لم يغفل المؤرخون والمحققون اثناء مرورهم بسفرالتاريخ ان يدونوا لرجال ذاع صيتهم وملئت اعمالهم اركان الكون بعلمهم وارتقاء ثقافتهم لتحصين المجتمع من كل أفات الحياة والبقاء على الامتداد الطبيعي والارتباط الوجودي مع الله سبحانه وتعالى , ان ينقشوا ذكراهم واعمالهم في صفحات خالدة بجمل عذبه وكلمات نقية لاتتعرض للاندثار مهما مرت عليها قرونا من الزمن ,لو أمعن النظر في التسلسل المتعاقب للائمة المعصومين فنجد ان المدرسة واحدة والمحتوى الفكري والدلالي للمناهج يسير بحلقة وصل ابتدأت من الرسول الكريم محمد صل الله عليه واله الى اخر الائمة المهدي الغائب عجل الله ظهوره الشريف ,
كلهم عطاء ومنهج واشعاع وهدف سامي وهم صفوة الله في عالم الخليقة ونوره في الدنيا وباب جنته في الاخرة ,وما يمر علينا ذكره اليوم هو الامام موسى بن جعفرعليه السلام سابع الأئمة المظلومين الماكث ثلثي عمره في سجون العباسيين المظلمة لايميز بين الليل والنهار ورغم مايحمله من ثقل العقيدة والعلم تفجرت له ينابيع الحكمة وسالت من جوانبه حتى تأثر بها السجان والجارية التي ارسلت للتأثيرعليه وتسارع الحاكم السياسي هارون الرشيد لقتله خوفا من تشيع جلاوزته وذهاب كرسيه الى من هو احق به , شهدت مدرسة الامام الكاظم عليه السلام العديد من العلماء ونجحت بتفوقها العلمي واستمرت طيلة عهدها بالعطاء المثمر لثلاث اسباب الاولى ان محتوى منهاجها يستدل على القرأن والسنة النبوية والثانية القيادة الفذة والحكيمة لعمداء المدارس والثالثة هي خلفية تلك المدارس والجامعات التي تعاقب عليها ائمة اهل البيت لايختلفون في مضمونهم والمستندة الى اسس ثابتة من المعلم الاول للبشرية رسولنا الكريم , يقول الامام الصادق بحق ولده موسى بن جعفرعليهما السلام( ولدي موسى شبيه عيسى بن مريم ) ثم قال ( وقد عَلم الحكم , والفهم , والسخاء , والمعرفة بما يحتاج الناس اليه فيما اختلفوا فيه من امر دينهم , وبشهادة هارون الرشيد وهو خصم الامام وأعدى اعدائه عن مواهب الامام ومناقبه , وانه احق بالخلافة من غيره ,
وقد صرح بذلك حينما سأله ولده المأمون عن إكباره وتقديره له , فقال له ( يابني , هذا إمام الناس ,وحجة الله على خلقه , وخليفته على عباده أنا إمام الجماعة في الظاهر والغلبة والقهر ,وأنه والله لأحق بمقام رسول الله صل الله عليه واله مني ومن الخلق جميعا , ووالله لو نازعني في هذا الامر لأخذت الذي في عيناه , فان الملك عقيم , وهكذا سرقت جهارا وعلنا من الامام حقوقه الشرعية الا أنه لم يمتثل الى الجلوس مع الملوك وبقى يزق العلم ,كما ان الامام كان شغولا ويحب العمل هكذا كانوا ائمة اهل البيت عليهم السلام يزاولون العمل بأنفسهم ليقتدي بهم المسلمون , كما كان يقضي ساعات النهار في العمل بيديه تحت لهيب الشمس , وأوصى الامام موسى بن جعفر عليه السلام ,بعض ولده بالجد في اموره والحذر من الكسل فقال ( إياك والكسل والضجر , فأنهما يمنعاك من حظك في الدنيا والأخرة ) ,
حينما ذاع صيت الامام موسى بن جعفر وهو صبي وفرع من دوحة النبوة والأمامة تقدم اليه ابو حنيفة بالسؤوال الذى اعده للإمام الصادق عليه السلام قائلا: ياغلام ,ممن المعصية ؟ هل هي من الله او من العبد ؟.. فاجابه الامام على ذلك قال :لاتخلومن إحدى ثلاثٍ , اما ان تكون من الله , وليست منه ,فلا ينبغي للرب أن يعذب العبد على ما لايرتكب .,وأما أن تكون منه ومن العبد , وليست كذلك , فلا ينبغي للشريك القوي أن يظلم الشريك الضعيف ,, وأما ان تكون من العبد وهي منه , فان عفا فبكرمه وجودهِ , وأن عاقب فبذنب العبد وجريريته ,وحفل هذا الاستدال بمقتضى الحصر العقلي بجميع مقومات الادلة العلمية , ووقف ابو حنيفة مبهرا قد ملأت الدهشة إهابه , فانطلق يرفع عقيرته قائلا: قد استغنيت بما سمعت !
اما بخصوص هارون الرشيد : ذكرالزمخشري في ربيع الأبرار: أن هارون كان يقول لموسى بن جعفر عليه السلام خذ فدكا وهو يمتنع , فلما ألحً عليه ,قال: ما أخذها إلا بحدودها , قال : وما حدودها , قال: الحدً الأول عدن , فتغير وجه الرشيد وقال:والحد الثاني ؟ قال : سمرقند , فأربد وجهه قال: والحد الثالث؟ قال: أفريقيا فاسود وجهه , قال: والحد الرابع؟ قال: سيف البحر مما يلي الخزر وأرمينيا , فقال هارون : فلم يبق لنا شيء, فتحول في مجلسي , فقال الكاظم عليه السلام : قد أعلمتك أني أن حددتها لم تردها , فعند ذلك عزم على قتله واستكفى أمره , وهو يشير بذلك الى أن مطالبة فاطمة الزهراء بفدك هي مطالبة بحق علي بن ابي طالب بالخلافة ومن اروع الرسائل التي وجهها الامام موسى بن جعفر عليه السلام في السجن الى هارون الرشيد قال فيها (( لن ينقضي عني يوم من البلاء حتى ينقضي عنك معه يوم من الرخاء, وسنمضي معاً إلى يوم ليس فيه انقضاء لايخسر فيه إلا المبطلون)) ,
https://telegram.me/buratha