ورد في البحار والخصال عن الصادق صلوات الله عليه: انْتَظِرُوا الفَرَجَ ولا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللّهِ، فإنَّ أحبَّ الاَعَمالِ إلى اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ انْتِظَارُ الفَرَجِ، مَا دَامَ عَلَيْهِ العَبْدُ المُوَمِنُ ... والمُنْتَظِرُ لأمْرِنَا كَالمُشحِّطُ بِدَمِهِ في سَبيلِ اللّهِ
وهنا يأتي السؤال: لماذا انتظار الفرج أحب الأعمال وما العلاقة بينهما؟
أجاب علماؤنا بأن المقصود هو الانتظار الإيجابي المفعم بالعمل وليس الانتظار السلبي بلا عمل وهو نعم الجواب
لكننا سنحاول في هذا البحث المختصر أن نعرض الأمر من زاوية أخرى
فظاهراً الانتظار ليس بعمل، الانتظار ترقب، الانتظار تأمّل، وربما يكون إمهالا
ونستعمل الانتظار في حياتنا عندما نطلب من شخص ما أن لا يتحرك، أن لا يتصرف، أن لا يغادر، أن لا يتخذ موقفا حتى يتحقق ما تعلق انتظاره عليه
ورواية صادق أهل البيت ع لم تتعرض لعمل يؤديه الإنسان أثناء الانتظار فهي ليست بهذا الصدد بل أطلقت على نفس الانتظار أنه عمل بل أحب الأعمال والمؤمن الذي تحقق فيه معنى الانتظار فذاك كالمشحط بدمه في سبيل الله
فهل أن في ذات الانتظار شيء بحد ذاته دون العمل ؟؟
أنا أعتقد ذلك . . . ولا يذهب ذهن سيدي القارئ بعيدا إلى أني من دعاة عدم العمل والانتظار السلبي أبدا فأنا أدعو للعمل الحثيث أثناء الانتظار لكن كما ذكرت فالموضوع هنا من زاوية أخرى.
لو دققنا النظر في الحالة النفسية للمنتظر لوجدنا أن لديه نوع تعلق بما ينتظر وقوعه بل ويَعُدّ السنين والثواني منتظرا ما يريد ويطول عليه زمن الانتظار مهما كان قصيرا.
وتجاربنا العملية كثيرة وما منّا إلا ومرّ بانتظار أمر ما وشعر بطول الانتظار، وكلما كان الأمر أكبر وأعظم كان انتظاره أصعب وأطول على المنتظر.
وإذا كان الأمر المنتظَر يُتوقع منه السعادة والخير، فالتعلق القلبي بالأمر سيكون أكبر وهذا ما ينطبق على الانتظار المتعلق بظهور بقية الله الأعظم حيث أن فرج الإنسانية جمعاء متعلق بذلك ودولة العدل الفاضلة متعلقة بذلك.
وهذا ما يجعل نفس الفرد المنتظِر بأعلى درجات الشوق المشحون بالأمل المتواصل والانصهار النفسي والتفاعل المستمر وكل ذلك مما يفجّر طاقات النفس الإنسانية بهذا الإخلاص العالي لتكون هي بذاتها سببا لتحقيق الظهور وجزءاً متمما ً لعلة الظهور الشريف.
حيث أكد العلم أن للنفس الإنسانية من الطاقات الشيء الهائل وإنها إذا ما نشطت فإنها تتحكم بعالم التكوين ولا أقصد هنا العلم الغربي فحسب بل أكدها علماء المسلمين أن النفس الإنسانية إذا تروضت فإن لها طاقات كبيرة وكانت النفوس المتكاملة للأنبياء ع سبباً في تحقيق معاجزهم صلوات الله عليهم.
وقد ورد ذلك عندنا في فضل الدعاء فيما لو أن الداعي قد أخلص في دعائه وانقطع قلبه عن كل الأسباب وتعلق بمسبب الأسباب فإن الله سيُخضع جميع الأسباب لقلب هذا المؤمن لتكون طوع أمره ووفق إرادته.
وحامل الأمنية في قلبه حاله حال الداعي بقلبه والمنتظر لإمام زمانه بقلبه في كل حين كالمخلص الداعي في كل حين وكلما زاد انصهاراً وزادت حرقة قلبه ارتفعت إمكانيته على التأثير وزاد حظه لأن يكون جزءاً أكبر من العلة التامة للظهور الشريف فتعلق قلوبنا وحرقتها ترقبا للظهور الشريف كلما زادت، كلما عجّلنا بالفرج بتأثير نفوسنا وكلما طهرت وخلصت نفوسنا كان تأثيرها أكبر وكان الإذن الإلهي لها بالتأثير متاح أكثر.
فالفرج متعلق بطهارة نفوسنا ومقدار حرقتها بانتظار الفرج أضافة للعمل الممهد للظهور.
والله العالم
محمد مكي آل عيسى
https://telegram.me/buratha