ضياء المحسن ||
قد يبدو للبعض ممن سيقرأ ما نكتبه بأننا نقف بالضد من المواطن، وهي وجهة نظر محترمة، لكننا بالتأكيد لسنا كذلك كوننا نفكر بواقعية، لأن الرؤية الاقتصادية لا يجدي معها أن تفكر بعاطفتك، لأنك في هذه الحالة قد (تزيد من الطين بُلة) كما يقول المثل، لذلك فإن وجهة نظرنا نابعة من تحكيم المنطق قبل العاطفة.
بدأت حكومات ما بعد عام 2003 تستميل المواطن من خلال التعيين لكثيرين وإعطاء الوعد بالتعيين لأكثر من أولئك، الأمر الذي أدى التي تضخم الهيكل الوظيفي في الدولة العراقية (يقترب عدد العاملين في الجهاز الحكومي من أربعة مليون موظف) وهو رقم مخيف في بلد تعداده أربعين مليون نسمة، ومع ذلك فإن ساعات عمل هؤلاء لا تتجاوز ال 6 دقائق في اليوم، بينما القطاع الخاص وهو القطاع الذي يفترض أن يؤدي عملاً أضعاف العمل الذي تقوم به المؤسسات الحكومية لا يتجاوز عدد العاملين فيه المليون عامل، والسبب في ذلك عدم رغبة القائمين على الدولة العراقية في تنشيط هذا القطاع لأسباب كثيرة، بالتالي فإن المواطن أصبح يعمل لدى الحكومة بدلا من أن تكون الحكومة هي من تعمل لدى المواطن لأنها تدير المؤسسات التي تم بناؤها بأموال الشعب وليس بأموال الحكومة!!
القاعدة الاقتصادية تقول بأن الموارد تتناقص في قبال زيادة في الأفراد، لذلك لابد من وجود عملية تنظيم متوازنة بين الموارد والأفراد، وهذا غير موجود أو تم التغافل عنه في عراق ما بعد عام 2003 ليس لعدم وجود إقتصاديين ينظمون هذا الأمر، بل لعدم قناعة من يتبوأ السلطة بجدوى هذه الأفكار، طالما هناك جمهور يتبعه لديه الإستعداد لإيصاله الى السلطة حتى مع عدم قدرته على إدارة ما بين يديه، فالموارد في بلد مثل العراق لا تقتصر على النفط والغاز المكتشف قبل مائة عام، فهناك الزراعة (40 مليون دونم صالحة للزراعة) وهناك المعادن الداخلة في كثير من الصناعات حتى المعقدة منها، وهناك السياحة بأنواعها والأهم من هذا كله موقع العراق الإستراتيجي الذي يمكن أن يؤمن موارد لا حصر لها وتشغيل أيدي عاملة أضعاف ما موجود من عاطلين عن العمل في البلد، لكن دائما ما تكون الحجج الواهية جاهزة على لسان هذا المسؤول أو ذاك.
كنا من أول المعترضين على رفع سعر الدولار في العام الماضي لما له من تأثيرات سلبية علة الحياة المعيشية للعائلة العراقية، بالإضافة الى تسببه في رفع أسعار المواد الغذائية كونها مستوردة جميعها من خارج العراق ومرتبطة بسعر الدولار الذي يبيعه البنك المركزي من خلال نافذة بيع العملة الأجنبية، ومع ذلك أصرت كتل سياسية بعينها على إمضاء سعر الصرف في الموازنة بما تسبب في إنخفاض القدرة الشرائية لما بين يدي المواطن من أموال بنسبة 33% وهي نسبة عالية جدا، ناهيك عن ارتفاع نسبة التضخم (وهذا موضوع قد نشرحه في مقال لاحق) وحصل ما توقعناه بالضبط، اليوم نفس الكتل السياسية التي قامت برفع سعر صرف الدولار تريد تخفيضه لأنه لم يكن ذا جدوى!
الأن موقفنا يتعارض مع هذه الرؤية لأننا على يقين بأن هذا الإجراء لن يؤدي الى إنخفاض أسعار السلع في الأسواق؛ بل قد يؤدي الى مضاعفة الأسعار لأسباب قد يطول شرحها، لكن بإمكان الحكومة القيام بإجراء أفضل من ذلك من خلال دخول الشركات العامة للمواد الغذائية كبائع تجزئة عن طريق تفعيل الأسواق المركزية المنتشرة في عموم محافظات العراق وبيع السلع الأساسية للمواطن بأسعار تنافسية، أو القيام بإلغاء نافذة بيع العملة الأجنبية وإعادة فتح البنك التجاري العراقي CBI (وهو يختلف عن بنك التجارة العراقي TBI) ليقوم البنك بفتح إعتمادات مستندية لتوريد البضائع والسلع مع منح التجار الذين يتعاملون مع هذا المصرف دولار يكون مدعوم من قبل الحكومة لتوفير الأمن الغذائي للمواطن، ونفس الشيء ينطبق على الأدوية.
أسعار النفط الأن في مستويات قياسية، لكن المشكلة لا تتعلق بالإيرادات المتحققة، بل بما تفعله الحكومة بهذه الإيرادات الإضافية، فهي تفترض إبتداءاً وجود عجز في أية موازنة تقوم بالعمل عليها، وهذا غير ممكن، لأن كثير من الموازنات السابقة يتم المصادقة عليها بعجز إفتراضي ثم مع نهاية العام نجد أن هناك فائض في الموازنة، والسبب في ذلك أن الحكومات المتعاقبة عندما تضع العجز تذهب مباشرة الى الإقتراض (سواء الإقتراض الداخلي أو الخارجي) مما يعطيها الأريحية في مجالات الصرف التي أدرجتها في الموازنة خاصة الموازنة التشغيلية، بينما تقف عاجزة عن إنجاز الموازنات الإستثمارية إلا بنسب خجولة في كثير من الأحيان، لذلك نجد ضرورة تقليص النفقات الجارية خاصة ما يتعلق برواتب الدرجات الخاصة والنفقات المرتبطة بها (إيفادات، منافع إجتماعية، وغير ذلك) ناهيك عن ضرورة العمل على الكشف عن الموارد الأخرى في كثير من المؤسسات الخدمية (المرور، البلديات، الصحة، التعليم، التربية، النقل، الاتصالات.
وللحديث صلة.