عباس قاسم المرياني ||
قد يتصور كل من ليس لديه اطلاع كبير وواسع بالتاريخ الاسلامي عموماً، والسيرة النبوية خصوصاً ان حادثة الغدير امراً طبيعياً اذ نادى رسول الله (ص) بأصحابه في موقع غدير خم ان علياً مولاكم ومولى كل مؤمن وانتهت القضية، كلا ليس كذلك بل حادثة الغدير جاءت:
١. مكمله لايات واحاديث الولاية الاخرى، منها اية الولاية {انما وليكم الله ورسوله والذين امنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون}، هذه الاية اتفقت عليها اغلب التفاسير انها نزلت بحق امير المؤمنين (ع)عندما تصدق بخاتمه وهو قائم يصلي،
واية طاعة اولي الامر {اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم} الذين هم الائمة من ال البيت (ع)، وحديث المنزلة (يا علي انك بمنزلة هارون من موسى، الا انه لا نبي بعدي).
٢.جاءت لاسقاط المشاريع السياسية التي كانت تعتقد ان امر الدين الاسلامي سينتهي بوفاة رسول الله (ص)، واخذت تهيأ لذلك.
كما انه من غير المنطقي، أو المعقول ان يترك رسول الله (ص) أمر الامة الاسلامية الفتية الناشئة تواً، التي لم يترسخ فيها الدين الإسلامي بشكل كبير كريشة في مهب الريح، فهل الحكمة من رجل حكيم، وصاحب رسالة سماوية، ثم مصلح ديني كبير كرسول الله (ص) ان يترك مشروعه لإرادة جماعته؟!، أو أن يترك امر الامة لكل من هب ودب؟!، ثم هل ضَمنَ رسول الله (ص) ان تكون إرادة جماعته صحيحة؟ ومتوافقة لمشروعه الإلهي؟ أو هل ضَمّنَ رسول الله (ص) أن لا يتفتت هذا المشروع، وينتهي عمله المضني طيلة سنين كفاحه المقدس؛ لإظهار هذا الدين وترسيخ قواعده ونشره الى كافة ارجاء المعمورة بالطريقة التي تليق بمبادئ هذا الدين وقيمه العظيمة الحقة التي اشار اليها القرآن الكريم واحاديثه النبوية الشريفة.
فضلاً عن ذلك فأن رسول الله (ص) لم يكن يطمح لتأسيس دولة على وفق نظام حكم معين فقط، ولم يكن الامر الذي بُعث به لفترة معينة أو محدودة، ومن ثم يزول وينتهي كل شيء، بل أن أمره هو ترسيخ دين سماوي شمولي أرسل به لجميع العالم، فمن السذاجة والجهل ان نعتقد، او أن نتصور ان رسول الله (ص) ترك امة كالأمة الإسلامية الفتية دون من ينوب عنه، او يقوم مقامه ويكمل مسيرته الدينية والدنيوية .
واستكمالاً لذلك فأن رسول الله (ص) في اثناء غزواته التي غزاها، او اثناء الشعائر الدينية التي كان يؤديها، لم يترك المدينة بدون ان يولي احداً مكانه، على الرغم من ان تغيبه كان لفترة محدودة لم تتجاوز بضعة أيام، فهل يعقل عند وفاته التي لا رجعة فيها يترك امته سُدى!! او الى مصير مجهول!! فهي ليست قيادة فقط، بل قيادة ورسالة سماوية وشرائع وشعائر وطقوس دينية، لا بد ان تكتمل معالمها، وهي حتماً لا تكتمل دون اختيار الشخص المناسب وتنصيبه لهذه المهمة لإكمال المسيرة، وهو الامر الذي حصل كما أكدته بعض المصادر التاريخية
مما ينقل عن الامام الصادق (ع) قال: "لما خرج رسول الله (ص) إلى مكة في حجة الوداع ، ولما انصرف منها ، وقد شيعه من مكة اثنا عشر ألف رجل من اليمن، وخمسة آلاف رجل من المدينة جاءه جبرائيل (ع) فقال له: يا رسول الله إن الله تعالى يقرؤك السلام، وقرأ هذه الآية "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك" فقال له رسول الله (ص): يا جبرائيل إن الناس حديثو عهد بالإسلام فأخشى أن يضطربوا ولا يطيعوا، فعرج جبرائيل إلى مكانه ونزل عليه في اليوم الثاني، وكان رسول الله (ص) نازلا بغدير فقال له: يا محمد قال الله تعالى: "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته" فقال له: يا جبرائيل أخشى من أصحابي من أن يخالفوني، فعرج جبرائيل ونزل عليه في اليوم الثالث، وكان رسول الله (ص) بموضع يقال له غدير خم وقال له: يا رسول الله قال الله تعالى: "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس"، فلما سمع رسول الله (ص) هذه المقالة قال للناس: أنيخوا ناقتي، فوالله ما أبرح من هذا المكان حتى أبلغ رسالة ربي، وأمر أن ينصب له منبر من أقتاب الإبل، وصعدها وأخرج معه عليا (ع) وقام قائماً، وخطب خطبة بليغة ووعظ فيها وزجر، ثم قال في آخر كلامه: يا أيها الناس ألست أولى بكم من أنفسكم؟ فقالوا: بلى يا رسول الله، ثم قال: قم يا علي، فقام علي، وأخذ بيده فرفعها حتى رؤي بياض إبطيه، ثم قال: ألا من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، ثم نزل من المنبر وجاء أصحابه إلى أمير المؤمنين (ع) وهنئوه بالولاية، وأول من قال له عمر بن الخطاب: يا علي أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة"، وبها نزل جبرئيل (ع) بأية اكمال الدين: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}.
من هذا نجد ان حادثة الغدير جاءت مكملة لكل ايات، واحاديث الولاية الاخرى، ونجد ايضاً تأكيد الباري عز وجل في ارسال جبرائيل (ع) ثلاث مرات في حادثة الغدير هو تأكيداً لولاية امير المؤمنين (ع)، واسقاطاً للمشروع السياسي الذي كانت تهيأ له بعض الجماعات بعد وفاة رسول الله (ص)، وهذا ما حصل بالضبط بعد وفاته (ص).
https://telegram.me/buratha