محمد مكي آل عيسى||
بعد انهيار الحضارة العباسية وسقوط بغداد على يد المغول فقد المسلمون المركزية العلمية التي كانت لدولتهم ولم تعد الدولة الإسلامية مركز اشعاع علمي ينير الدنيا بعلومه , وتدريجياً تحول المركز العلمي العالمي ليكون في بلدان الغرب ولتقود تلك الدول حركة العلم والمعرفة وتصبح هي الرافد الذي يغذي باقي دول العالم ومنها دولة الإسلام التي بدأت تنحسر وتفقد ما اكتسبته شيئاً فشيئا.
ومع أن الغرب حاز على قمة الهرم العلمي التطبيقي لكن الإسلام بقي محافظاً على أصالة فكره في الكثير من القضايا والتي لم يكتسبها من غيره من الدول.
وسعى أهل البيت عليهم السلام للمحافظة على الفكر الإسلامي الأصيل الذي استمد من منبعه الإلهي المعصوم وبذلوا من أجل ذلك مهجهم.
أمّا على الصعيد العلمي المادي فكان لابد للمسلمين بعد تشضي دولتهم أن يكونوا تابعين مقتبسين من الغرب ما يفيضه عليهم بعد أن كانوا هم من يفيضون عليه.
وهذا الأمر إنما يسبب للمسلم الإزدواجية عندما يكون فكره من منبع و يكون فعله تبعاً لمنهج آخر يختلف تماما عن منبع فكره , وهذا ما نراه اليوم من انجذاب المسلم نحو الغرب وعلومه المادية المتطورة من جهة والاصطدام بفكره من جهة أخرى لكونه لا يزال متشبثاً بفكره الإسلامي الأصيل وذلك يسبب صراعاً داخلياً ينقسم فيه المسلم الى جانب منه يميل نحو الغرب وجانب متعلق بالجذر الإسلامي.
فهو يرى ان الغرب متقدم على الإسلام في كافة المجالات الحياتية ويدفعه ذلك لتقليد الغرب في كل فعله ويصل به الحال أن يتجاوز على حدود فكره الإلهي الأصيل وأن يرتكب ما لا يتلاءم معه حيث أن تقليد الغرب بالأمور العلمية والاستمرار على ذلك يجرّه لتقليد الغرب في القضايا الأخلاقية والأفعال والثقافة بل حتى في العادات والتقاليد.
وهنا الفرد المسلم مع أصالة فكره يكون الجانب الفعلي عنده هجيناً . . أنا لا أنكر أن من أفعال المسلم ما لم يقتبسه من الغرب وأرى ذلك منحصراً في الواجبات الشرعية والتكاليف الإلهية بشكل عام , ويمزجها بأفعال غربية محاكياً بذلك الغرب لما يراه من التقدم الذي وصله.
أمّا الغرب وليبقى في الصدارة الفعلية نراه يسعى لتفريغ تلك الواجبات من محتواها الروحي لتصبح عديمة الأثر أو يشوش عليها بما يطلقه من الشبهات أو يثيره من المغالطات.
و زيارة الأربعين كفعل جماهيري إسلامي ضخم تتميز بأنها فعل أصيل له من الظهور ما جعله نقطة جذب للعالم لكونه لم يتأتى عن تقليد واقتباس من الغرب اطلاقاً وأنه يتطابق مع الفكر الإسلامي الأصيل , فيتحقق فيها الاستقرار النفسي للمسلم من انطباق الفكر على الفعل من دون حاجة لمحاكاة الغرب , بل تكون مدعاة للفخر أمام الغرب لما يكتنفها من مظاهر أخلاقية فاقت ما يتغنى به الغرب من مآثره , كما انه يختلف عن باقي أفعال المسلم أنه من الصعب أن يفرّغ عن محتواه وبالخصوص الأخلاقي.
والذي ذكرناه من أصالة الفكر والفعل وانطباقهما هو الذي يميل بغير المسلمين لاعتناق الإسلام بعد المرور بهذه الشعيرة المقدسة فالنظم ما بين الفكر والفعل يعطي من الرصانة والثبات ما يزرع الطمأنينة في النفس.
وهذا ما يميز دولة العدل المرتقبة عندما تشرق الأرض بنور ربها بل أكثر من ذلك حيث أصالة الفكر والفعل والمركزية العلمية والتي تدفع الفرد الغربي لمحاكاة الإسلام وتقليده وليس العكس وحتى ذلك اليوم الذي يرونه بعيداً ونراه قريباً لابد لنا من إدامة زخم هذه الزيارة محافظين على أصالتها طاردين لكل دخل يشينها وينحرف بها , وهذا الأمرهو الذي يبقيها فريدة أمام أنظار العالم , لأنها لو كانت تحاكي أي فعالية أو ممارسة غربية لم يكن لها ذلك التأثير وذلك الجذب الذي نراه اليوم بل ستصبح أمراً معروفاً يمارسه الغرب كما يمارسه المسلمون.
ــــــــ
https://telegram.me/buratha