نساء عاصرنَ الأئمة وعشن أبداً/17
أمل الياسري
حالة مدهشة من الشموخ، والقوة، والتماسك، والعنفوان، وغيرها من معاني الإباء، كانت واضحة تماماً على نساء البيت العلوي، رغم فقدان الأحبة، ورحيل فلذات الأكباد، فالجميع متوجه نحو الرأس المرتل للقرآن، لأنه أُس القضية وأساسها، نعم كلهم فداء للإمام الحسين عليه السلام (ثأر الله وإبن ثأره)، فكانت ثنائية الدم المنتصر، والدمع المنتثر رفيقا رحلة السبي الأليمة، والتي أفشلت المخطط الأموي، بفضل نسوة خلُدنَ في ذاكرة الطف، ورسمنَ لوحة للصبر والتضحية، وهذه رملة أم القاسم بن الحسن إحداهنَّ.
قد تعيش الأم حالة إنكسار كبيرة، عندما يرحل ولدها عن الحياة، ولكن أن يكون شهيداً بين يدي الحسين (عليه السلام)، بعد أن حمل وصية والده الأمام الحسن (عليه السلام)، ليفي بنذره دفاعاً عن عمه، بعدما نادى الحوراء:إحبسيهِ ياأُخية، لكنه إمتنع إمتناعاً شديداً وظل مردداً: إني أرى الموت أحلى من العسل، والله لا أفارق عمي الحسين حتى أموت دونه، والسيدة رملة أم القاسم، تقف موقفاً مشرفاً صابرة محتسبة، لأنها تدرك أن الشاب، سيُسقى شربة ماء لا يظمئ بعدها أبداً.
لقد عاشت هذه السيدة عمرها الشريف، بين كنف البيت العلوي، فهي زوجة الإمام الحسن (عليه السلام)، وعايشت محنته وأعدت ولدها القاسم ليوم عاشوراء، فأعطته لامة حربه ودفعت بوصية والده، لنصرة عمه في يوم كربلاء، فتشرف بالشهادة حفظاً للدين والعقيدة، فما قدمه الفتى الحسني، يدفع بأمه صوب طلب المجد، خاصة وأنه كان على أعتاب زواج قريب، من سكينة بنت عمه الحسين، لكن السفر الى كربلاء كان أمراً مفعولاً، فبُعداً لقوم قتلوك، خصمهم يوم القيامة جدك وأبيك.
لم تستطع السيدة زينب (عليها السلام)، حبس إبن أخيها القاسم وأفلت منها، وبارز العدو كالليث الغضبان دفاعاً عن دين جده، (صلواته تعالى عليه وعلى آله)، ذلك أنه تعلم فن المبارزة من عمه العباس (عليه السلام)، وأبن عمه علي الأكبر، لذا كان شوقه للشهادة كشوق والدته لإتمام زفافه، وقلبها المضطرب يعلن رحيل النور القاسمي، وهي تقف بباب الخيمة مدهوشة ولم تجزع، لأنها تدرك أن إشارة النصر الكربلائي، تحلق فوق أسنة الرماح، وقضية ولدها العريس ستبقى خالدة.
أم القاسم رملة أي سيدة هي؟ وأي درس تعلمنا؟ وقد قدمت فلذة كبدها فداء للحسين وقضيته، وما يجب أن تفعله أية إمرأة أرملة، والذي من المفترض أن تتهيأ لأيام زفافه القريبة، لكنها بشجاعة الهاشميات العلويات، زفت إبنها البار مع موكب شهداء الطف، ليكون في عليين مع الشهداء والصالحين، في قدم صدق عند مليك مقتدر، فمشروع رملة بتقديم قربان للعدالة، متمثل بإبنها بالشاب العريس، تحول الى سيل شبابي هادر، لبى نداء المرجعية للدفاع عن الأرض والعرض.
عاصرت السيدة رملة (رضوانه تعالى عليها) أيام الإمام الحسن، والحسين، وعلي زين العابدين (عليهم السلام)، وقد أورد المرحوم المقرم، نقلاً عن أعلام الورى للطبرسي أن السيدة رملة، ورد إسمها في واقعة الطف بإسم (أم القاسم أو أم ولد) مع أنها ولدت أخوين أثنين، قضيا نحبهما مع القاسم وهما (عبد الله وعمر) يوم عاشوراء، وبذلك كان لها الدور المتميز، في ترسيم أسباب الثورة الكربلائية، وقبح العدو الأموي وكشف قناعه الفاسد، فسلام على أم القاسم عريس كربلاء.
https://telegram.me/buratha