الصفحة الإسلامية

موسى بن جعفر حجة الله على خلقه، لكن الملك عقيم


* جميل ظاهري

 

الحديث عن الامام السابع من أئمة أهل البيت موسى بن جعفر الكاظم عليهم السلام أجمعين، هو حديث متعدد الجوانب، ومتشعب الأغراض, حيث خاض فيه الباحثون والكتاب كثيراً، فكانوا كمن يغترف غرفة من بحر، أو يحصي حبات الرمل في القفر, فمناقبه أجل من أن توصف أو تحصى، وقد اعترف بها القريب والبعيد، والموالي والمعادي، وسنقتصر في حديثنا هذا على سياسة السلطة العباسية القمعية التعسفية التي مارستها ضده، وما تعرض له من اضطهاد وظلم وسجن حتى استشهاده بالسم في سجن هارون العباسي.

قضى الامام موسى الكاظم عليه السلام الذي نعيش هذه الأيام ذكرى استشهاده الأليم، عمره الشريف في حركة العلم في جميع حاجات الناس آنذاك، واجه خلالها ايضاً التيارات المنحرفة التي حاولت أن تفرض نفسها على الواقع الاسلامي لتبتعد به عن خط الاسلام المحمدس الأصيل، فكان(ع) يبرز الرأي الصحيح في كل خلاف فكري على مستوى القضايا العقيدية والشرعية وكافة المفاهيم الاسلامية، وكان في كل مواقفه ناصحا للمسلمين في شؤونهم الخاصة والعامة وشتى مجالات حياتهم.

تزامنة مدة أمام الامام الكاظم (عليه السلام) مع فترة صعود الدولة العباسية وانطلاقها.. فترة تتّسم بالقوة والعنفوان والصعوبة والقساوة جراء الممارسات الجائرة للسلطة وعلى رأسها المنصور العباسي الأمر الذي أوقع الشيعة في حال اضطراب ادعاء الامامة زوراً من قبل أحد أبناء الامام الصادق (ع) وهو "عبد الله الأفطح" وصار له أتباع عرفوا بـ"الفطحية"، كما كان هناك "الاسماعيلية" الذين اعتقدوا بإمامة إسماعيل الابن الأكبر للامام الصادق (ع) مع أنه توفي في حياة أبيه.. لكن هذه البلبلة ساعدت في الحفاظ على سلامة الامام موسى الكاظم (ع)، حيث أشتبه الأمر على الحكام العباسيين فلم يتمكنوا من تحديد امام الشيعة ليضيقوا عليه أو يقتلوه.

عمل الامام الكاظم (ع) جاهداً على تصحيح المسار العقائدى للأمة عبر مناظرته للملحدين والمنحرفين ك"المجسمة" الذين يعتقدون ان الله عزوجل جسم و بقية الفرق المنحرفة في موضوع الامامة، وغيرها من الانحرافات التى خلقها بعض علماء السوء ووعاظ السلاطين مثل ـن "القرآن غير مخلوق".. كل ذلك بالدليل والمنطق ما أربك حكام بني العباس وعبثوا جاهدين على التخلص منه عبر أغتياله حيث تعرض سلام الله عليه لعدة محاولات قتل ودس السم من قبل اعتى الظلمة والجباربة خلال حياته المليئة بالمناعب والمصاعب والمصائب الجمة وهم: ابو جعفر المنصور الدوانيقي، ومحمد المهدي العباسي، وموسى الهادي العباسي واخيراً هارون الرشيد بعد أن دبرت أمه الخيزران مع يحيى البرمكى "رئيس وزراء هارون فيما بعد" عملية اغتيال موسى الهادى (أخو هارون) فاستولى هارون على الملك، وعاش كاقرانه السابقين في الفسق والفجور والظلم والجور لكنه ضرب الرقم القياسى فى قتل العلويين وإستئصالهم فكان يوصى عماله بذلك بلاذنب أو خطأ بل لمجرد الحقد الدفين لأهل البيت (ع) و كان اول مافعله عند ما استلم الملك بان امر باخراج جميع الطالبين من بغداد الى المدينة كرهاً لهم ومقتاً.

استمرت المواجهة بين الامام الكاظم (ع) المعارض لسياسة هارون والمستهتر بأموال المسلمين ودمائهم، فكانت الحملات الاعلامية وفتاوى الامام (ع) لا تتوقف ضد الطاغوت وظلمه، فكثرت الوشاية عليه (ع) من بعض المرتزقة المتملقين لينتهي الأمر في آخر المطاف بسجن الامام الكاظم (ع) فى سجن البصرة لايفتح عليه الا للطهور وإدخال الطعام، فكان (ع) يحيى الليالى كلها بالذكر والعبادة، وبعد فترة طلب والي البصرة من هارون ان ينقل الامام (ع) الى بغداد وإلا أطلق سراحه لانه ما رآى من الامام إلا العبادة والبكاء، فحمل (ع) مقيداً بالحديد الى بغداد وأودع فى سجن "الفضل بن الربيع"، ولم يزل ينقل من سجن الى سجن طيلة 14 عاماً حتى انتهى به الأمر الى سجن "السندي بن شاهق" وكان أشد السجون عليه وأضيقها وأظلمها وكان "السندي" اللعين قد قيد الامام (ع) بالحديد وهو داخل السجن.

ثم بعث هارون رطباً مسموماً وأمر ان يقدم الى الامام (ع)، فقام "السندي" باجبار الامام الكاظم (ع) على الاكل من هذا الرطب، فأكل منه وبعد لحظات أخذ السم يجرى فى جسمه الشريف وهو يعانى أشد المعاناة من ألم السم فبقى متألماً ثلاثة ايام بعدها انتقل الى رحمة ربه، فالسلام والصلاة على سيدنا الامام الكاظم (ع) شهيد السجون، في 25 من شهر رجب سنة 183 هـ ودفن في مدينة الكاظمية المقدسة شمالي بغداد.

رغم أن الامام موسى بن جعفرعلية السلام لم يكن يعترف بشرعية خلافة هارون، إلاَّ أنه كان يلتقيه ويحاوره ويناظره، وكان هارون لا يملك إلا أن يعظمه، وهذا ما أشار إليه الحاكم العباسي "المأمون"، الذي قيل له: من أين تعلمت التشيّع؟ فقال: لقد تعلمته من أبي هارون، وذكر ما لقيه الامام الكاظم (ع) من تعظيم عند استقبال هارون له، ما أدى الى اعتراض المأمون على أبيه لجهله بالامام.

نقل "المأمون العباسي" كنت عند أبي "هارون" في احد الايام وتعجبت كثيراً من إكبار أبي لموسى بن جعفر وتقديره له. فقلت لأبي: يا "أمير المؤمنين"، من هذا الرجل الذي أعظمته وأجللته، وقمت من مجلسك إليه فاستقبلته وأقعدته في صدر المجلس، وجلست دونه؟ ثم أمرتنا بأخذ الركاب له؟

قال: هذا إمام الناس، وحجة الله على خلقه، وخليفته على عباده فقلت: يا أمير المؤمنين، أو ليست هذه الصفات كلها لك وفيك؟

فقال: أنا إمام الجماعة في الظاهر والغلبة والقهر، وموسى بن جعفر إمام حق، والله يا بني إنه لأحق بمقام رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مني ومن الخلق جميعاً، والله لو نازعتني هذا الأمر لأخذت الذي فيه عيناك، فإن الملك عقيم (كتاب - قادتنا كيف نعرفهم ج6، ص305، وعيون أخبار الرضا ج1ص91و93، وبحار الأنوار ج48 ص129ـ131، وكامل الزيارات باب 3 ص18، ومشارق أنوار اليقين ص94، وقادتنا كيف نعرفهم ج6، ص305).

** من وصايا الامام الكاظم عليه السلام وحكمه:

1- أوصى بعض ولده: يا بني إياك أن يراك الله في معصية نهاك عنها. وإياك أن يفقدك الله عند طاعة أمرك بها.

2- إياك الكسل والضجر فإنهما يمنعانك حظك من الدنيا والآخرة.

3- إعمل الخير إلى كل من طلبه منك فإن كان من أهله فقد أصبت موقعه، وإن لم يكن من أهله كنت من أهله.

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك