أكدت مصادر سعودية شبه رسميّة صحّة الخبر الذي نشرته الفايننشيال تايمز البريطانية في يوليو الماضي والمتعلق بمحاولة الأمير بندر بن سلطان القيام بانقلاب على الملك عبدالله، وقالت لـ (شبكة الملتقى) بأن الخبر (صحيح، ولكنه قديم) ويعود الى الشهور الأخيرة من عام 2008م. وأضافت بأن الهدف لم يكن انقلاباً عسكرياً على الملك عبدالله، بل على النظام بمجمله، وأن غرضه كان إيصال بندر الى كرسي الحكم، وليس لإيصال أبيه أو أعمامه السديريين.
وتؤكد المصادر السعودية ذاتها، بأن الإستخبارات الروسية ـ وهذا هو المدهش ـ هي من اكتشف خيوط المحاولة الإنقلابية، وأبلغ الإستخبارات عنه. ويقال بأن حظوة الروس عند الملك عبدالله قد ارتفعت منذ الإطاحة ببندر، رغم أن الصفقة العسكرية التي عقدها الأخير مع موسكو (شراء طائرات هيلوكبتر حربية وغيرها) قد سبق للملك أن أوقفها وألغاها.
وأضافت المصادر بأن ساحة الإنقلاب كانت في الجيش، وبالتحديد في قاعدة الرياض الجوية، وليس في الحرس الوطني، كما تردد، وأن الذين اعتقلوا لم يكونوا من الحرس الوطني، بل قيادات كبيرة في الجيش. ويشار هنا بصورة أكيدة الى الى ازاحة عدد من الضباط الكبار في الإستخبارات العسكرية وفي سلاح الطيران كما في مواقع أخرى، في الفترة التي سبقت تعيين الفريق الركن حسين عبدالله قبيل في منصب نائب رئيس هيئة الأركان في 14 فبراير الماضي، بعد أن ترك المنصب فارغاً منذ إحالة سلطان بن عادي المطيري على التقاعد في نهاية أغسطس 2007م. وحتى الآن لا تتوافر معلومات عن عدد الضباط المعتقلين على خلفية الإنقلاب، ولا عن مصيرهم.
وتؤكد المصادر، أن الأمير سلمان، أمير الرياض، والذي كان ـ ولازال يرافق شقيقه ولي العهد ومنذ عام بسبب صحته المعتلّة ـ ترك المغرب إثر انكشاف محاولة الإنقلاب، وزار الرياض ليؤكد للملك بأن أخوته السديريين ليسوا على علم بالمؤامرة ولا هم ضالعين فيها، ونصح الملك بلملمة الموضوع، وعدم تسريب أية أخبار قد تسيء للعائلة المالكة، لأن ما قام به بندر شأن داخلي.
تمرّد على السيستم وانتقام للذات
الذين يعرفون بندر بن سلطان، غير قادرين على التصديق بأن مثله يمكن أن يصل به الحال الى القيام بانقلاب على كامل السيستم (أبيه وأعمامه). ذلك ان الجميع اعتقدوا بأنه مجرد أداة في لعبة صراع القوى العائلية، وأنه ضمن السيستم ويعمل حسب الإنشقاقات العائلة المعهودة: ملك وحاشيته مقابل السديريين الذين هو فرد منهم.
لا شك أن العائلة المالكة تغلي بالإختلافات، ولكن أحداً لم يتوقع أن تأتي ضربة انقلابية وعسكرية ومن بندر بالذات، ولصالح شخصه.
الذي يظهر الآن، هو أن بندر كان ضد الجميع، وكان يريد الوصول الى كرسي الحكم بأية ثمن، وهو ما دعاه للقيام بمحاولته البائسة واليائسة، التي لم يكن مقدراً لها أن تنجح، وذلك اعتماداً على صلات سابقة له بضباط كبار في الجيش خدموا معه، أو تعلموا معه في كليات غربية.
ويقول مطلعون بأن محاولة بندر جاءت في غمرة شعوره باليأس، وبعد أن وجد نفسه على هامش النظام بعد أن أُزيح من سفارة بلاده في واشنطن، وبعد أن غضبت عليه أوساط عديدة في الداخل والخارج، واتهمته باستخدام عناصر من القاعدة والوهابية المتطرفة لتحقيق أهداف انقلبت في غير صالح واشنطن والرياض، وبينها دعم القاعدة في العراق، وفتح الإسلام في لبنان، إضافة الى محاولته شراء ضباط سوريين وقيادات قبلية سورية للقيام بانقلاب على بشار الأسد.
لقد كثر حديث بندر في مجالسه الخاصة بأنه لا يستطيع الإنتظار ليصبح الملك القادم. ومثله قال الوليد بن طلال لمجلة غربية : I Can't Wait to be a King.
وحتى الآن، فإن مصير بندر غير معلوم، والمرجح أن حياته السياسية انتهت. قيل أنه قيد الإقامة الجبرية، وقيل أنه مريض، وهو عذرٌ قديم جديد. فهو مريض فعلاً بالسرطان كوالده ويعاني من الإدمان على الخمور.
لكن اختفاءه عن الساحة والأضواء كافة، ونسيان حتى منصبه كمستشار للأمن القومي!، فضلاً عن أنه لم يزر والده المريض في المغرب، فذلك يؤكد أن للأمر تفسير آخر غير المرض.
من المؤكد الآن، بأن بندر غير مرغوب فيه عائلياً، حتى من أبيه وأشقائه. فهؤلاء يرجحون بأنه كان يريد الإنتقام لنفسه ولأمّه التي اعتدى عليها أبوه، والذي لم يعترف بأبوّته له إلا بعد أن بلغ مبلغ الرجال! واليوم، فإن نزع الأبوّة عنه أمرٌ غير ممكن، ولكن الأبوّة السياسية قد انتزعت منه!
الدور الأميركي
يميل الأمراء السعوديون الكبار، وبينهم الملك، حسب المصادر السعودية شبه الرسمية، الى أن ما قام به بندر بن سلطان لم يكن ليتم إلا بتفاهم ما مع جهات في الإدارة الأميركية. والسؤال الذي يشغلهم: كيف تكتشف المخابرات الروسية العملية الإنقلابية، في حين لا يتم كشفها من قبل الأميركيين المتواجدين عبر استخباراتهم (السي آي أيه والإف بي آي) في 36 مقراً رسمياً يتواجدون فيه في المدن السعودية؟ والمعلوم ان معظم المحاولات الإنقلابية العسكرية في الجيش والتي كانت تجري في السعودية منذ الستينيات الميلادية الماضية، جرى إحباطها من خلال الأميركيين أنفسهم. فلماذا هذه المرّة كان الأمر مختلفاً، رغم وجود آلاف الأميركيين العسكريين من ضباط ومدربين في كل القواعد العسكرية السعودية؟!
ويلفت السعوديون الى حقيقة أن المحاولة الإنقلابية لبندر جاءت أواخر حكم بوش، وليس في عهد أوباما. وإدارة بوش بالذات حوت عناصر عديدة صديقة لبندر، أو اشتراها بندر لحساب السعوديين أثناء وجوده الطويل في واشنطن، وبالتالي جيّرها للعمل لشخصه، أو هي حرّضته لان يقوم بما قام به.
الثابت أن الأميركيين يميلون الى أن يتولى الحكم عناصر الجيل الثالث من العائلة المالكة، إن لم يكن الجيل الرابع، وكانوا الى وقت قريب توّاقين الى تغيير يحفظ مصالحهم على مدى أبعد، وهذا من وجهة نظرهم لا يتم إلا بتغييرات ما تقوم بها العائلة المالكة، هي اليوم، ووفق حكم العجزة وكبار السن، غير قادرة على القيام بها.
الجيل الثالث، الذي ينتمي اليه بندر، والوليد بن طلال وأمثالهما، كسعود وتركي الفيصل، ومحمد بن فهد وإخوته، وأبناء عمّه كمحمد بن نايف، هذا الجيل قضى شطراً من حياته متعلّماً في الغرب، وهو جيل ـ من وجهة نظر أميركا ـ قادر على تقليص الفاصلة الذهنية بين جيل الحاكم والمحكوم، حيث أن نحو 70% من السكان السعوديين دون الخامسة والعشرين من العمر.
ومن وجهة نظر واشنطن أيضاً، فإن الجيل الثالث غير قابض على مفاصل السلطة، وهو بحاجة إذا ما لزم الأمر الى عون من المؤسسة العسكرية، لتخطي السلسلة الوراثية الرتيبة لأمراء بلغوا من الكبر عتيّا.
هذا التحليل المتداول في أوساط العائلة المالكة، هو الذي يرجّح فرضيّة ومعطيات أن انقلاب بندر، كان انقلاباً بالتفاهم مع جهات في الإدارة الأميركية.
لكن من الناحية الفعلية، فإن الجيل الثالث لا شعبية له، وهو بنظر كثيرين أسوء من الجيل المعمر، وأقل حكمة، وأكثر غطرسة، وبالتالي فهو سيصل الى الحكم بصورة أو بأخرى، ولكن عبر الإنتظار لخيارات (ملك الموت) وليس عبر الإنقلابات!
https://telegram.me/buratha