الصفحة الإسلامية

الامام الباقر مصلح، ومفكر، ومجدد


 

عباس قاسم المرياني ||

 

      كان للأمام الباقر (عليه السلام) دور كبير ومشرف في تشذيب كيان المجتمع الاسلامي وإعادة ترميمه واقامة صروح العلم والفكر بل كان مدرسة كاملة، لذلك أنصبت جهوده (عليه السلام) على تأسيس لبنة علمية ذات قاعدة عريضة، وهذه اللبنة اتسعت وتطورت بعد ذلك في عهد ولده الإمام الصادق (عليه السلام) فتنوعت المجالات العلمية والفكرية فيها من جميع العلوم.

       كان (عليه السلام) مركزا لجذب واستقطاب الفقهاء ورواد العلم والمعرفة في الدولة الإسلامية حيث عقد المناظرات والحوارات معهم ومع غيرهم، وبهذا استطاع (عليه السلام) ان يفند ويرد العديد من الأحاديث والأفكار المزيفة والموضوعة، كما ساهم في زيادة النتاج العلمي والمعرفي بشكل فعال من خلال شحذ الهمم وتبديل التصورات بالاتجاه الصحيح والحر، فكانت ثمار عمله هذا ان يولد فترة انتعاش فكري رغم المضايقات.

     كما اثرى المجتمع الإسلامي بكفاءات علمية وثقافية كبيرة تميزوا بنضوجهم الفكري وتصدوا لعملية النهوض بواقع الامة الإسلامية والامثلة على هؤلاء كثيرة، وبالنظر لما لاقته نهضة الامام الشاملة من استجابة وترحيب وتوجه اغلب عناصر المجتمع الى مدرسته الفكرية والعلمية، أخاف ذلك الامويين واقلقهم فامر هشام بن عبد الملك باستقدام الامام الباقر وابنه الامام الصادق (عليهم السلام) الى دمشق ليجعلهم تحت نضره، وحاول هشام ان يقلل من شأن الامام من خلال قوله له: يا محمد بن علي لا يزال الرجل منكم يشق عصا المسلمين، ويدعو لنفسه ويزعم انه الامام باطلا ودون علم. فرد الامام (عليه السلام) بكل جرأة ودون خوف او تردد: اين تذهبون وأين يراد بكم؟ بنا هدى الله اولكم، وبنا يختم اخركم، فأن كان لكم ملك معجل فان لنا ملكا مؤجل، وليس بعد ملكنا ملك لأننا اهل العاقبة ويقول في ذلك عز وجل: {والعاقبة للمتقين}. وبسبب كلام الامام هذا امر هشام بسجنه، ولما رأى نزلاء السجن تقوى الامام وورعه وسعة علمه رغبوا اليه واتبعوه، فأخاف ذلك هشام وتحير في امره فأطلق سراحه وارجعه الى المدينة المنورة.

    واثناء خروجه عليه السلام وجد جمعاً من الرهبان والقساوسة فجلس معهم وكان لهؤلاء عالم يقعد لهم في كل سنة يسألونه فيجيبهم، ولما جاء عالم النصارى توجهه نظره إلى الإمام (عليه السلام) فسأله: أأنت منا أم من هذه الأمة المرحومة- يعني المسلمين-؟ قال الإمام بل من هذه الأمة المرحومة. فقال: أمن علمائها أم من جهالها؟ قال الإمام لست من جهالها. وقال أسألك؟ قال الامام سل. قال من این أدعيتم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون ولا يحدثون ولا يبولون؟ وما الدليل وهل من شاهد الجنة؟ قال الإمام الدليل الذي لا ينكر الجنين في بطن امه يطعم ولا يحدث، فأضطرب عالم النصارى من ذلك. وقال زعمت إنك لست من علمائها؟ فقال ولست من جهالها. قال فأسألك عن مسألة أخرى؟ قال سل قال من این أدعيتم أن فاكهة الجنة غضة طرية؟ وما الدليل من المشاهدات؟ قال إن الفرات غصن طري موجود غیر معدوم لا ينقطع. فتعجب الحضور من سعة علمه وسرعة ردهُ.

    واصبح لهذه المناظرة صدى كبيرة وواسع في دمشق واستبشر اهل الشام بما قام به الامام من دحض اراء عالم النصارى، الا ان هذا شكل ضغطاً كبير على هشام الاموي الذي اغضبه ذلك وولد هيجان الشاميين ضده وميولهم الى ال البيت، لذلك عَمد بعد ذلك الى محاولة ضرب او تصفية القواعد الفكرية للامام الباقر (عليه السلام) فأمر بقتل اتباع الامام ومنهم جابر بن يزيد الجعفي، فلما عَلم الامام بذلك طلب من جابر ان يتظاهر بالجنون تقية لنفسه وحفاظا عليها، وفعلاً نجا جابر من القتل بعد ادعى الجنون.

    ومارس الامام (عليه السلام) عملاً كبيراً للتخفيف من كاهل المجتمع الاقتصادي الذي كان يعيش البؤس والفقر في بعض طبقاته، فعمل على الانفاق على الفقراء والمحتاجين من خلال توزيع ما لديه من أموال، او تشجيع انفاق الصدقات عليهم، فضلا عن ذلك حرصه على تأمين الأموال لطلبة العلم.

    من خلال ما تقدم نجد ان الامام كان يعيش مجتمعاً مبدد الاوصال تنتابه الفتن والاضطرابات بسبب سوء سياسة الحكام وطغيانهم، لذلك حاول (عليه السلام) ان يرفع من مستوى المجتمع وحمايته بكل السبل المتاحة له رغم المضايقات والتهديدات التي تعترضه، فعمل على ذلك كما ذكرنا من خلال تهيئة الطاقات البشرية ورفع مستواها الفكري وقيمتها السلوكية، ومعالجة الوضع الاقتصادي للامة الإسلامية بطرحه العديد من النظريات الاقتصادية والاجتماعية التي ساعدت في معالجة بعض المشكلات وبعضها نسُبت لغير الامام (عليه السلام) في طرحها منها مثلاً عملية تعريب النقود في زمن عبد الملك بن مروان.

لذلك كان للأمام الباقر (عليه السلام) دوراً فكرياً واقتصادياً واجتماعياً كبيرا جدا لبناء مجتمع متكامل بما طرحه وعمله، ونجد ذلك واضحاً فيما بعد في مدرسة الامام الصادق (عليه السلام) التي عُدت من اهم مدارس الفكر ان لم تكن افضلها، وانتجت العديد من العلوم الفكرية والمعرفية المهمة، وخرجت الكثير من العلماء الذين افاضوا على الامة الإسلامية الفيض الجزيل والعطاء الوفير الذي لم ينضب حتى الان.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
مازن عبد الغني محمد مهدي
2021-02-15
السلام على امامنا المفدى الطيب ابن الطيب الامام محمد الباقر عليه افضل الصلاة والسلام والعن الدائم على اعداء ال البيت الطيبين الطاهرين المظلومين ابليس و اعوانه اعداء الله واعدائنا ابليس واعوان ابليس الكفرة اليهود والنصارى والمجوس العن الدائم الي يوم الدين بحق رسولنا رسول الرحمة ابو القاسم محمد واله الاطهار المطهرين عليهم افضل الصلاة والسلام ,,وجزاكم الله خيرا بحق شهر رجب الاصم
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك