الصفحة الإسلامية

بمناسبة ولادة الامام الرضا عليه السلام مظاهر من شخصيّة الإمام الرضا (عليه السلام)

3580 18:40:03 2015-08-26

 لقد کانت شخصيّة الإمام الرضا (علیه السلام) ملتقى للفضائل بجمیع أبعادها وصورها، فلم تبق صفة شریفة یسمو بها الإنسان إلاّ وهی من نزعاته، فقد وهبه الله کما وهب آباءه العظام وزيّنه بکل مکرمة، وحباه بکل شرف وجعله علماً لاُمّة جده، یهتدی به الحائر، ویسترشد به الضال، وتستنیر به العقول .

یقول ابراهیم بن العباس عن مکارم أخلاقه: « ما رأیت، ولا سمعت بأحد أفضل من أبی الحسن الرضا (علیه السلام)، ما جفا أحداً قط، ولا قطع على أحد کلامه، ولا ردَّ أحداً عن حاجة، وما مدَّ رجلیه بین جلیسه، ولا اتکأ قبله، ولا شتم موالیه وممالیکه، ولا قهقه فی ضحکة، وکان یجلس على مائدته ممالیکه وموالیه، قلیل النوم باللیل، یحیی أکثر لیالیه من أوَّلها الى آخرها، کثیر المعروف والصدقة، وأکثر ذلک فی اللیالی المظلمة»1

زهده :
ومن صفات الإمام الرضا (علیه السلام) الزهد فی الدنیا، والاعراض عن مباهجها وزینتها، وقد تحدث عن زهده محمد بن عباد حیث قال : کان جلوس الرضا على حصیرة فی الصیف، وعلى مسح(٢) فی الشتاء، ولباسه الغلیظ من الثیاب حتى إذا برز للناس تزیا (3)
والتقى به سفیان الثوری ـ وکان الإمام قد لبس ثوبا من خز ـ فأنکر علیه ذلک وقال له : لو لبست ثوبا ادنى من هذا. فأخذ الإمام (علیه السلام) یده برفق، وأدخلها فی كُمّه فإذا تحت ذلک الثوب مسح، ثم قال له
یا سفیان! « الخزّ للخلق، والمسح للحق ...» (4) وحینما تقلّد ولایة العهد لم یحفل بأی مظهر من مظاهر السلطة، ولم یقم لها أی وزن، ولم یرغب فی أی موکب رسمی، حتى لقد کره مظاهر العظمة التی کان یقیمها الناس لملوکهم

سخاؤه :
لم یکن شیء فی الدنیا أحبّ الى الإمام الرضا(علیه السلام) من الإحسان الى الناس والبر بالفقراء. وقد ذکرت بوادر کثیرة من جوده وإحسانه، وکان منها ما یلی :
1 ـ أنفق جمیع ما عنده على الفقراء، حینما کان فی خراسان، وذلک فی یوم عرفة فأنکر علیه الفضل بن سهل، وقال له : إنّ هذا لمغرم ...
فأجابه الإمام(علیه السلام): « بل هو المغنم لا تعدّنّ مغرماً ما ابتغیت به أجراً وکرماً» (5).
انه لیس من المغرم فی شیء صلة الفقراء والإحسان الى الضعفاء ابتغاء مرضاة الله تعالى، وإنّما المغرم هو الإنفاق بغیر وجه مشروع کإنفاق الملوک والوزراء الأموال الطائلة على المغنّین والعابثین .

تکریمه للضیوف :
کان (علیه السلام) یکرم الضیوف، ویغدق علیهم بنعمه واحسانه وکان یبادر بنفسه لخدمتهم، وقد استضافه شخص، وکان الإمام یحدثه فی بعض اللیل فتغيّر السراج فبادر الضیف لاصلاحه فوثب الإمام، وأصلحه بنفسه، وقال لضیفه : «إنّا قوم لا نستخدم أضیافنا»(6)

علمه :
والشیء البارز فی شخصیة الإمام الرضا (علیه السلام) هو احاطته التامة بجمیع أنواع العلوم والمعارف، فقد کان باجماع المؤرخین والرواة اعلم أهل زمانه، وافضلهم وادراهم باحکام الدین، وعلوم الفلسفة والطب وغیرها من سائر العلوم، وقد تحدّث عبدالسلام الهروی عن سعة علومه، وکان مرافقاً له، یقول :
« ما رأیت اعلم من علی بن موسى الرضا، وما رآه عالم إلاّ شهد له بمثل شهادتی، ولقد جمع المأمون فی مجالس له عدداً من علماء الادیان، وفقهاء الشریعة والمتکلمین، فغلبهم عن آخرهم حتى ما بقی منهم أحد إلاّ أقرّ له بالفضل، واقرّ له على نفسه بالقصور، ولقد سمعته یقول : کنت أجلس فی (الروضة) والعلماء بالمدینة متوافرون فاذا عيّ الواحد منهم عن مسألة أشاروا اليّ بأجمعهم، وبعثوا اليّ المسألة فاُجیب عنها ..»(7).
وکان المرجع الاعلى فی العالم الاسلامی الذی یرجع الیه العلماء والفقهاء فیما خفی علیهم من احکام الشریعة، والفروع الفقهيّة .
قال ابراهیم بن العباس : «ما رأیت الرضا یسأل عن شیء قط إلاّ علم، ولا رأیت اعلم منه بما کان فی الزمان الأول، الى وقته وعصره، وکان المأمون یمتحنه بالسؤال عن کل شیء فیجیبه الجواب الشافی»(8)
قال المأمون : «ما أعلم احداً افضل من هذا الرجل ـ یعنی الإمام الرضا ـ على وجه الأرض...»(9)
وقبر الإمام الرضا الآن مزار شامخ یتقاطر المسلمون على زیارته والتبرک به. فسلام الله علیه یوم ولد، ویوم استشهد، ویوم یبعث حیا.

حیاة الإمام (ع) الإجتماعیة 
إن حیاة المعصومین الأربعة عشر کانت زاهرة بالحب والمعرفة والصبر والبصائر، إلا أن ما بلغنا من ضیاء بعضهم کان أکثر من البعض الآخر، والإمام علی بن موسى الرضا (علیه السلام) من أولئک الذین تسنّت لنا فرصة الاهتداء إلى المزید من فضائلهم، ولأنهم عند الله نور واحد، فلیس علینا إلا الاستضاءة بسیرته (علیه السلام) لمعرفة سیرة سائر المعصومین من آبائه (علیهم جمیعاً سلام الله).
وأظن أن حیاة الإمام الرضا (علیه السلام) کانت فاتحة مرحلة جدیدة من حیاة الشیعة حیث خرجت بصائرهم وأفکارهم من مرحلة الکتمان إلى الظهور والإعلان، ولم یعد الشیعة من بعد ذلک العهد طائفة معارضة فی مناطق خاصة، بل أصبحوا ظاهرین فی کل بلاد، ولقب (الرضا) أطلق على الإمام علی بن موسى (علیه السلام) منذ نعومة أظفاره، وکان الإمام موسى بن جعفر (علیه السلام) قد منحه إیاه کما أعطاه کنیة أبو الحسن فکان کثیر الحب له.

الإمام الرضا (علیه السلام) کان بمثابة قرآن ناطق، فخُلقه من القرآن، وعلمه ومکرماته من القرآن، وکان (علیه السلام) یمثل هذا النور بکل وجوده، وکان قلبه یستضیء بنور الله، وهکذا أطاع الله بکل جوانب حیاته، فأحبه الله ونوّر قلبه بضیاء المعرفة وألهمه من العلوم ما ألهمه، وجعله حجة بالغة على خلقه وهکذا أناب الإمام الرضا (علیه السلام) إلى ربه فوهب الله له ما شاء من الکرامة والعلم، لقد زهد فی الدنیا واستصغر شأنها، ورفض مغریاتها، فرفع الله الحجاب بینه وبین الحقائق لأن حب الدنیا رأس کل خطیئة، وهو حجاب سمیک بین الإنسان وبین حقائق الخلق.

وأعظم الزهد زهده فی الخلافة، بالطریقة التی عرضها علیه المأمون العباسی، فإن من الناس من یزهد فی الدنیا طلباً لما هو أعظم من متاعها، حتى شهد له أعداؤه فی شأن الخلافة. ما رأیت الملک ذلیلاً مثل ذلک الیوم من خلال موقف الإمام المشرف.
وکان (علیه السلام) فی قمة التواضع وحسن المعاشرة مع الناس، وقد فاضت من هذه النفس الکریمة تلك الأخلاق الحسنة، وکان عظیم الحلم والعفو.
_____________________
1. 1 عیون أخبار الرضا: 1/184 وعنه فی بحار الأنوار: 49/90، 91، وعنه فی حیاة الإمام محمد الجواد(علیه السلام) للقرشی: 35.
٢. المسح : الکساء من الشعر
3. عیون أخبار الرضا: 2 / 178، المناقب: 4 / 389
4. المناقب : 4/389 ـ 390
5. المناقب: 4 / 390
6. الکافی : 6/283 وعنه فی بحار الأنوار: 49/102، ح 20
7. اعلام الورى: 2/64 وعنه فی کشف الغمة: 3/106 ـ 107 وعنهما فی بحار الأنوار: 49/100
8. عیون أخبار الرضا: 2 / 180، الفصول المهمّة: 251
9. الإرشاد: 2/261.

...................

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك