وشكّلَ الإمام الصادق عليه السلام مع آبائه الطاهرين من قبله حلقة متواصلة ومترابطة ومتفاعلة، هدفها واحد وادوارها مختلفة تبعاً للظروف، وأوضح (عليه السلام ) بنفسه هذه الحقيقة المعرفية بقوله: حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين عليه السلام، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وحديث رسول الله قول الله عز وجل.
حَملَ الإمامُ جعفر الصادق الإسلامَ بنقائه وصفائه الأصيل كما نزل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم؛ لذا قصده العلماء من كل مكان يبغون علمه ويرجون فضله حتى جاوز عدد تلاميذه الألاف، ويشهد ابو حنيفة النعمان بذلك في قولته الشهيرة : (لولا السنتان لهلك النعمان ) بل إنّ أغلب المذاهب الإسلامية تأسستْ على أيدي فقهاء درسوا على يدالإمام الصادق ( عليه السلام ) على ما يذكر التاريخ، ولكن المسلمين إتخذوا فقهائهم أئمة مذاهب فإتبعوهم بذلك وتركوا إستاد الفقهاء والعلماء الإمام المعصوم جعفر بن محمد الصادق عليه السلام .
وإليكَ أيَّها القارىء شهادة اخرى من زعيم مذهب المالكية :مالك بن أنس :
نقلها لنا :ابن تيمية: المشهور ببغضه لأهل البيت المعصومين
وذكرها في كتابه :التوسل والوسيلة:ص 52 :
يقول ابن تيمية (قال مالك بن انس: : ولقد كنتُ أرى جعفر بن محمد الصادق وكان كثير التبسم، فإذا ذُكر عنده النبي اصفر لونه وما رأيته يُحدِّث عن رسول الله إلاّ عن طهارة ولقد إختلفتُ اليه زمانا طويلا فما كنتُ أراه إلاّ على ثلاث خصال إما
مُصليَّا وإما صامتا وإما يقرأ القرآن ولايتكلم بما لايعنيه وكان من العلماء والعُبّاد الذين يخشون الله تعالى
وفي قول مالك بن انس زعيم المالكية :
ولقد إختلفتُ اليه زمانا طويلا تصريحاً منه بدراسته فعلاً وتعلمه عند الامام الصادق وبفعل وجود الإمام الصادق في وقته تميّز عصره بالنهوض والتطور الفكري والسياسي .
فالإمام عليه السلام قد وظّفَ فترة إمامته الحقة ربانيا والتي استمرت قرابة أربع وثلاثين سنة بدءاً من شهادة أبيه الباقر سنة 114 للهجرة الى سنة شهادته هو :عليه السلام: سنة 148 للهجرة.
وبذل جهده في تأصيل القواعد والمتبنيات الفكرية والعقائدية والفقهية والشرعية وحتى العقلانية والأخلاقية في المنظومة الإسلامية الأصيلة، إذ قال عليه السلام (إنَّما علينا أنْ نُلقي إليكم الأصول وعليكم أنْ تُفرّعوا) والى يومنا هذا يعتمدُ العلماء والفقهاء والفلاسفة المعاصرون من المسلمين وغيرهم على المخزون المعرفي والعلمي للإمام الصادق ومن أبرز ما تميّز به عصره هو ظهور التنوع البشري جنسا وثقافة وحضارةً وفكرا، وخاصة بعد إتساع الفتوحات الإسلامية فتنوعتْ الثقافات والآداب وظهرت حركة ترجمة الكتب المتبادلة من والى المسلمين .
ومن هنا حشّدَ الإمام الصادق عليه السلام كل طاقاته العلمية والفكرية لمواجهة الغزو الفكري والثقافي الذي سمح به بنو العباس في الساحة الفكرية آنذاك وخاصة تيارات الزندقة والملاحدة الشهيرة في التاريخ .
والتاريخ قد وثّق الحوارات والمناظرات الفكرية والفلسفية بين الإمام الصادق و التيارات المضادة فكرا للإسلام، وبيَّنَ كيف تغلَّبَ الإمام عليه السلام فكريا وجدليّاً على تلك التيارات، وبفعل ما قام به الإمام الصادق في وقته وصل إلينا الدين الحق وبقي الفكر الحق متمثلاً بمذهب أهل البيت المعصومين (عليهم السلام ) وأتباعهم .
فسلامٌ على الإمام جعفر الصادق في العالمين
...................
https://telegram.me/buratha