الصفحة الإسلامية

قائد الثورة الاسلامية يوجه رسالة جديدة إلى الشباب الغربيين

1402 19:35:36 2015-11-30

وجه قائد الثورة الإسلامية في إيران آية الله السيد علي خامنئي رسالة جديدة إلى الشباب في البلدان الغربية وذلك على ضوء الأحداث المريرة التي شهدتها فرنسا مؤخرا.

وأكد قائد الثورة الاسلامية في الرسالة : أن معاناة الإنسان محزنة في أي مكان من العالم سواء في فرنسا أو في فلسطين والعراق ولبنان وسوريا داعيا الشباب الغربيين إلى استلهام الدروس من محن اليوم وسد الطرق الخاطئة التي أوصلت الغرب إلى ما هو عليه الآن.

وأضاف قائد الثورة الإسلامية أن العالم الإسلامي كان ضحية الإرهاب والعنف بأبعاد أوسع بكثير، مؤكدا أن هذا العنف كان للأسف مدعوماً على الدوام من قبل بعض القوى الكبرى بأساليب متنوعة.

وفيما يلي النص الكامل للرسالة:

بسم الله الرحمن الرحيم

إلى كل الشباب في البلدان الغربية

الأحداث المريرة التي ارتكبها الإرهاب الأعمى في فرنسا دفعتني مرة أخرى لمخاطبتکم. ویؤسفنی أن توفر مثل هذه الأحداث أرضية الحوار، بيد أن الواقع هو أن القضايا المؤلمة إذا لم توفر الأرضية للتفكير بالحلول ولم تعط الفرصة لتبادل الأفكار، فستكون الخسارة مضاعفة. فمعاناة الإنسان، في أيّ مكان من العالم، محزنة بحد ذاتها لبنی البشر. مشهد طفل في حالة نزع الروح أمام أحبائه، وأمّ تبدلت فرحة عائلتها إلى مأتم، وزوج يحمل جسد زوجته مسرعا إلى ناحية ما، أو متفرّج لا يدري أنه سيشاهد بعد لحظات المقطع الأخیر من مسرحیة حیاته، هذه ليست مشاهد لا تثير العواطف والمشاعر الإنسانية. كل من له نصيب من المحبة والإنسانية يتأثر ويتألم لمشاهدة هذه المناظر، سواء وقعت في فرنسا، أو في فلسطين والعراق ولبنان وسورية. ولا شك أن ملياراً ونصف المليار من المسلمین لهم نفس الشعور، وهم براء ومبغضون لمرتكبي هذه الفجائع ومسببيها. غير أن القضية هی أن آلام اليوم إذا لم تؤد إلى بناء غد أفضل وأكثر أمناً، فسوف تختزل لتکون مجرد ذكريات مُرّة عديمة الفائدة. إنني أؤمن أنكم أنتم الشباب وحدکم قادرون، باستلهام الدروس من محن اليوم، على أن تجدوا السبل الجديدة لبناء المستقبل، وتسدوا الطرق الخاطئة التي أوصلت الغرب إلى ما هوعليه الآن.

صحيح أن الإرهاب أصبح اليوم الهم والألم المشترك بيننا وبينكم، لكن من الضروري أن تعرفوا أن القلق وانعدام الأمن الذي جرّبتموه في الأحداث الأخيرة يختلف اختلافين أساسيين عن الآلآم التي تحملتها شعوب العراق واليمن وسورية وأفغانستان طوال سنين متتالية: أو لا إن العالم الإسلامي كان ضحية الإرهاب والعنف بأبعاد أوسع بكثير، وبحجم أضخم، ولفترة أطول بكثير. وثانيا إن هذا العنف كان للأسف مدعوماً على الدوام من قبل بعض القوى الكبرى بشكل مؤثر وبأساليب متنوعة. قلّ ما يوجد اليوم من لا علم له بدور الولايات المتحدة الأمريكية في تكوين وتقوية وتسليح القاعدة، وطالبان، وامتداداتهما المشؤومة. وإلى جانب هذا الدعم المباشر، نری حماة الإرهاب التكفيري العلنيون المعروفون کانوا دائماً عداد حلفاء الغرب بالرغم من أن أنظمتهم أكثر الأنظمة السياسية تخلفاً، بینما تتعرض أكثر وأنصع الأفكار النابعة من الديمقراطيات الفاعلة في المنطقة إلى القمع بكل قسوة. والإزدواجیة فی تعامل الغرب مع حركة الصحوة في العالم الإسلامي هی نموذج بليغ للتناقض في السياسات الغربية.

الوجه الآخر لهذا التناقض يلاحظ في دعم إرهاب الدولة الذی ترتکبه إسرائيل. الشعب الفلسطيني المظلوم يعاني منذ أكثر من ستين عاماً من أسوء أنواع الإرهاب. إذا كانت الشعوب الأوربية اليوم تلوذ ببيوتها لعدة أيام وتتجنب التواجد في التجمعات والأماكن المزدحمة، فإن العائلة الفلسطينية لا تشعر بالأمن من آلة القتل والهدم الصهيونية منذ عشرات الأعوام، حتى وهي في بيتها. أيّ نوع من العنف يمكن مقارنته اليوم من حيث شدة القسوة ببناء الكيان الصهيوني للمستوطنات؟ إن هذا الكيان يدمر كل يوم بيوت الفلسطينيين ومزارعهم وبساتينهم من دون أن يتعرض أبداً لمؤاخذة جادة مؤثرة من قبل حلفائه المتنفذين، أو على الأقل من المنظمات الدولية التی تدعی استقلالیتها، من دون أن تتاح للفلسطينيين حتى فرصة نقل أثاثهم أو حصاد محاصيلهم الزراعية، ويحصل كل هذا في الغالب أمام الأعين المذعورة الدامعة للنساء والأطفال الذين يشهدون ضرب وإصابة أفراد عوائلهم، أو نقلهم في بعض الأحيان إلى مراكز التعذيب المرعبة. تری هل تعرفون في عالم اليوم قسوة بهذا الحجم والأبعاد وبهذا الاستمرار عبر الزمن؟ إمطار سيدة بالرصاص في وسط الشارع لمجرد الاعتراض على جندي مدجّج بالسلاح، إنْ لم يكن إرهاباً فما هو إذن؟ وهل من الصحیح أن لا تعدّ هذه البربرية تطرفاً لأنها ترتکب من قبل قوات شرطة حكومة محتلة؟ أو بما أن هذه الصور تكررت على شاشات التلفزة منذ ستين سنة، فإنها يجب أن لا تستفز ضمائرنا؟

 

الحملات العسكرية التي تعرض لها العالم الإسلامي في السنوات الأخيرة، والتي تسببت في الكثير من الضحايا، هی نموذج آخر لمنطق الغرب المتناقض. البلدان التي تعرضت للهجمات ، فقدت بناها التحتية الاقتصادية والصناعية، وتعرضت مسيرتها نحو الرقي والتنمية إما للتوقف أو التباطؤ، وفي بعض الأحيان تراجعت لعشرات الأعوام فضلاً عن ما تحملته من خسائر إنسانية. ورغم كل هذا يطلب منهم بوقاحة أن لا يعتبروا أنفسهم مظلومين. كيف يمكن تحويل بلد إلى أنقاض وإحراق مدنه وقراه وتحويلها إلى رماد، ثم يقال لأهالیه لا تعتبروا أنفسكم مظلومين رجاء! أليس الأفضل الاعتذار بصدق بدل الدعوة إلى تعطیل الفهم أو نسيان الفجائع؟ إن الألم الذي تحمله العالم الإسلامي خلال هذه الأعوام من نفاق المهاجمين وسعیهم لتنزیه ساحتهم ليس بأقل من الخسائر المادية.

أيها الشباب الأعزاء، إنني آمل أن تغيروا أنتم في الحاضر أو المستقبل هذه العقلیة الملوثة بالتزييف والخداع، العقلیة التي تمتاز بإخفاء الأهداف البعيدة وتجميل الأغراض الخبیثة. أعتقد أن الخطوة الأولى في توفير الأمن والاستقرار هو إصلاح هذه الأفكار المنتجة للعنف. وطالما تسود المعايير المزدوجة على السياسة الغربية، وطالما یقسّم الإرهاب في أنظار حماته الأقوياء إلى أنواع حسنة وأخرى سيئة، وطالما یتم ترجيح مصالح الحكومات على القيم الإنسانية والأخلاقية، ينبغي عدم البحث عن جذور العنف في أماكن أخرى.

لقد ترسّخت للأسف هذه الجذور تدريجياً على مدى سنين طويلة في أعماق السياسات الثقافية للغرب أيضاً، وراحت تعِدّ لغزو ناعم صامت. الكثير من بلدان العالم تعتز بثقافاتها المحلية الوطنية، تلک الثقافات التي غذّت المجتمعات البشرية على نحو جيد طوال مئات الأعوام محافظه علی إزدهارها وإنجابها. والعالم الإسلامي ليس استثناء لهذه الحالة. ولكن العالم الغربی استخدم في الحقبة المعاصرة، أدوات متطورة مصرّاً على الاستنساخ والتطبیع الثقافي في العالم. إنني أعتبر فرض الثقافة الغربية على سائر الشعوب، واستصغار الثقافات المستقلة، عنفاً صامتاً وعظيم الضرر. ویتم إذلال الثقافات الغنية والإسائة لأكثر جوانبها حرمة، رغم أن الثقافة البديلة لا تستوعب ان تکون البديل لها على الإطلاق. وعلى سبيل المثال، إن عنصری «الصخب» و«التحلل الأخلاقي» اللذین تحوّلا للأسف إلى مكوّنين أصليين في الثقافة الغربية، هبطا بمكانتها ومدی قبولها حتى في موطن ظهورها. والسؤال الآن هو: هل هو ذنبنا نحن أننا نرفض ثقافة عدوانية متحللة بعیدة عن القیم؟ هل نحن مقصّرين إذا منعنا سيلاً مدمراً ينهال على شبابنا على شكل نتاجات شبه فنية مختلفة؟

إنني لا أنكر أهمية الأواصر الثقافية وقيمتها. وهذه الأواصر متى ما حصلت في ظروف طبيعية وشهدت احترام المجتمع المتلقی لها ستنتج التطور والإزدهاروالإثراء. وفي المقابل فإن الأواصر غير المتناغمة والمفروضة ستعود فاشلة جالبة للخسائر. يجب أن أقول بمنتهى الأسف أن جماعات دنیئة مثل داعش هي ثمرة مثل هذه الصلات الفاشلة مع الثقافات الوافدة. فإذا كانت المشكلة عقيدية حقاً لوجب مشاهدة نظير هذه الظواهر في العالم الإسلامي قبل عصر الاستعمار أيضاً، في حين أن التاريخ يشهد بخلاف ذلك. التوثيقات التاريخية الأكيدة تدلّ بوضوح كيف أن التقاء الاستعمار بفكر متطرف منبوذ نشأ في كبد قبيلة بدوية، زرع بذور التطرف في هذه المنطقة. وإلّا كيف يمكن أن يخرج من واحدة من أكثر المدارس الدينية أخلاقاً وإنسانية في العالم ، والتي تعتبر وفق نسختها الأصلية أن قتل إنسان واحد يعدّ بمثابة قتل الإنسانية كلها، كيف يمكن أن يخرج منها زبلٌ مثل داعش؟

من جانب آخر، ينبغي السؤال: لماذا ينجذب من ولد في أوروبا وتربّی في تلك البيئة الفكرية والروحية إلى هذا النوع من الجماعات؟ هل يمكن التصديق بأن الأفراد ينقلبون فجأة بسفرة أو سفرتين إلى المناطق الحربية إلى متطرفين یمطرون أبناء وطنهم بالرصاص؟ وبالتأكيد علینا أن لا ننسی تأثیرات التغذية الثقافية غير السليمة في بيئة ملوثة ومنتجة للعنف طوال سنوات عمر هولاء. ينبغي الوصول إلی تحليل شامل في هذا الخصوص، تحليل يكشف النقاب عن الأدران الظاهرة والخفية في المجتمع. وربما كانت الكراهية العميقة التي زرعت في قلوب شرائح من المجتمعات الغربية طوال سنوات الازدهار الصناعي والاقتصادي، ونتيجة حالات عدم المساواة، وربما حالات التمييز القانونية والبنيوية، قد أوجدت عقداً تتفجّر بين الحين والآخر بهذه الأشكال المريضة.

 

على كل حال، أنتم الذين يجب أن تتجاوزوا الصور الظاهریة لمجتمعاتكم، وتجدوا مکامن العقد والأحقاد وتكافحوها. ينبغي ترميم الهوّات بدل تعميقها. الخطأ الكبير في محاربة الإرهاب هو القیام بردود الأفعال المتسرّعة التي تزيد من حالات القطیعة الموجودة. أية خطوة هياجية متسرعة تدفع المجتمع المسلم في أوروبا وأمريكا، والمكوّن من ملايين الأفراد الناشطين المتحمّلين لمسؤولياتهم، نحو العزلة أو الخوف والاضطراب، وتحرمهم أكثر من السابق من حقوقهم الأساسية، وتقصيهم عن ساحة المجتمع، لن تعجز فقط عن حل المشكلة بل ستزيد المسافات الفاصلة وتكرّس الحزازات. التدابير السطحية والانفعالية، خصوصاً إذا شرعنت وأضفی علیها الطابع القانوني، لن تثمر سوى تكريس الاستقطابات القائمة وفتح الطريق أمام أزمات مستقبلية.

 

 

وفقاً لما وصل من أنباء، فقد سنّت في بعض البلدان الأوروبية مقررات تدفع المواطنين للتجسس على المسلمين. هذه السلوكيات ظالمة، وكلنا يعلم أن الظلم يعود عکسیا شئنا أم أبينا. ثم إن المسلمين لا يستحقون هذا الجحود. العالم الغربي يعرف المسلمين جيداً منذ قرون. إذ يوم كان الغربيون ضيوفاً في دارالإسلام وامتدت أعينهم إلى ثروات أصحاب الدار، أو یوم كانوا مضيّفين وانتفعوا من أعمال المسلمين وأفكارهم، لم يلاقوا منهم في الغالب سوى المحبة والصبر. وعليه، فإنني أطلب منكم أيها الشباب أن ترسوا أسس تعامل صحيح وشريف مع العالم الإسلامي، قائم على ركائز معرفة صحيحة عميقة، ومن منطلق الاستفادة من التجارب المريرة. في هذه الحالة ستجدون في مستقبل غير بعيد أن البناء الذي شيّدتموه على هذه الأسس يمدّ ظلال الثقة والاعتماد على رؤوس بُناته، ويهديهم الأمن والطمأنينة، ويشرق بأنوار الأمل بمستقبل زاهر على أرض المعمورة.

السيد علي الخامنئي

29 نوفمبر/ تشرین الثاني 2015

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك