الصفحة الإسلامية

فلسفة الدعاء عند الامام السجاد (ع)

1488 00:17:00 2013-11-30

نـــــــــــــــزار حيدر

ليس اعتباطا ان يهتم الامام علي بن الحسين السجاد (ع) (استشهد في 25 محرم الحرام) بالدعاء، فيترك لنا سفرا عظيما يشتمل على انواع الادعية، تخص حالات الانسان المختلفة وتغطي كل الازمنة والمناسبات.فهناك سر عظيم وراء فلسفة الدعاء، يمكن اكتشافه من خلال معرفة ما نتعلمه من الدعاء، الذي هو ليس كلام انشائي او لقلقة لسان ابدا، وانما هو معارف عظيمة اذا ما تانى المرء في قراءتها والتدبر فيها.ان الدعاء منظومة متكاملة بادوات راقية يعلمنا:*التواضع، فالذي يدعو ربه متواضعا له سبحانه، لا يتكبر على احد من عباده، ولذلك ربط الله تعالى حالات الاستكبار والتكبر التي تصيب الانسان بحالة تمرده على الدعاء، فقال تعالى {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} والعبادة هو الدعاء عن الكاظم (ع).*الاستقلالية، فالذي يثق بربه وان قدرته بين الكاف والنون لن يكون تبعا لاحد من اجل شيء ما، يقول امير المؤمنين عليه السلام في وصيته الى ابنه الامام الحسن المجتبى (ع) {وَاعْلَمْ، أَنَّ الَّذِي بِيَدِهِ خَزَائِنُ السَّموَاتِ وَالاْرْضِ قَدْ أَذِنَ لَكَ فِي الدُّعَاءِ، وَتَكفَّلَ لَكَ بِالاْجَابَةِ،أَمَرَكَ أَنْ تَسْأَلَهُ لِيُعْطِيَكَ، وَتَسْتَرْحِمَهُ لِيَرْحَمَكَ، وَلَمْ يَجْعَلْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ مَنْ يَحْجُبُكَ عَنْهُ، وَلَمْ يُلْجِئْكَ إِلَى مَنْ يَشْفَعُ لَكَ إِلَيْهِ، وَلَمْ يَمْنَعْكَ إِنْ أَسَأْتَ مِنَ التَّوْبَةِ، وَلَمْ يُعَاجِلْكَ بَالنِّقْمَةِ، وَلَمْ يُعَيِّرْكَ بِالاْنَابَةِ، وَلَمْ يَفْضَحْكَ حَيْثُ الْفَضِيحَةُ بِكَ أَوْلَى، وَلَمْ يُشدِّدْ عَلَيْكَ فِي قَبُولِ الاْنَابَةِ، وَلَمْ يُنَاقِشْكَ بِالْجَرِيمَةِ، وَلَمْ يُؤْيِسْكَ مِنَ الرَّحْمَةِ، بَلْ جَعَلَ نُزُوعَكَ عَنِ الذَّنْبِ حَسَنةً، وَحَسَبَ سَيِّئَتَكَ وَاحِدَةً، وَحَسَبَ حَسَنَتَكَ عَشْراً، وَفَتحَ لَكَ بَابَ الْمَتَابِ، فَإِذَا نَادَيْتَهُ سَمِعَ نِدَاك، وَإِذَا نَاجَيْتَهُ عَلِمَ نَجْوَاكَ} فهل ان من يدعو مثل هذا الرب يذل نفسه لغيره عز وجل؟ الا ان يكون سفيها، ولذلك فان الداعي عزيز بربه وباسمائه الحسنى، والى هذا المعنى اشار سيد الشهداء الحسين بن علي (ع) بقوله {هيهات منا الذلة يابى الله لنا ذلك}.*التوكل ورفض التواكل، وان التوكل هو مفتاح النجاح، اما التواكل فهو اس كل فشل، ولذلك قال امير المؤمنين (ع) {الدعاء مفاتيح النجاح، ومقاليد الفلاح} وقوله {الدعاء مقاليد الفلاح ومصابيح النجاح} فالدعاء يهيئ كل فرص النجاح للمرء، وان من يظن ان الدعاء يعني ان تجلس في بيتك وتنتظر الفرج او فرص النجاح لتاتي اليك فانه على خطأ، بل العكس هو الصحيح، فمن يتسلح بالدعاء يمتطي التوكل.*العمل ورفض الكسل، فالدعاء يعطي للانسان طاقة متجددة للحركة والنشاط، مثله كمثل الوقود في السيارة، فهو ايذان للانطلاق والحركة وليس للتوقف والجمود، ولقد قال امير المؤمنين (ع) {احب الاعمال الى الله في الارض الدعاء} وقول رسول الله (ص) {ان اعجز الناس من عجز عن الدعاء} لان من لا يقدر على الدعاء كيف يقدر على العمل؟ ولذلك قال الكاظم (ع) {الدعاء ترس المؤمن} فهو لساحة الجد والعمل.*التفكير والتفكر، ولذلك وصفه رسول الله (ص) بقوله {الدعاء مخ العبادة} فكل عبادة لا تعتمد الدعاء ستكون لقلقة لسان او ترداد لكلمات غير ذي معنى، لان المعاني السامية في الدعاء تحث المرء على التفكير والتفكر، سواء في خلق الله تعالى او في امور الحياة وفيما ينتظره في الحياة الاخرة كون {الدنيا مزرعة الاخرة} كما ورد في الحديث الشريف. *الايمان والثقة بالله تعالى، لان الانسان الذي يدعو الله تعالى كثيرا يكون الاقرب اليه، ومن كان قريبا من الله ابتعد عنه الشيطان، ولهذا قال امير المؤمنين (ع) {اكثر من الدعاء تسلم من سورة الشيطان} فالشيطان لا يدخل قلبا عامرا بالايمان الذي يزرعه الدعاء، فبه يزداد يقينا بربه، وبه يزداد ثقة بنفسه.*الامل، فالدعاء يذكرك بانه ما من شيء غير قابل للتغيير، ما يطرد عنك الياس بكل اشكاله، والى هذا المعنى قال الصادق (ع) {لا تقل ان الامر قد فرغ منه، ان عند الله منزلة لا تنال الا بمسألة} وعنه (ع) في قول آخر {ادع الله عز وجل ولا تقل: ان الامر قد فرغ منه} قال زرارة؛ انما يعني: لا يمنعك ايمانك بالقضاء والقدر ان تبالغ بالدعاء وتجتهد فيه، وصدق امير المؤمنين (ع) الذي لخص فلسفة الامل والرجاء في قوله {مَا كَانَ اللهُ لِيَفْتَحَ عَلَى عَبْد بَابَ الشُّكْرِ وَيُغْلِقَ عَنْهُ بَابَ الزِّيَادَةِ، وَلاَ لِيَفْتَحَ عَلَى عَبْد بَابَ الدُّعَاءِ وَيُغْلِقَ عَنْهُ بَابَ الاْجَابَةِ، وَلاَ لِيَفْتَحَ عَلَى عَبْد بَابَ التَّوْبَةِ وَيُغْلِقَ عَنْهُ بَابَ الْمَغْفِرَة}.*النجاح وسبله وطرقه، لان من يناجي ربه في كل آن يفتح الله له ابواب رحمته فيبصره طريقه ولذلك فليس غريبا ابدا ان يصف الامام الصادق (ع) امير المؤمنين (ع) بقوله {كان امير المؤمنين رجل دعاء} فعلى الرغم من قربه عليه السلام من ربه، الا انه ظل يدعوه تضرعا وخيفة وحين الجهر، ولذلك سدده الله تعالى وبصره طرق المعرفة والنجاح حتى قال (ع) {علمني رسول الله الف باب من العلم يفتح من كل باب الف باب} فكان {علي مع الحق والحق مع علي، لا يفترقان حتى يردا علي الحوض}.*العلم والمعرفة، فالدعاء، وهو حديث العبد مع ربه عز وجل، يلهم المرء بصائر ومعارف ما كان ليكسبها بغيره، فلقد ورد عن امير المؤمنين (ع) قوله {اعلم الناس بالله سبحانه اكثرهم له مسالة}.*التواضع، فكلما تذكر العبد ربه في الدعاء كلما رفعه الله تعالى درجة تواضع بقدرها في الناس، والمتكبر هو الذي لا يذكر ربه، فكيف يذكر عباده؟ ولا يتواضع لربه، لانه يرى نفسه مستغنيا عنه، فكيف يتواضع لعباده؟ والمتكبر هو الذي انساه الله تعالى نفسه لانه نسيه كما ذكرت الاية الكريمة {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}. *الرقابة الذاتية ومحاسبة الذات، لان الدعاء عنصر اساسي في تصحيح الاخطاء واعادة النظر في الذنوب التي يرتكبها المرء، ولذلك، فكلما دعا المرء ربه كلما سعى لتصحيح مساراته الحياتية لتكون على الصراط المستقيم، ولذلك، قال امير المؤمنين (ع) لقائل قال بحضرته: استغفر الله {ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، أَتَدْرِي مَا الاْسْتِغْفَارُ؟ إنَّ الاْسْتِغْفَارَ دَرَجَةُ الْعِلِّيِّينَ، وَهُوَ اسْمٌ وَاقِعٌ عَلَى سِتَّةِ مَعَان: أَوَّلُهَا: النَّدَمُ عَلَى مَا مَضَى وَالثَّانِي: الْعَزْمُ عَلَى تَرْكِ الْعَوْدِ إِلَيْهِ أَبَداً وَالثَّالِثُ: أَنْ تُؤَدِّيَ إِلَى الْـمَخْلُوقِينَ حُقُوقَهُمْ حَتَّى تَلْقَى اللهَ عزّوجلّ أَمْلَسَ لَيْسَ عَلَيْكَ تَبِعَةٌ وَالرَّابِعُ: أَنْ تَعْمِدَ إِلَى كُلِّ فَرِيضَة عَلَيْكَ ضَيَّعْتَهَا فَتُؤَدِّيَ حَقَّهَا وَالْخَامِسُ: أَنْ تَعْمِدَ إِلَى اللَّحْمِ الَّذِي نَبَتَ عَلَى السُّحْتِ فَتُذِيبَهُ بالاْحْزَانِ، حَتَّى يَلْصِقَ الْجِلْدُ بِالْعَظْمِ، وَيَنْشَأَ بَيْنَهُمَا لَحْمٌ جَدِيدٌ وَالسَّادِسُ: أَنْ تُذِيقَ الْجِسْمَ أَلَمَ الطَّاعَةِ كَمَا أَذَقْتَهُ حَلاَوَةَ الْمَعْصِيَةِ، فَعِنْدَ ذلِكَ تَقُولُ: أَسْتَغْفِرُاللهَ}. *القوة، فالدعاء يمنح المرء قوة وشجاعة وعزيمة، فهو سلاحه في الحياة، ولذلك وصفه رسول الله (ص) بالسلاح بقوله {الا ادلكم على سلاح ينجيكم من اعدائكم ويدر ارزاقكم؟ قالوا: بلا يا رسول الله، قال: تدعون ربكم بالليل والنهار، فان سلاح المؤمن الدعاء} وقول امير المؤمنين (ع) {نعم السلاح الدعاء}. *الوفاء، فمن يواضب على الدعاء يكون وفيا مع القيم التي يذكرها على لسانه ويتفاعل معها قلبه، كالصدق والامانة والشجاعة وحسن الظن والعدل والانصاف والعلم والمعرفة وغيرها. *استصغار اعاظم الامور، فالذي يدعو ربه، وهو على يقين بانه قادر على ان يعطيه مهما عظم الامر في عينيه، سيستصغرها وبالتالي سيتعامل مع امور الحياة ببساطة ويسر، فلا يستعظم الامور ولا يعقدها، وبالتالي سيكون الاقدر عليها من خلا ل حسن التعامل معها، وان الذي يرشده الى ذلك الدعاء. * واخيرا، ضد الغفلة، فالدعاء، الذي يحتم على المرء ان يستحضر قلبه، لا يغفل عن ربه وعن مجتمعه وعن ممن حوله من الناس، فتراه دقيقا وحذرا في كلامه وفي عمله وفي سلوكياته، لا يتجاوز على احد، ولا يعتدي على احد، لا بقول ولا بفعل، ولنتذكر حديث رسول الله (ص) {ترك الدعاء معصية}.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك