إنه نقلة نوعية في إعلام النهضة الحسينية، ينقل المجالس الحسينية، من محيط محدود، الى رحاب القارات السبع من خلال القنوات الفضائية، فبعد أن كان المجلس الحسيني مقتصراً على بضعة مئات من المعزين والمعزيّات، في هذه الحسينية او تلك، فان الوقت الحاضر يشهد دخول هذه المجالس ضمن برامج الشاشة الصغيرة ليكون الجالس في أوروبا – مثلاً- الى جانب الجالس في كربلاء المقدسة او البصرة او غيرها، يستمع الى المحاضرة التي يلقيها الخطيب الحسيني. واكثر من ذلك؛ المتابعة من خلال جهاز الهاتف المحمول، بفضل ما يسمى بـ “وسائل الاتصال الاجتماعي”.
هذه النقلة، مستفيدين من تطور وسائل الاعلام والاتصال، كان الهدف منها، تقريب المسافات بين المستمعين والمتابعين، وبين المنبر الحسيني. وتوفير فرصة الاستفادة مما يطرح من افكار وموضوعات ثقافية ودينية متعددة، لمن هو بعيد عن المحيط الاسلامي. بيد أن الملاحظ احياناً أن هذه النقلة تشمل ليس البعيد فقط، إنما القريب ايضاً، والساكن في نفس المدينة التي يلقي فيها الخطيب الحسيني محاضرته، فتكون القناة الفضائية بمنزلة الوسيلة الاعلامية التي تغنيه عن تجشم عناء الخروج من البيت والمشاركة في المجلس الحسيني والاستماع للخطيب عن قرب.
هذا الموضوع المتداخل في خلفيته وجوانبه، لسنا بوارد النقاش فيه او حتى تقويمه، إنما إضافة على ما موجود لمزيد من التطور وتحقيق الفائدة المرجوة والغاية الأسمى. لنلاحظ “وسائل الاتصال الاجتماعي”، المبتكرة في الغرب، مثل “فيسبوك” او “تويتر” وغيرها، إنما دفعت المبتكرين والمبدعين اليها، لتحقيق غاية خاصة لديهم، متمثلة في ايجاد قناة اتصال تحل مشكلة التباعد الموجود بين افراد المجتمع، سواء لسبب بعد المسافة، بين الطالب الجامعي وأسرته – مثلاً- او حتى لزحمة العمل والانشغالات التي تحول دون التواصل المباشر. فتأتي هذه الوسائل لتكون صلة الوصل بين افراد المجتمع لتبادل الاخبار والصور والتهاني والتعازي وغيرها.
هذه الوسيلة، عندما تعرفنا عليها في بلادنا، الخالية – نسبياً- من الازمات الاجتماعية، والمشحونة بالازمات السياسية والفكرية والثقافية، فانها تحولت الى وسيلة لترويج الاشاعات والتشهير وتصفية الحسابات، واحياناً اتخاذها وسيلة للمعارضة السياسية ونشر قضايا الحرية والعدالة وغيرها، وذلك من قبل جماعات محدودة ومعينة.
لتكون وسائل الاعلام والاتصال السريع الوسيلة الجيدة والحديثة للتعبير عن الرأي المسؤول والاعلان عن القضايا الحقّة للشعوب، الى جانبها، ليبقى المنبر الحسيني يمارس دوره الحقيقي في نشر الوعي والثقافة بين الحاضرين، رجالاً ونساءً، فهذه الوسيلة التي تُعد الأهم بين الشعائر الحسينية، يمثل الحضور فيها، عامل نجاح مهم لما يطرح على المنبر من افكار وموضوعات تخص النهضة الحسينية، بل سائر الموضوعات الاجتماعية والثقافية والفكرية في سائر أيام السنة. فمراسيم العزاء المتعددة المقامة هنا وهناك، والمواكب ومختلف الشعائر الحسينية، إنما تبعث في نفس المشاهد عبر الشاشة الصغيرة، الحماس و روح التضامن والتفاعل، الى جانب إثارة العاطفة واستذكار المأساة. بيد أن المجلس الحسيني او من يرتقي المنبر، بحاجة تفاعل وتجاوب من الحضور، أكثر من حاجته الى مستمعين او مشاهدين يتابعونه عبر الاثير. هذه الحاجة تأتي من صميم المنبر نفسه، وأين يكون والظروف المحيطة بالخطيب وبالبلد الذي يعيش فيه، فانه – بالتأكيد- يناقش ويطرح موضوعات ذات صلة بذاك البلد، او يتعرض لظواهر او مسائل طارئة في المجتمع بحاجة الى حلول وبدائل، رغم ان بعض الخطباء – او معظمهم- إنما يحرصون على طرح الموضوعات ذات الاهتمام المشترك للجميع. لكن تبقى هنالك مسائل خاصة يريد الخطيب ان يزرعها في نفوس الجمهور كمشروع تغيير وإصلاح وايضاً تنمية ثقافية وفكرية. لذا نلاحظ في بعض المجالس الناجحة، دخول الخطيب بعد نزوله من المنبر، في احاديث واسئلة حول الموضوع المطروح، او ربما يعطي البعض ملاحظة او يطلب توضيح لرفع اللبس او غير ذلك، مما يشعر الخطيب بالمسؤولية الكبيرة على عاتقه.
من هنا؛ فان الحثّ على الحضور في الحسينيات والمآتم لمتابعة موضوعات المنبر الحسيني، ينبغي ان يكون مرادفاً للاهتمام بالبث الفضائي، او التفكير بأن يكون للمنبر الحسيني صدى عالميا، فالبناء الاجتماعي والثقافي يتحقق من خلال عوامل على الارض، ذات صلة بالمحيط الموجود، كما ان هذا البناء يمكن ان ينجح في ارض اخرى حسب الظروف والمقتضيات.
19/5/150122
https://telegram.me/buratha