حيدر الرماحي||
إن النهضة الحسينية ذات وجوه عديدة، ولها عدة جوانب وأبعاد، ومن وجوه هذه النهضة وثمراتها تلك الزيارة العظيمة التي ما انفكت تتعاظم وتكبر في عيون الشامتين قبل العاشقين، ومن الممكن جدا اعتبار تلك الزيارة عنصرا تبليغيا، فهي رسالة واضحة الى العالم، وطريق لإيصال رسالة الإسلام في العصر الحديث، حيث تحمل آلاف الرسائل والدعوات الموجهة الى آلاف المراكز والنواحي، ففي زمان التكنولوجيا والثورات الإعلامية المتواصلة بدت مشاهد الزيارة الأربعينية متلألئة في التلفزيونات والقنوات العالمية، التي نقلت مشاهد مؤثرة تضع المشاهد من جميع أطياف المجتمع أمام تساؤل كبير، فما الذي يجعل هذه الجموع المليونية تزحف بهذا الإصرار نحو قبلة الأحرار والثائرين ؟ فيأتي الجواب مدويا انه الحسين وعظمة التضحية التي قدمها.1
ومع تطور وسائل الاعلام والتواصل اصبح حدث زيارة الاربعين من الاحداث البارزة عالميا فبعد ان كان يطرح مشروع (الاسلام فوبيا)2 اليوم نشهد ان وسائل الاعلام العالمية وباحثين ومسؤولين يتحدثون عن صدق رسالة الاسلام والمحبة والتعايش السلمي والمبادئ السامية وعلى سبيل المثال لا الحصر كما اوردت في الحلقات السابقة عن حديث الباحثة كاتلين كوبل حينما تتحدث وتقول عن الاسلام انه دين سلام وان الغرب يفهم فكرة غير صحيحة عن الاسلام وانها تسعى لتوضيح الاسلام للمجتمع الغربي.
وهنا يمكن الاشارة الى الدور الايجابي الذي تحققه زيارة الاربعين من خلال مشاركة باقي الطوائف من مسيح وسنة وصابئة وغيرها من الطوائف والمذاهب الاخرى من خلال دورها الايجابي من حيث التقارب وفهم رسالة الاسلام والتشيع واهداف النهضة الحسينية عن قرب وتبين نتائج الاستبيان الذي اجريناه في طريق كربلاء ومحافظة النجف الاشرف والذي قدمناه باربع لغات ان نسبة 83% ممن اجاب على الاستبيان اعتبروا ان مشاركة باقي الطوائف في الزيارة الأربعينية لها دور ايجابي على الواقع الاسلامي، اذ ان 92% ممن اجاب على الاستبيان یعتقدون أن لمشارکة باقي الطوائف کالمسیح والسنة و الصابئة وغیرهم دور ایجابي علی الواقع الاسلامي وتحقيق الدور التبليغي عن حقيقة الاسلام والتشيع، او علی الاقل نشاهد دور ایجابي بشکل محدود بنسبة (9%) وهذه الاجابة تدل علی هذه الحقیقة الهامة: ان مشارکة الطوائف کالمسیح والسنة و الصابئة في زیارة الاربعین تحقق الوحدة بین المذاهب الالهية وایضا تؤثر على مستوى تقوية العلاقات، (واعتقد ان هذه النسبة تزداد كلما زادت نسبة مشاركة المذاهب والطوائف الاخرى في مسيرة الاربعين) ، واکثر من ذلك هو التواصل وتعميق التعاملات بین المسلمين وباقي الادیان.
ویوجد استثناء لبعض الدول فقد بينت الاجابات لزوار آذربیجان حيث ان 60% منهم اجابوا بـ (لا)، ولعل هذه الاجابة تدل علی وجود بعض المشاکل السیاسیة والامنیة بین آذربیجان ودولة ارمینیا ک دولة مسیحیة في منطقة آسیا الوسطی بمعنى ان الشد المذهبي الذي تمارسه الدول لها تاثير في قضية التبليغ الديني.
وكذلك اشير الى نموذج اخر حينما تتحدث السيدة “انام كاظم” النائب المسلمة بالمجلس التشريعي لمدينة البرتا بكندا – قسم كلغري- حول مسيرة الاربعين. والسيدة كاظم تنحدر من اصول باكستانية. اذ تتحدث في البرلمان الكندي عن شخصية الامام الحسين(ع) وعن ثورته وتشير الى مبادئه وتقدم وصفا لزيارة الاربعين ويحسن ان انقل ما تحدثت به:
((لقد صادف يوم امس، ذكرى الاربعين، وهو المناسبة بمرور أربعين يوما على واقعة عاشوراء، اليوم الذي استشهد فيه الحسين بن علي (ع) سبط نبي الاسلام في معركة كربلاء. ان الحسين بن علي (ع) كان شخصية ثورية في القرن السابع والذي ضحى بنفسه من اجل العدالة الاجتماعية.
ان الاربعين هو اليوم الذي عادت فيه اسرة الحسين(ع) الى أرض كربلاء ليقيموا الحداد ومراسم العزاء على اعزائهم كما هم يحبون، واليوم يمر 1400 عام على هذه الواقعة، اذ يحيي الملايين من الناس في ارجاء العالم، ذكرى يوم الاربعين، فالاربعين هو يوم تكريم الحسين الذي ناضل وضحى من اجل العدالة الاجتماعية.
وتقام اكبر المسيرات في مختلف مدن العالم احياء لذكرى الاربعين وثورة الحسين(ع)، لتكون رمزا للعدالة الاجتماعية والفخر والسلام. وقد اقيمت مسيرة يوم الاربعين في مدينة كلغري برعاية المجلس الحسيني في كلغري.
وفي كل سنة وفي الايام التي تسبق ذكرى يوم الاربعين، يشارك الناس من كل بقاع العالم، في تقليد مسيرة الاربعين ليسلكوا طريقا يمتد من مدينة النجف الى كربلاء في العراق بطول 80 كيلومترا سيرا على الاقدام. وهناك المتطوعون على امتداد الطريق يقدمون الطعام والماء للزوار مجانا، انهم يهيئون حتى اماكن النوم والراحة وكذلك اماكن الاستحمام للزوار.
ان الاربعين هو اكبر تجمع انساني وسلمي في العالم كله، وحتى ان عدد زوار الاربعين يصل الى 25 مليون انسان. ان هذا التجمع العظيم يقام رغم تهديدات الارهابيين الذين يريدون استهداف هذا النموذج من العدالة الاجتماعية والسلام.
وكما قال وزير الثقافة والسياحة، لا يجب لاحد ان يقلق على امنه اثناء تاديته العبادة، إني اعتز لكوني جزء من الدولة التي تقف بقوة بوجه عدم الاحتمال الديني، وتطمئن بان البرتا هي متعلقة بجميع الناس من اي دين كانوا))3.
فيما تقدم قدمت نموذجا وشواهدا عن رسالة الاربعين ودورها في ايصال رسالة الاسلام وتعريف العالم بالاسلام ومذهب اهل البيت(ع) ويمكن للمتتبع ان يبحث حول كم هائل عن هذه الانعكاسات التي تؤديها الزيارة بالذات.
واعتقد ان من المفيد ان اشير الى دور المرجعية الدينية في النجف الاشرف كمؤسسة دينية بالاضافة الى دور هيئة الاربعين في الجمهورية الاسلامية الايرانية في شأن التبليغ الديني خلال ايام الزيارة.
المرجعية الدينية في النجف الاشرف وخلال سنوات تطور الظاهرة وانفتاحها عملت على اطلاق مشروع التبليغ الديني خلال هذه المناسبة لحل المشاكل الفقهية وترسيخ مفاهيم العقيدة ونشر الثقافة الدينية.
ويقول السيد أحمد الأشكوري المشرف العام على التبليغ الحوزوي في زيارة الأربعين والسيد عماد الطالقاني، ممثل مركز كربلاء للدراسات والبحوث التابع للعتبة الحسينية المقدسة في لقاء اجرته (وكالة شفقنا العراق) : ان برامج التبليغ الديني على تعددها وكثرتها تصبّ في هدف واحد، هو القيام بالتبليغ الديني فقهياً وعقائدياً وأخلاقياً في طريق الزوار، ابتداءً من نقطة الصفر في النقاط الحدودية للعراق، وانتهاءً بكربلاء المقدسة، مروراً بكل الطرق المؤدية إليها. وإنّ ما يقرب من خمسة آلاف مبلغ ومبلغة، تم اختيارهم وفق مقاييس العلم والورع والاستقامة العقائدية، يقومون بهذه المهمة.
إن إقامة الصلاة جماعة، وتعليم الناس أمور دينهم، هي أولى أهداف هذا التبليغ. بما في ذلك إقامة صلاة الجماعة الموحدة يوم 17 صفر من كل عام. وان هذا التبليغ يهدف أيضاً إلى استقبال الوفود من خارج العراق، سواء على مستوى الوفود الشيعية المؤمنة، أو على مستوى استضافة أهل العلم من خارج العراق، أو على مستوى الوفود من أصحاب الشهادات بمستوى البروفيسور فما فوق، وغالب هؤلاء من المسيحين. ويوضح ان هناك برنامج خاص بالنخب من طلبة وأساتذة الجامعات العراقية، حيث تتم استضافتهم لعدة أيام بهدف التواصل بين الحوزة والجامعة. وان السعي مستمر لإضافة كل ما من شأنه أن يزيد من تكامل الذات وبناء الإنسان في طريق زيارة أبي عبد الله الحسين (عليه السلام).4
وقد عملت هيئة الاربعين في الجمهورية الاسلامية الايرانية على تدعيم هذا الامر لنفس الاهداف التي تتعلق بترسيخ الثقافة الدينية لدى المؤدين لهذه الزيارة وزيادة وعيهم وارشادهم وحسب تصريح حجة الإسلام حميد أحمدي مسؤول اللجنة الثقافية والتعليمية في هيئة الأربعين ان 800موكب ثقافي بحضور 100 مبلغ ديني من اجل تقديم الخدمات لمختلف الزائرين 80 موكب ثقافي بحضور 1000 مبلغ ديني يقدمون الخدمات للزوار على طول الطريق5.
واما مشاركة علماء وفضلاء البلدان الاسلامية والخليجية ففي عام 2018 شارك طلبة علم من لبنان في التبليغ الديني لزوار اربعينية الامام الحسين(ع) وينقل الشيخ محسن على شرارة، من لبنان، أن تواجدهم الميداني في طريق كربلاء هو عمل مقدس، لأنه يدخل ضمن ضرورة تعليم الناس معالم دينهم، وأن مجيئهم من لبنان كان بدافع التقرب إلى الله تعالى، من دون أن يكون وراءه أي مقصد دنيوي آخر. واما السيد عبد الأمير المؤمن، من لبنان أيضاً، بين أن المشاركة في التبليغ العلمي ينبع من أهداف الإمام الحسين (ع) بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن خير مناسبة يمكن من خلالها إبراز الولاء لأهل البيت (ع) والامتثال لأوامرهم بتعليم الناس ما يحتاجون إليه هي مناسبة زيارة الأربعين المقدسة6.
ولم تقتصر هذه المشاركة على تلك الدول المذكورة اعلاه فان هناك مشاركين من دول الخليج، من طلبة علم حوزة النجف الأِشرف في مهمة التبليغ العلمي7.
وهناك أربعة شروط لنجاح أي عملية تبليغية وهذه الشروط هي8:
1-غنى واقتدار مضمون تلك العملية من جميع الجوانب، فان حجم وفظاعة فاجعة الطف حققت الأرضية الصالحة لاستثمارها لصالح المذهب الحق، وذلك برثاء سيد الشهداء واستذكاره في جميع المناسبات والزيارات ولاسيما زيارة الأربعين التي تحتفظ بوهج خاص لدى الموالين. وبعبارة ثانية إن رسالة الحسين(ع) تحتوي على قوة الجذب الكافية للعقل والقلب، وقدرتها على حل المشاكل، والقضايا المستعملة في الحياة. ونحن لا نقول إن الزيارة الأربعينية. تقوم بهذه الأدوار والمهمات لوحدها، مبتورة عن باقي الأجزاء المكملة للنهضة الحسينية لكنها قطعا جزء مهم من باقي أجزاء النهضة الحسينية، والتي هي بدورها تتوفر بها كل تلك المميزات قطعا.
2-حيازة الإمكانات اللازمة، من خلال وسائل وأدوات ووسائط الدعاية الحضارية، مع الأخذ بعين الاعتبار الشروط والظروف الاجتماعية المحيطة، وهذه النقطة قد يكون من السهل تحقيقها خاصة وان الأموال التي تنفق في سبيل ذلك من الكثرة بحدّ يلفت النظر، وبالخصوص في أربعينية الإمام (ع) سواء أكانت تلك الأموال على شكل مشاريع ثابتة – كالحسينيات والأوقاف العامة ونحوها – أم نفقات مصروفة لسد الحاجيات المتجددة كالإطعام، والاستضافة ومكافآت الخطباء والذاكرين وغيرها.
3- توفر الصلاحية الفنية والأخلاقية للمبلغ , ويمكن اعتبار الزائر هنا مطلقا عنصرا تبليغيا فاعلا لابد له من التحلي بتلك الصفات المذكورة.
4-استخدام منهج التبليغ واستغلال الأدمغة المفكرة التي تجعل من تلك الشعيرة، عنصرا تبليغيا قادرا على إيصال الرسالة التي كان لأجلها خروج الإمام والتضحية بنفسه الزكية. ان زيارة الأربعين بوصفها عنصرا تبليغيا قد أسهمت إسهاما كبيرا في نقل الصورة الايجابية عن اهل البيت(عليهم السلام) عن طريق تلك المسيرات المليونية وما يرافقها من ذكر مآثر أهل البيت (ع) وتضحياتهم في سبيل نصرة الإسلام، بما يتناسب وفهم المخاطبين من أتباع بيت النبوة، وحتى غير الأتباع ممن يتعاطف مع نهضة الحسين(ع) وخلودها.
ويمكن ان اقول ان ممارسة عملية التبليغ ادى الى تعرف الشعوب الاسلامية على هذه الظاهرة وقضية الامام الحسين التي عملت الحكومات والانظمة السياسية على تعتيمها على جمهورها والتي ومنع التبليغ الديني وتمنع حرية المعتقد. فعلى سبيل المثال نجد ان في الجمهورية المصرية العربية تعمد على منع اقامة مراسيم محرم الحرام واحياء ذكرى شهادة الامام الحسين(ع) تخوفا من انتشار ما اسموه بالمد الشيعي. وهكذا عمدت المملكة العربية السعودية الى التحقيق مع الزائرين الوافدين الى اداء زيارة الاربعين من المواطنين السعوديين في عام 2017م بهدف تقييد الحريات الدينية وبخلفيات طائفية9.
فضلا عن ما تتعامل فيه الحكومات التي تمنع اقامة الشعائر الدينية كما في البحرين على سبيل المثال ايضا فانها تعمد الى مهاجمة المظاهر الدينية والمواكب الحسينية منذ عام 2011 وتقوم بهدم سرادق العزاء ورفع مظاهر السواد ومضايقة اصحاب الموكب10، واعتقد ان هذا ناتج للتعامل الحكومي الطائفي ولتقييد ومنع انتشار هذه الثقافة وايقاض الامة على منهج الثورة الحسينية التي تمثل ثورة المبادئ ورفض الظلم.
وهكذا يمكن فهم الاثر الديني لزيارة الاربعين في ايصالها لرسالة الاسلام والثورة الحسينية ومبادئها الى كل العالم بشكل عام واما بما يخص البلدان الاسلامية فهذا يتضح من خلال مواقف الدول التي اتخدتها من خلال تعاطيها الايجابي او السلبي مع الزائرين كما اشرت في نموذج ايران والسعودية ومصر والبحرين.
ويعتبر93% ممن اجرينا معه حوارات من الزائرين الاجانب من اجاب على اسئلة الاستبيان ان زيارة الاربعين لها دور في زيادة الوعي الديني لدى مجتمعاتهم بشكل عام، و ان 93% منهم یعتقدون ان لزیارة الاربعین تاثیر عمیق علی الوعي الدیني في بلدانهم ومجتمعاتهم وهذه الاجابة تدل علی عمق الروح المعنویة الدینیة التي تحققها زیارة الاریعین بین الزائرین والتي تنتقل الی المجتمعات المختلفة بعد عودة الزوار الی بلدانهم وبامکاننا ان نقول زیارة الاربعین تحقق حالة معنویة فریدة في العالم تختلف عن الاجتماعات الدینیة والمذهبیة بین سائر الادیان والمذاهب الالهیة و غیرها.
..........
المصادر:
1- اهداف ومنهج التبليغ في الزيارة الاربعينية مقال منشور بتاريخ 27/12/201312
(https://imamhussain.org/arabic/news-1/177)
-2الإسلام فوبيا كلمة مستحدثة، تتكون من كلمتي إسلام وفوبيا، وهي لاحقة يُقصد بها الخوف أو الرهاب الغير العقلاني من شيء يتجاوز خطره الفعلي المفترض. قاموس أكسفورد الإنجليزي يعرف الإسلاموفوبيا بـ"الخوف والكراهية الموجهة ضد الإسلام، كقوة سياسية تحديداً، والتحامل والتمييز ضد المسلمين".[1] عرّف باحث الدين المقارن السويدي ماتياس غارديل المصطلح بأنه "الإنتاج الاجتماعي للخوف والتحامل على الإسلام والمسلمين، بما في ذلك الأفعال الرامية لمهاجمة أو التمييز ضد أو عزل أشخاص بناءاً على افتراضات ارتباطهم بالإسلام أو المسلمين.
(https://ar.wikipedia.org)
-3 خبر منشور بتاريخ 4نوفمبر2018،
(http://www.alkawthartv.com/news/170875)
-4 مقابلة منشورة على موقع شفقنا العراق بتاريخ 30 اكتوبر 2017، على الرابط: (https://iraq.shafaqna.com)
-5 14/10/2018 (https://globe.aqr.ir)
-6 خبر منشور في موقع كتابات في الميزان بتاريخ 21/10/2018، على الرابط:
(https://www.kitabat.info/subject.php?id=126218)
-7المصدر نفسه.
-8 اهداف ومنهج التبليغ في الزيارة الاربعينية، المصدر السابق.
-9 راشد الراشد من مملكة البحرين، مقابلة علمية، قم المقدسة، بتاريخ 11/11/2018
-10 خبر منشور في الموقع الالكتروني لشبكة الاعلام المقاوم بتاريخ 15/9/2018، على الرابط (https://r-m-n.net/news)
https://telegram.me/buratha