إستلم الإمام جعفر الصادق عليه السلام الإمامة في عصر كان فيه الصراع بين الأمويين والعباسيين على أشده وقد رفع العباسيون شعار ( الرضا من آل محمد ص ) للقضاء على الدولة الأموية والوصول إلى السلطة . وقد أدرك الإمام ع محتوى ذلك الشعار التضليلي الكاذب القاضي إلى بناء دولة بني العباس التي أوغل ملوكها في سفك دماء آل محمد ص ، وكان الإمام يطالب بثورة إصلاحية حقيقية تعيد للدين المحمدي أصالته ونقاءه بعيداعن الرغبات السلطوية الجامحة المنحرفةعن قيم الدين الأصيلة . وكان ع يوصل أفكاره إلى طلبته لنشرها بين أوساط المسلمين وعلى رأسهم هشام بن الحكم ومحمد بن مسلم وجابر بن حيان وسفيان الثوري وغيرهم الكثير.
ويقول أحد طلابه أبو حنيفة النعمان:
( لما أقدمني المنصور الحيرة بعث إلي فقال ياأبا حنيفة إن الناس قد فتنوا بجعفر بن محمد فهيئ له من مسائلك الصعاب .فهيأت له أربعين مسألة . ثم أتيت أبا جعفر وجعفر جالس عن يمينه فلما أبصرت بهما دخلني لجعفر من الهيبة مالا يدخلني لأبي جعفر إلى أن قال:
قال لي أبو جعفر : هات من مسائلك . فابتدأت أسأله فكان يقول في المسألة : (أنتم تقولون فيها كذا وكذا فربما تابعنا وربما تابع أهل المدينة وربما خالفنا جميعا حتى أتيت على أربعين مسألة ماخرم منها مسألة ثم قال أبو حنيفة النعمان أليس قد روينا أن أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس .)- 9
يقول صائب عبد الحميد في كتابه ( منهج في الانتماء المذهبي) :
( ولو لم تكن السياسة وشهوة السلطان هي التي صنعت هذا فهل ترى أمة محمد ص تجفو أهل بيته الأطهار ع وهي ترى فيهم أعلى الفضل والشرف والسيادة والشجاعة , والعلم والفقه والكرم والحكمة وكل الفضائل ومكارم الأخلاق أترى هذا يكون لولا ذاك ؟ أم يقال أن الشيعة قد كذبوا على أئمة أهل البيت ع .؟ أن أغرب ماأراه يتكرر تحت ناظري وعلى مسامعي هي هذه الدعوى التي ماقيلت إلا لأجل قطع الطريق على الباحث أن يبلغ الحقيقة, وقطع الطريق على الحقائق أن تبلغنا ).10
قال الأمام الصادق في تكريم العلم والعلماء :
(إذا كان يوم القيامة جمع الله عز وجل الناس في صعيد واحد , ووضعت الموازين , فتوزن دماء الشهداء مع مداد العلماء , فيرجح مداد العلماء على دماء الشهداء ) 11.
وعن أبي الربيع الشامي قال :
( دخلت على أبي عبد الله الصادق ع والبيت غاص بأهله فيه الخراساني والشامي ومن أهل الآفاق فلم أجد موضعا أقعد فيه فجلس أبو عبد الله ع وكان متكئا
ثم قال : ( ياشيعة آل محمد إعلموا أنه ليس منا من لم يملك نفسه عندغضبه ومن لم يحسن صحبة من صحبه ومخالقة من خالقه ( والمخالقة : المعاشرة بالأخلاق الحسنة . ومرافقة من رافقه ومجاورة من جاوره وممالحة من مالحه , ياشيعة آل محمد إتقوا الله مااستطعتم ولا حول ولا قوة ألا بالله ) وقال علاء بن الفضيل عن أبي عبد الله الصادق ع قال : كان أبو جعفر ع يقول : (عظموا أصحابكم ووقروهم ولا يتهجم بعضكم على بعض ولا تضاروا ولا تحاسدوا وإياكم والبخل كونوا عباد الله المخلصين الصالحين . ) 12.
وقال مالك بن أنس عنه ع :
( كان رجلا لايخلو من ثلاث خصال إما صائما وإما قائما وإما ذاكرا. وقد حججت معه فلما استوت به راحلته عند الإحرام كان كلما هم بالتلبية إنقطع الصوت في حلقه وكاد أن يخر من راحلته فقلت قل ياابن رسول الله ص ولابد لك من أن تقول فقال ع :ياابن أبي عامر كيف أجسر أن أقول لبيك اللهم لبيك وأخشى أن يقول عز وجل لالبيك ولا سعديك وهوعلى تلك الدرجة العالية من العلم واليقين . وكان يروى عنه أنه يأمر بإعطاء أجور العمال قبل أن يجف عرقهم . وكان ع كلما يتلو قراءة القرآن يغشى عليه فسئل عن ذلك مرة فقال ع : (مازلت أكرر آيات القرآن حتى بلغت إلى حال كأنني سمعتها مشافهة ممن أنزلها. )
فأين نحن اليوم من هذا المنهج الإنساني العظيم في محتواه وفحواه من بعض الذين يصرخون ليل نهار نحن شيعة أهل البيت ع وهم في سلوكهم أبعد مايكونوا عن نهجهم ع وأين هذا العطف الإنساني العظيم الذي زرعه سيد الرسل محمد بن عبد الله ص في نفوس أهل بيته الأبرار ع من النهج الذي سار عليه الخوارج وأحفادهم خوارج هذا الزمن الذين حللوا سفك دماء المسلمين.؟ وباعوا الدين بالدنيا؟
والإمام الصادق ع له مناظرات كثيرة مع الكثيرين من أهل زمانه في مختلف العلوم الإنسانية ومنها مناظرته ع مع الملحدين ومناظراته مع أبي حنيفة النعمان في القياس وفي حكم التوسل بالنبي ص ومناظرته ع مع رؤساء المعتزلة ومناظرته ع مع طبيب هندي ومناظرته ع مع عبد الله بن الفضل الهاشمي ومناظرته ع مع الزنادقة والملاحدة المشككين بقدرة الله تعالى ومناظرته مع أبن أبي العوجاء ومناظرته ع في الحكمة من الغيبة. وغيرها الكثير من المناظرات المهمة والمفيدة جدا. ) الموسوعة الحرة ص 2و 3.
https://telegram.me/buratha