محمد منصور البياتي
شهد عصر الإمام الكاظم عليه السلام تطورًا فكريًا كبيرًا، على مستوى العلوم الدينية، والعلوم الطبيعية بكافة أصنافها؛ ما أدى إلى تطور علوم غير معروفة لدى المجتمع المسلم بهذا الحجم الكبير آن ذاك كالطب، والفلك، والرياضيات، والفلسفة…، وكان الفضل الأوّل لهذه الحركة العلمة لما شغله الإمام الصادق عليه السلام من موقع قيادي وريادي للمسلمين، ما أدّى إلى ذياع صيته واشتهاره في أرجاء المعمورة، إلا أنّ ذلك لم يرق للعابسيين، فعملوا على اثارة الشبهات والشكوك بين أوساط المجتمع المسلم، وتشجيع المتفلسفين وفتح الباب أمامهم من كلّ حدب وصوب؛ لإفساد الفطرة السليمة للإنسان المسلم، فظهرت المذاهب، وانتشر الكذابون والمتاجرون باسم الدين، إلا أن الامام الكاظم عليه السلام كان الحصن الأمين الذي يلتجيئ إليه المؤمنون، فعمل على دفع الشبهات، واخراج القذى من عين الحقيقة الناصعة، وشجع العلماء والمفكرين للقيام بهذه المهمة، فمثلا يروى عنة عليه السلام عندما دخل مسجدًا فوجد أحد علماء الأنساب وقد حفّ به طلابه، "قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وآله المسجد فإذا جماعة قد أطافوا برجل فقال: ما هذا ؟ فقيل: علامة فقال: وما العلامة ؟ فقالوا له: أعلم الناس بأنساب العرب ووقائعها، وأيام الجاهلية، والأشعار العربية، قال: فقال النبي صلى الله عليه وآله: ذاك علم لا يضر من جهله، ولا ينفع من علمه، ثم قال النبي صلى الله عليه وآله: إنما العلم ثلاثة: آية محكمة، أو فريضة عادلة، أو سنة قائمة، وما خلاهن فهو فضل"( )، فالامام الكاظم عليه السلام تبعًا لجده المصطفى صلى الله عليه واله وسلم، لم يرد من كلامه هذا - والله العالم - أن يترك الناس العمل بالأنساب، بقدر مايريد من علماء الامة ومفكريها أن يشغلوا أنفسهم بما هو أهمّ من ذلك وخصوصا في زمن كثرت فيه الشبهة، والبدعة، وصار الناس كقطعان الغنم التائهة لا تجد ممن تلوذ به لتتحصن فكريا.
فمن الفرق التي ظهرت في زمنه عليه السلام( ):
1- الفطحية، وهم يؤمنون بأن الإمامة انتقلت من الامام الصادق عليه السلام إلى ولده عبد الله الأفطح.
2- السمطية، فهؤلاء زعموا بانتقال الامامة بعد الامام الصادق عليه السلام إلى ولده محمد.
3- الخطابية، وهؤلاء ظهروا في زمن الامام الصادق عليه السلام، بزعامة أبي الخطاب، ثاروا على والي الكوفة، إلا أنهم قُتلوا فلم ينجِ منهم إلا شخص واحد، وبعد ذلك قال أتباع أبي الخطاب: إن أبا الخطاب ارسله الامام الصادق عليه السلام نبيًّا للناس، وإنه لم يقتل وإنما شبه لهم كالمسيح.
4- الناووسية، هؤلاء ادّعوا أن الامام الصادق عليه السلام هو المهدي، وإنه لم يمت.
5- الإسماعيلية، وذهب هؤلاء إلى أنّ الامام بعد الصادق عليه السلام هو ولده إسماعيل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 )الكليني، محمد بن يعقوب، أصول الكافي، دار الكتب الاسلامية، طهران، ط5، 1363ش، ج1، ص32.
2 )القرشي، باقرشريف، حياة الامام موسى بن جعفر عليه السلام، تحقيق: مهدي شريف القرشي، الناشر: مهر دلدار، ايران، ط1، 1429هـ، ج2، ص206- 208.
16/5/140523
https://telegram.me/buratha