محمد مكي آل عيسى ||
يقول تعالى بسم الله الرحمن الرحيم : ((الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ))
يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر . . . وكأنّها الصفة الأجلى والأوضح التي تميّز هذا الرسول النبي الأمّي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل !.
فهل أن غيره من الأنبياء لم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر؟
بالتأكيد لا , فالأنبياء جميعهم أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر لكن الأمر مختلف من الإسلام ونبيه الكريم صلوات الله عليه وآله فالإسلام " نفخ في جثمان هذه الفريضة روح الحياة " كما يعبّر عن ذلك العلامة الطباطبائي قدس سره
نعم فشريعة الإسلام لم تكتف بأن يكون نبيها هو الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ولم تكتف بأوصيائه بعده وإنما كانت فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبة على كل من يتمكن منها من بعد النبي الكريم وأوصيائه ع
وليس هذا فحسب بل أن الإسلام اعتنى بهذه الفريضة حتى تصل الى حد القتال والجهاد في سبيل الله تعالى نعم ليسود المعروف ويقبر المنكر يضطر الإسلام لتشريع القتال وهدر الدماء لتسود العدالة
فالله يعلم أن للباطل جنوداً يقاتلون عنه بكل ما يستطيعون من قوة ولا يقبلون بسيادة الحق والعدل لأنه لا يتماشى مع مصالحهم فالموت عندهم سيكون أهون من التخلي عن تلك المصالح.
وأكثر من ذلك ((بل هو القطب الذي تدور عليه أرحية الملل والأديان وتطرق الاختلال فيه يؤدى إلى سقوطها عن الدوران)) كما يقول العلامة النراقي قدس سره عن فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
فهو السبب الذي يقدمه المكلّفون بإرادتهم ليكون الجزء المكمّل لعلة حفظ دين الله واستمراره وخلوده وظهوره على الدين كله ومتى ما ترك أهل الدين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تركوا حماية دين الله وخلعوا عنه الدرع الواقي والحامي له حتى ينتهي ذلك الدين على يد أهله لا على يد الأبعدين.
وقد أدرك أعداء الإسلام ذلك فتوجهوا لتلك الفريضة كي يجردوا منها الإسلام فيتمكنوا منه وشنّوا عليها الحرب الشعواء برفع شعار (الحرية الشخصية) والتي هي في واقعها تدمير للمجتمع من خلال أفراده بعد أن ينقلبوا على الدين بهذه الذريعة.
والأنكى من ذلك أنهم حاولوا أن يعترضوا مسير هذه الفريضة من خلال الدين نفسه بتلبيس الأمر على الجهلة والبسطاء من أن الدين لا يقبل التدخل في شؤون الآخرين وساقوا للدلالة على ذلك آيات وأحاديث ليس لها أي علاقة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصلاً .
لكن المتتبع يرى أن الأخبار في الترغيب على هذه الفريضة كثير كثير مما لا يقبل الشك بوجوبها الكفائي , وأكتفي من تلك الأخبار بنقل ماجاء من جابر عن الباقر (ع) : إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الأنبياء ومنهاج الصلحاء، فريضة عظيمة، بها تقام الفرائض وتأمن المذاهب، وتحل المكاسب، وترد المظالم، وتعمر الأرض وينتصف من الاعداء، ويستقيم الأمر. فأنكروا بقلوبكم، والفظوا بألسنتكم، وصكوا بها جباههم، ولا تخافوا في الله لومة لائم. فان اتعظوا والى الحق رجعوا فلا سبيل عليهم:
" إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم "
هنالك فجاهدوهم بأبدانكم، وابغضوهم بقلوبكم، غير طالبين سلطاناً ولا باغين مالا، ولا مريدين لظلم ظفراً، حتى يفيئوا إلى أمر الله ويمضوا على طاعته "
واليوم ونحن نستذكر لحوق الرسول الكريم صلوات الله عليه وآله بالرفيق الأعلى لا بد من أن نتناول ما نرد به فضله علينا وما يبقينا سائرين على نهجه مدافعين عن تلك الرسالة التي بذل فيها مهجته كي تكون مواساتنا له مواساة فعلية تنزل لأرض الواقع فتدافع عن شريعته السمحاء التي لا يزال العالم بل حتى المسلمون المنتحلون لها يجهلون الكثير من جواهرها وخباياها التي لو ظهرت وعملت بها الإنسانية مذعنة لها لنالت رغد العيش وسعادته في الدارين.
https://telegram.me/buratha