✍️📃 الشيخ عبدالرضا البهادلي ||
▪️في غياب الاخلاق وتفاقم الأزمات في المجتمع، ما احوجنا الى اهل البيت عليهم السلام ،ومدرستهم التربوية والاخلاقية لكي نعيد النظر في قيمنا واخلاقنا ، ونعرض انفسنا كل يوم على هذه المدرسة العظيمة وتعاليمها التي هي تعاليم السماء الخالدة الرحبة التي تريد للانسان الخير والكمال الدنيوي والاخروي.
▪️فالانتماء الى مدرسة اهل البيت عليهم السلام ليس انتماء تقليديا ووراثيا وعاطفيا ،بل الانتماء الى مدرسة اهل البيت عليهم السلام هو انتماء علمي وعملي فكري عقائدي .
▪️ونحن نعيش هذه الليلة احزان ذكرى رحيل الامام الكاظم عليه السلام وشهادته ، يجب أن نستلهم من صاحب الذكرى الدروس الاخلاقية والتربوية العظيمة، فلقد ترك لنا الإمام عليه السلام منهجا وطريقا واضحا لمن أراد أن يتزود منه.....
🔹اولا : الامام ومحاسبة النفس :
يقول الامام عليه السلام ان الشيعي المنتمي الينا هو ذلك الشيعي الذي يحاسب نفسه في كل يوم ،ولا شك ان محاسبة النفس في كل يوم يعطي للانسان الاستعداد الدائم للاخرة ، وكذلك التوبة من الذنب ،وكذلك الاطلاع على عيوب النفس كي يصلحها ، وكذلك الازدياد من الصالحات ،والابتعاد عن المنكرات ولو تدريجيا .
تامل ما ورد عن الامام الكاظم عليه السلام : ( عن أبي الحسن الماضي ( صلوات الله عليه ) قال : ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم فإن عمل حسنا استزاد الله وإن عمل سيئا استغفر الله منه وتاب إليه )
🔹ثانيا : العفو عند الامام عليه السلام :
العفو من سمات الصالحين اذا قدروا على الفعل ، وهو من سمو النفس البشرية ، وهذا دليل على قلوبهم الطاهرة وعدم حمل الحقد في جنباتها . ولانها كذلك اصبحت محل لفيض الله ورحمته وبركاته، وكما قال الشاعر يصف اهل البيت عليهم السلام
ملكنا فكان العفو منا سجية ** فلما ملكتم سال بالدم أبطح
وحللتم قتل الأسارى وطالما ** غدونا عن الأسرى نعف ونصفح
فحسبكم هذا التفاوت بيننا ** وكل إناء بالذي فيه ينضح
تامل هذه القصة الجميلة التي يبين فيها الامام كيفية التعامل مع بعض الناس ويعطي درسا عمليا في العفو عن الاخرين ....؟
واليك القصة : ((كان رجلٌ بالمدينة يؤذي الإمام ، فكلَّما رآه شتمه وسبّ سيدنا علياً ( عليه السلام ) .
فقال بعض أصحاب الإمام : دعنا نؤدّبه .
فنهاهم الإمام عن التعرض له بسوء .
وسأل الإمام عن شغل الرجل ، فقالوا : إنّ له مزرعة خارج المدينة .فقصده الإمام واخترق المزرعة . فصاح الرجل : لا تطأ زرعنا . واستمر الإمام في طريقه حتى وصل إليه ، فسلّم عليه وجلس عنده ، وراح يضاحكه ، ثم قال له : كم تضرّرتَ في زرعك ؟ قال الرجل : مائة دينار . فقال الإمام فكم ترجو أن يكون محصولك منه ؟ فقال الرجل : أنا لا أعلم الغيب ! فقال الإمام موضحاً : إنّما قلتُ لك كم ترجو . فقال الرجل : مائتا دينار . فأعطاه الإمام ثلاثمائة دينار . فأخذها الرجل شاكراً .
وفي اليوم التالي ، وعندما ذهب الإمام إلى المسجد ، نهض الرجلُ واستقبله بحفاوة وقال له : الله أعلم حيث يجعل رسالته .
وتعجب أصحاب الإمام ، فأخبرهم الإمام بما فعل ، وأوصاهم بمداراة الناس ، ومعاملتهم بالحسنى .).
🔹ثالثا : الامام عليه السلام بكلمة واحد يغير انسان من الانحراف الاخلاقي الى طريق الهدى والحق والاخلاق ..... وذلك انه عرف ان هذا الانسان سوف يفيده ذلك لاستعداد وقابليته وان كان يعيش الانحراف ...
واليك الحكاية :( كان الإمام الكاظم ( عليه السلام ) يمشي في الأزقّة يوماً فسمع غناءً ماجناً ينبعث من أحد البيوت . وفي الأثناء خرجتْ فتاة ، فتوقّف الإمام وسلّم عليها ، ثم سألها قائلاً : صاحب البيت حرٌّ أم عبد ؟ .فقالت متعجّبة : بل حرّ . فقال الإمام : صدقتِ لو كان عبداً لخاف سيّده . عادت الفتاة وسألها صاحب البيت – واسمه بشر – عن سبب تأخّرها ، فقالت : مرّ رجلٌ وسألني : صاحب البيت حرّ أم عبد . فقال بشر : وبماذا أجبتيه ؟
قالت الفتاة : قلت له : حرّ ، فقال لي : صدقتِ لو كان عبداً لخاف سيّده .
أطرق بشر مفكراً ، وشعر بالكلمات تهزّ أعماقه ، فانطلق خلف الإمام حافياً يعلن توبته وعودته إلى أحضان الدين والإيمان . ومن ذلك اليوم دُعي ببشر الحافي ، واشتهر بين الناس بزهده وعبادته)
🔹رابعا : الامام يؤدب علي بن يقطين
من اعظم ما قرات من القصص والحكايات هذه القصة التي احيانا عندما اقراها ابكي على نفسي ،واقول لو اني في مكان علي بن يقطين ؟. لعلي افعل نفس ما يفعله واذا كان كذلك فيا لسؤتي ليت امي لم تلدني ؟.
فالامام عليه السلام يريد ان يقول ان وجودك في هذا المنصب هو لقضاء حوائج اخوانك وليس وجودك تشريفيا من اجل المنصب والجاه والتكبر على الخرين؟ فهل يا ترى هؤلاء الذين يدعون التشيع من المسؤولين الان يفعلون مع اصحاب الحوائج والزوار لهم هكذا ؟ انا لا اعتقد ذلك بل ما رايته بعيني ،وما اسمعه يندى له الجبين في حقيقة الأمر ؟ انهم لا يحملون اخلاق مدرسة اهل البيت ؟ اللهم اعذنا منهم بحق محمد وال محمد ...
واليك القصة :
عن محمد بن علي الصوفي قال: استأذن ابراهيم الجمّال ـ رضي الله عنه ـ على أبي الحسن علي بن يقطين الوزير فحجبه.؟؟ فحجّ علي بن يقطين في تلك السنة فاستأذن بالمدينة على مولانا موسى ابن جعفر(عليه السلام) فحجبه. ؟؟ فرآه ثاني يومه فقال علي بن يقطين: يا سيدي ما ذنبي؟ فقال(عليه السلام): حجبتك لأنك حجبت أخاك ابراهيم الجمّال وقد أبى الله أن يشكر سعيك أو يغفر لك ابراهيم الجمّال.
فقلت : سيدي ومولاي من لي بابراهيم الجمّال في هذا الوقت وأنا بالمدينة وهو بالكوفة؟
فقال (عليه السلام): اذا كان الليل فامض الى البقيع وحدك من غير أن يعلم بك أحد من أصحابك وغلمانك واركب نجيباً هناك مسرّجاً. قال: فوافى البقيع وركب النجيب ولم يلبث أن أناخه على باب ابراهيم الجمّال بالكوفة.
فقرع الباب وقال: أنا علي بن يقطين ..؟
فقال ابراهيم الجمّال من داخل الدار : وما يعمل علي بن يقطين الوزير ببابي؟!
فقال علي بن يقطين: يا هذا إنّ أمري عظيم وآلى عليه أن يأذن له، فلمّا دخل قال: يا ابراهيم إنّ المولى(عليه السلام) أبى أن يقبلني أو تغفر لي، فقال: يغفر الله لك.
فآلى علي بن يقطين على ابراهيم الجمّال أن يطأ خدّه فامتنع ابراهيم من ذلك فآلى عليه ثانياً ففعل.
فلم يزل ابراهيم يطأ خده وعلي بن يقطين يقول: اللّهم اشهد، ثم انصرف وركب النجيب، وأناخه في ليلته بباب المولى موسى بن جعفر(عليه السلام) بالمدينة فأذن له ودخل عليه فقبله»(4)
🔹خامسا : الامام الكاظم ينهى اصحاب عن التعامل مع هارون
كان عصر هارون يمثل الاضطهاد السياسي والعنصري ،وكان الناس تعيش الحرمان والبؤس والخوف والارهاب . بينما هو يعيش مع اسرته والمحيطين به حياة الترف والبطر ،ولذا كان الامام عليه السلام يبعد اصحابه من التعامل المباشر مع هذا الطاغية المتجبر واليك هذه القصة الجميلة التي فيها الدروس والعبر الكثيرة ...
قال الإمام يوماً لصفوان الجمّال – وكان من أصحابه :
-كل ّ شيء فيك حسِن لولا كِراؤك الجِمال إلى هارون .
فقال صفوان : أنا لا أكريه الجمال ألا إذا أراد الحج !
فقال الإمام تحبّ ان يعود هارون سالماً حتى يعطيك أجرك ؟
فقال صفوان : نعم .
فقال الإمام : من أحبّ الحياة للظالمين كان منهم .
قرّر صفوان بيع جماله جميعاً حتى لا يضطرّ إلى تأجيرها للرشيد .
وعندما سمع هارون ، أدرك أن صفوان قد باع الجمال استجابة للإمام ( عليه السلام ) ، فقرّر قتله ، ولكنه تراجع فيما بعد ، وظلّ يحقد على الإمام .
وقد تقول كيف اذن الامام الى علي بن يقطين بالدخول في الدولة ومنع صفوان الجمال من ذلك . هذا من تقدير الامام عليه السلام ،ولان وجود علي بن يقطين في الجهاز الحاكم يوفر ويقض حوائج المؤمنين كما ورد في الحديث. ( كفارة عمل السلطان قضاء حوائج الاخوان )
▪️اعظم الله اجورنا واجوركم بشهادة ورحيل الامام الكاظم عليه السلام.
اسال الله تعالى ان يوفقنا الى السير على خطى الامام العظيم وان يبعدنا عن الظالمين وان لا نكون عونا لهم ولو بشطر كلمة، انه ولي التوفيق.
https://telegram.me/buratha