تأتي خصوصية اقامة الشعائر الحسينية في يوم اربعين الامام الحسين (عليه السلام) المصادف في العشرين من صفر كونها تشكل احياء لنهضة الامام الحسين الاصلاحية وتعاليمه الاخلاقية ومبادئه النبوية فان قضية سيد الشهداء هي التي ميزت بين دعوة الحق والباطل ولولا نهضة الحسين ووقوفه بوجه الظلم والطغيان الاموي لكاد الاسلام ان يندثر حتى قيل: الاسلام محمدي الوجود حسيني البقاء، وما قام به الامام الحسين في نهضته الاصلاحية كان امتدادا لدعوة الرسول لنشر الاسلام وهو (عليه السلام) الامتداد الطبيعي للنبي (صلى الله عليه وآله) بنص حديث الرسول: حسين مني وانا من حسين.
وتاتي خصوصيتها ايضا في استذكار الفاجعة التي جرت على اهل البيت(عليهم السلام) في يوم عاشوراء وما صاحبها من المآسي والآلام وتعريف الناس بجور بني امية واذنابهم. كما تتزامن اقامة الشعائر الحسينية في يوم الاربعين مع ذكرى رجوع الراس الشريف من الشام الى العراق، ودفنه مع الجسد الطاهر في يوم العشرين من صفر كما جاء في الروايات، ويسمى هذا اليوم في العراق (( مَرَد الراس)) فتقام الشعائر استذكارا لهذه الحادثة الاليمة فتتجدد الاحزان.
جابر الانصاري مع الامام السجاد(عليه السلام):
تواترت الروايات على ان السبايا بعد ان اخروجهم من الشام توجهوا الى كربلاء فوصلوها يوم العشرين من صفر، فوجدوا جابر بن عبد الله الانصاري الصحابي، ومعه جماعة من الشيعة توافدوا لزيارة قبر الحسين، فالتقى ركب السبايا معهم واقاموا البكاء والنحيب.
وقد نصت على ذلك العديد من الكتب المعتبرة، فقد جاء في موسوعة آل النبي (صلى الله عليه وآله) 747، في وصف الرحلة من الشام الى المدينة:
قالت زينب (عليه السلام) للدليل مرة: لو عرجت بنا على كربلاء فاجاب الدليل محزونا: أَفعل، ومضى بهم حتى اشرفوا على الساحة المشؤومة وكان قد مضى على المذبحة يومئذ اربعون يوما، وما تزال الارض ملطخة ببقع من دماء الشهداء وبقية من اشلاء غضة عفا عنها وحش الفلاة، وناحت النوائح واقمن هناك ثلاثة ايام لم تهدأ لهن لوعة ولم ترقأ لهن دمعة ثم اخذ الركب المنهك طريقه الى مدينة الرسول.
وتقول الروايات ايضا: ان يزيد امر برد السبايا والاسارى من الشام الى المدينة المنورة في الحجاز مصطحبين بالرؤوس تحت اشراف جماعة من العرفاء يرأسهم النعمان بن بشير الانصاري، فلما بلغ الركب ارض العراق في طريقه الى مدينة الرسول قالت زينب للدليل: مر بنا على طريق كربلاء ومضى بهم حتى اشرفوا على ساحة القتل المشؤومة وكان جابر بن عبد الله الانصاري الصحابي الجليل وجماعة من بني هاشم ورجال من آل الرسول قد وردوا العراق لزيارة قبر الحسين، يقول السيد علي بن طاووس في كتابه اللهوف في قتلى الطفوف ص 86: فتوافدوا في وقت واحد وتلاقوا بالبكاء والحزن واللطم واقاموا المآتم المقرحة للأكباد واجتمع عليهم اهل السواد واقاموا على ذلك اياما.
اما قصة جابر بن عبد الله الانصاري فتتلخص في انه بعد ان علم بمقتل الامام الشهيد الحسين(عليه السلام) توجه من المدينة المنورة نحو ارض كربلاء ـ وكان قد كف بصره ـ يقول عطية العوفي وكان مع جابر: عندما وصلنا الى الغاضرية على شاطئ نهر الفرات اغتسل جابر في شريعتها ولبس اطهر ثيابه، ثم فتح صرة فيها سعد فنشرها على بدنه ثم لم يخط خطوة الا ذكر الله تعالى حتى اذا دنا من القبر قال: ألمسنيه ياعطية، فألمستُهُ اياه، فخرّ على القبر مغشيا عليه فرششت عليه من الماء فلما افاق قال ياحسين ـ ثلاثاـ ثم قال حبيب لايجيب حبيبه، ثم قال وأنّى لك بالجواب وقد شخبت اوداجك على اثباجك، وفرق بين بدنك وراسك، اشهد انك ابن خير النبيين وابن سيد الوصيين وابن حليف التقوى وسليل الهدى وخامس اصحاب الكسا وابن سيد النقبا وابن فاطمة سيدة النسا .. الخ
الى ان تقول الرواية: ومضى عطية ليرى من هم القادمون من ناحية الشام فما اسرع ان رجع وهو يقول: يا جابر قم واستقبل حرم رسول الله، هذا زين العابدين قد جاء بعمّاته واخواته، فقام جابر حافي الاقدام مكشوف الراس الى ان دنا من الامام زين العابدين (عليه السلام) فحدّثه الامام بما جرى لهم من قتل وسبي وتشريد وكان مما قاله (عليه السلام) يا جابر هاهنا والله قُتلت رجالنا وذُبحت اطفالنا وسُبيت نساؤنا وحُرقت خيامنا.
ومنذ ذلك اليوم وهو العشرين من صفر اصبح هذا التاريخ مشهودا فتتوافد مئات الالاف من الزائرين الى كربلاء لزيارة الامام الحسين واقامة الشعائر وتجديد هذه الذكرى المؤلمة.
الاربعين في اقوال الائمة (عليه السلام)
وردت روايات عن الائمة المعصومين في خصوصية يوم الاربعين وفضل زيارة الحسين في ذلك اليوم ففي مستدرك الوسائل للنوري ص 215 باب 94 عن زرارة بن اعين عن ابي عبد الله الصادق انه قال: ان السماء بكت على الحسين اربعين صباحا بالدم، والارض بكت عليه اربعين صباحا بالسواد، والشمس بكت عليه اربعين صباحا بالكسوف والحمرة، والملائكة بكت عليه اربعين صباحا وما اختضبت امرأة منا ولاادهنت ولااكتحلت ولارجلت حتى اتانا رأس عبيد الله بن زياد وما زلنا في عبرة من بعده.
وروي في كامل الزيارات ص 90 باب 28 عن الامام محمد الباقر (عليه السلام) انه قال: ان السماء بكت على الحسين اربعين صباحا. اما زيارة الامام الحسين يوم الاربعين فقد وردت في احاديث عن الائمة المعصومين في فضلها منها ماروي عن الامام الحسن العسكري انه قال: علامات المؤمن خمس؛ صلاة احدى وخمسين ؛ وزيارة الاربعين ؛ والتختم باليمين ؛ وتعفير الجبين.
اما الزيارة المشهورة في يوم الاربعين والمعروفة بالاربعينية فقد رويت على روايتين الرواية الاولى رواها صفوان الجمال عن الامام الصادق فقال: قال لي مولاي الصادق تزور الحسين عند ارتفاع النهار وتقول.. ثم تلا الزيارة.
اما الرواية الثانية فقد رويت عن عطا عن جابر بن عبد الله الانصاري قال: كنت مع جابر يوم العشرين من صفر فلما وصلنا الغاضرية اغتسل في شريعتها ولبس قميصا كان معه طاهرا ثم قال لي: امعك شيء من الطيب يا عطا؟ قلت: سعد، فجعل منه على راسه وسائر جسده ثم مشى حافيا حتى وقف عند راس الحسين وكبر ثلاثا ثم خر مغشيا عليه فلما افاق سمعته يقول: .. ثم تلا الزيارة.
الزيارة في المصادر
ذكر الكثير من العلماء الاعلام فضل زيارة الحسين(عليه السلام) في يوم الاربعين وقد استدلوا في ذلك على روايات الائمة المعصومين منهم:
1 ـ ابو جعفر محمد بن الحسن الطوسي في التهذيب ج 2 ص 17 باب فضل زيارة الحسين (عليه السلام) فانه بعد ان روى الاحاديث في فضل زيارته (عليه السلام) ذكر المقيد منها باوقات خاصة وذكر شهر صفر ومافيه من الحوادث نقل عن مصباح المتهجد ص 551 ثم قال: وفي يوم العشرين منه رجوع حرم ابي عبد الله الحسين من الشام الى مدينة الرسول وورود جابر بن عبد الله الانصاري الى كربلاء لزيارة ابي عبد الله الحسين فكان اول من زاره من الناس وهي زيارة الاربعين ثم روى حديث الامام الحسن العسكري.
2ـ ابو الريحان البيروني في الاثار الباقية ص 331: في العشرين من صفر رد الراس الى جثته فدفن معها وفيه زيارة الاربعين ومجئ حرمه بعد انصرافهم من الشام .
3ـ العلامة الحلي في المنتهى كتاب الزيارات بعد الحج: يستحب زيارة الحسين في العشرين من صفر ثم روى حديث الامام العسكري.
4ـ العلامة المجلسي في البحار باب فضل زيارة الحسين يوم الاربعين.
5ـ السيد ابن طاووس في الاقبال.
6 ـ الشيخ يوسف البحراني في الحدائق في الزيارات بعد الحج.
7 ـ الشيخ المفيد في مسار الشيعة.
8 ـ العلامة الحلي في التذكرة والتحرير.
9 ـ ملا محسن الفيض في تقويم المحسنين.
10 ـ الشيخ البهائي في توضيح المقاصد الاربعين.
11 ـ الشيخ عباس القمي في مفاتيح الجنان.
18/5/141209
https://telegram.me/buratha