية هذه المفردتين شكلت صورة سمعية لاستجابة الجبل وتصدعه وتفاعله مع هذا الوقع ألا هو إنزال القرآن الكريم عليه.
🔴القلب والجوارح:
قدمت لنا هذه الآية مراتب للتلقي مابين الشعور والإحساس،فالخشوع يقابله الشعور،وهو إدراك وتحليل وحال نابعة من داخل الإنسان ومصدرها القلب.
أما التصدع فيقابله الإحساس،والإحساس هو تفاعل جوارح الإنسان فسيولوجيا مع مؤثر ما، والجوارح كما هو معلوم هي (العين،الأذن،الفم،اللسان،اليد،الرجل،الفرج)
أي أنّ خشوع القلب وهو حال إدراكية شعورية معقدة تنبع من الأعماق، تؤدي الی الإحساس وهو حال ظاهرة علی الإنسان،منعكسة علی سلوكه،وقد تزول بزوال المؤثر، بخلاف الشعور الذي يبقی لمدة أطول،
فهنا أطلق الله تعالی صفات الإنسان(الشعور والإحساس) علی الجبل الصلد القاسي،فعلی الرغم من صفاته هذه إلا أنه شعر وأحسّ وتفاعل وتصدع من عظمة القرآن الكريم.
إذن،متی ماكان الخشوع متحققا، كان مفتاحا لمرتبة أخری وهي الإحساس،وما يهمنا - نحن البشر- هو الإحساس، الذي ينعكس علی سلوك الإنسان فيقوّمه،ويجعله فاعلا،ويعود بالنفع علی الفرد ذاته وعلی المجتمع برمته، وهذا ما يُقصد به من أن الدين معاملة،يهذب الفعل التواصلي للفرد مع البيئة والمجتمع ويضعه علی جادة السمو والارتقاء، وبخلاف ذلك فما فائدة العبادات والشرائع والشعائر إن لم تخلق لي حالا إيجابية بناءة؟
نسأله تعالی أن يجعلنا من المتفاعلين الفاعلين في خدمة محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
تقبل الله أعمالكم
https://telegram.me/buratha