من الواضح الجلي، ومما لا يرقى إليه شك؛ إن سياسة طمس الحقائق، وتشويه صور الماضي، والنيل من أعلام وعلماء الأمة الإسلامية، من بديهيات السلوك القرشي، وأولويات النهج الأموي، واللبنة الأساسية في صرح مؤامرات تيم وعدي.
لا يجد الباحث أية صعوبة، في الكشف عن عمليات الطمس والتشويه هذه، بل على العكس، فإن بطون الكتب، قد ملئت قيحاً ودماً من هذه الممارسات، وعلى لسان أصحابها.
صرح جميع هؤلاء علانيةً ونقلاً عن ثقاتهم، أيما مرة، بإرتقاءهم، المواقع الدينية، والمناصب الحكومية، والإدارية، وإقدامهم على مواقف جاءت على النقيض من تعاليم الأسلام، كونها، فلتة ، تارة، وبدعة وما أحسنها من بدعة، تارة أخرى، وإن لله جنوداً من عسل، تارة ثالثة، بحيث توالت هذه التصريحات تتراً.
إستوقفتني بعض الأبيات الشعرية، للشاعر العربي، حافظ إبراهيم يقول فيها:
و قولـة لعلـي قالـهـا عـمر
أكرم بسامعها أعظم بملقيـها
حرقتُ دارك لا أبقي عليك بها
إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها
ما كان غير أبى حفص يفوه بها
أمام فارس عدنـان وحامـيها
عندما يجد المتتبع ثقافة من هذا النوع، وبدلالة شاعر معروف، لبيان حادثة، كانت قد وقعت في السنة الحادية عشر للهجرة، أي بعد إستشهاد نبي الرحمة - عليه وعلى آله أفضل الصلوات وأتم التسليم- مباشرة، فإن ذلك يقوده وبلا أدنى شك على تأصل هذه الثقافة، من خلال موروث تأريخي، يقوم على أساس تمجيد مقام الصحابة، لدرجة يبلغ معها الفخر والتباهي، بإنتزاع البيعة من خليفة المصطفى؛ الذي شهد له في غديرخم بها، من جاءه اليوم منتزعا لها منه، بيعةً لأبي بكر، حتى وإن تطلب ذلك إحراق فاطمة بنت محمد وسبطيه الحسن والحسين- عليهم السلام.
أن الأحداث التي جرت بعد إستشهاد الصادق الأمين- عليه وعلى آله أفضل الصلوات وأتم التسليم- والتي أفرزت مؤامرة النكوص وإنقلاب عنق كثير من الصحابة على أعقابهم، كما أخبر بذلك القرأن الكريم بقوله تعالى {وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل إنقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين}
نعم، فقد مات مقتولاً- جعلت فداه- وباء بقتله، أولئك الذين صرحوا مراراً وتكراراً، عن طمعهم بخلافته السياسية، زاهدين أيما زهد بالخلافة الدينية لعلمهم الأكيد، بأنها من حظ علي بن أبي طالب- عليه السلام-. كان هناك إجماع لدى الفريقين، على أن النبي- عليه وعلى آله أفضل الصلوات وأتم التسليم- قد مات مسموماً، إلا أن وجه الخلاف كان في كيفية سمه، ومتى؟ ومن الذي قام بدس السم له- روحي فداه-؟
لعل في أكذوبة الشاة التي قدمتها اليهودية له- بأبي وأمي- التي أزكموا أنوفنا، وصدعوا رؤوسنا بها، هي خير دليل على محاولتهم اليائسة والمفضوحة، وإصرارهم المقيت على طمس حقيقة مقتله- جعلت فداه- والتي هي نفسها دليل على براءة اليهودية، براءة الذئب من دم يوسف- عليه السلام- فقد كان زعمهم أنها قامت بشي الشاة وسمها وتقديمها له- لا حرمنا شفاعته- عند فتح خيبر، أي قبل أربع سنوات من إستشهاده.
إشارات أولها: "بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى ...."، وليس بآخرها " يا معشر بني أمية، إن الخلافة صارت في تيم وعدي حتى طمعت فيها، وقد صارت إليكم، فتلقفوها بينكم تلقف الصبي الكرة، فوا..ه ما من جنة ولا نار".
قد تتضمن هذه الإشارات، إجابات شافية ودلائل كافية، على من كانت له المصلحة في قتله مسموما، بعد فشل محاولتهم لقتله بنفور الناقة.
فوالذي نفسي بيده، فإن جريمة الإجهاز على النبوة، لن تخرج عن دائرة المنافقين، والطامعين، والطامحين والحاسدين له ولأهل بيته الكرام.
https://telegram.me/buratha