محمد مكي آل عيسى . .
والذي أقصده كيف نخون الله في الذنب الواحد مرّة على مرّة . . أربع خيانات !!
اعتدنا على أن الخيانة إنمّا تكون بعد أن يؤتمن المرء على أمر ما ثم لا يحفظ تلك الأمانة ويضيعها .
بالتأكيد أن الله قد حمّلنا أمانة خلافة الأرض بقوله " إنّا عرضنا الأمانة . . "
وبالتأكيد فإن كل ذنب نرتكبه وكل معصية نقوم بها تضييع للأمانة وعدم حفظها
لكن السؤال هو كيف تكون الخيانة مرّة على مرّة في الذنب الواحد . . نعم في الذنب الواحد!
عندما نذنب الذنب بالتأكيد هي خيانة لله ولكنها الخيانة الأولى في هذا الذنب . . أمّا الثانية فهي عندما يوثّق المذنبُ الذنبَ على نفسه , في حين أن الله تعهّد بالعفو عن الذنوب إذا استغفر العبد أو تاب أو جاء بفعل يمحو ذلك الذنب . . لكن إذا كان المرء قد وثّقه على نفسه وثبّته , فقد أغلق باب العفو ومحو الذنب المفتوح له من قبل الله تعالى.
وهذا موضع ابتلاءٍ نعيشه اليوم بعد أن أصبحت أجهزة التوثيق بأيدي صغارنا وكبارنا , وأقصد بها الهواتف النقّالة التي مكّنت البعض أن يقوم بتصوير وتسجيل ذنبه على نفسه . . فبعد أن كان الملكان الموكلان بكتابة أعمال الناس يتوليان توثيق وكتابة أعمال الناس بالشكل الذي يسمح بالعفو عنها ومحوها بل وتغييرها الى حسنات أحياناً ( أولئك يبدّل الله سيئاتهم حسنات ) أصبح الفرد يوثّق العمل بالشكل الذي لا يسمح بكل ذلك بعد أن يقوم بتصويره وحفظه.
أمّا الخيانة الثالثة فهي عندما يقوم بنشره وفضح نفسه بعد أن فتح الله باب الستر على المذنبين بعد إرتكاب سيئاتهم وذنوبهم احتراماً لشأنهم ولعدم تقليل منزلتهم في أعين الناس أصبح المذنب هاتكاً لنفسه ناشراً لسوءته عارضاً إياها أمام أعين الناس فيقل بذلك احترامهم له بعد أن كان الله ساتراً لفضيحته محافظاً له على قيمته المجتمعية.
فالمبتلى بذنب الاستماع للغناء مثلاً كان سابقاً يسمعه ولا يدري به أحد والله يستر عليه ذلك أصبح اليوم ينشر المقاطع الغنائية التي يحبها ويسمعها فيفضح نفسه بعد أن ستر الله عليه وعرض نفسه أمام العالمين أنه من مرتكبي هذه المعصية فخان الله بالسماع وخانه بالتوثيق والحفظ وخانه بالنشر .
والأنكى من ذلك أن أعداء الله يروجون الى أن تلك الأفعال ليست ذنوباً ونشرها ليس عيباً وليس مُخِلّاً بناشرها لاستدراج الناس لكل قبيح لا يرضاه الله.
أما الرابعة فهي بالتشجيع على ذلك , فبعد أن ينشر ذنبه للآخرين يشجعهم عليه ويرغّبهم فيه ويحثهم عليه بالشكل المباشر أوغير المباشر , فيكون بذلك جندياً مطيعاً للشيطان يقوم على خدمته وربما يتحوّل لشيطان صغير من شياطين الإنس وهو لا يعي.
وهذا أيضاً من محالّ ابتلاءاتنا فينشر المذنب مقطعاً مصوراً لا يرضاه الله ويشير لفلان وفلان كي يشاهدوه فيعطوه الإعجاب وتعليقات الثناء والرضا ويشاركون ما نشر.
وهنا وبعد أن تمرَّ الأيام والسنين ربما , ويعود المذنب لرشده ويريد أن يتوب الى ربه ويتبرأ من ذنوبه يجد أن أمامه كمٌّ من الذنوب الّتي قد تعاظمت وتكاثرت ولو أنفق عمره في سبيل أن يمحوها من مواقع التواصل فلن يستطيع وأن الأمر الذي كان بيده يوماً قد خرج من يده ولم يعد بالإمكان تدارك مافات عند ذلك سيكون الندم كبيراً والألم عظيماً والحسرة شديدة.
لقد رأينا بعض الممثلين المتورطين بتمثيل المحرّم من المقاطع وبعض المغنين قد تابوا عندما تقدّم بهم العمر وندموا وتراجعوا عمّا فعلوا , وقيل أنه قد حاول بعضهم أن يسحب الأفلام التي مثّلها أو الأغاني التي غنّاها لكن بعد فوات الأوان والأمر خرج من يده وليس بمقدوره محو ماقد ثبّته على نفسه من الجناية ونَشَرَهُ من الحرام وشجّع عليه.
وشبابنا فلذّات القلوب هَوى الكثير منهم في هذه الهاوية وواجبنا أن نسعى لتنبيههم نعم قد تضغط الأهواءُ عليهم ليرتكبوا ذنباً ما بسبب أنهم لم يستطيعوا الصمود أمام رغبتهم في لحظات الضعف , لكنهم قادرون على الإمتناع من توثيق ذلك على أنفسهم قادرون على منع أنفسهم من نشر ذلك والترويج له . . فهم أملنا وحقّهم علينا . . وما يرتكبوه نحاسب عليه كما يحاسبون إن لم نوجههم ونقول لهم لا تغلقوا على الله باب التوبة الذي فتحه لكم . . لا تغلقوا على الله باب الستر الذي فتحه لكم . .لا تتركوا ذنوبكم تتضخّم عليكم فيتحوّل الذنب الذي رأيتموه صغيراً الى كمٍّ هائلٍ وجبلٍ عظيمٍ لا تطيقون حمله , ولا تخونوا الله بذنب واحد أربع خيانات.