لم ينتظر شعب البحرين حتى 14 فبراير 2017 ليسجل للعالم والنظام وحلفائه إصراره على نيل الحرية والعيش بكرامة، أضاف هذه المرة أنه مستعد بكل جدّ للموت دون آية الله الشيخ عيسى قاسم الذي تتكثف في رمزيته معاني الكرامة والعزة والمطالب الوطنية.
عشرات الآلاف تظاهروا بالأكفان البيضاء في أكثر من خمسين منطقة بحرينية، مساء يوم الأحد 29 يناير 2017، سيسجل كيوم من أعظم أيام الثورة والإصرار والتمسك بالحقوق، يوم كيوم 14 فبراير في 2011 ويوم 9 مارس2012، إنه يضاف إلى الأيام العظيمة الكثيرة التي سجل فيها شعب البحرين مواقف صلبة وحاسمة.
لا حاجة للانتظار حتى 14 فبراير، قال الشعب كلمته، الثورة باقية والمطالب قائمة، والأكفان البيضاء والأيدي العارية المسالمة، وصرخات الحناجر، تعبر كلها عن قوة الإرادة، وصلابة التصميم ضد الاستبداد، ضد الحكم الطائفي، ضد التمييز على أساس عنصري أو قبلي.
مع مبدأ الشعب مصدر السلطات، مع حرية السجناء، ومطالب عوائل الشهداء بدم أبنائهم المظلومين، مع رمز كل المعاناة الشعبية رمز المُعارضين المُستهدفين في هذه البلاد، ممن ظل لأكثر من خمسين عاماً في الساحة يعمل بسلم، ويطالب بإصرار، مع الشيخ عيسى قاسم ضمانة السلم والاستقرار، ورمزًا وطنياً عمل منذ الاستقلال على تأسيس البلاد مع كل النخبة البحرينية، منذ المجلس التأسيسي، وبرلمان 73، والكفاح المرير خلال عقود فرض قانون أمن الدولة، ثم مدّ اليد الصادقة لإصلاح حقيقي، ودعم المشاركة النيابية الفاعلة، وصولاً للوقوف الكامل مع ثورة 14 فبراير ومطالبها الحقّة حتى هذه اللحظة، والإصرار على الأساليب السلمية رغم فداحة الجراح، وتحمل كل التهديدات، والاستهداف، وصولاً إلى حصاره الظالم وإسقاط جنسيته، ومحاكمته بتهمة ممارسة حكم شرعي يمليه عليه الواجب الديني الصريح.
لكل ذلك خرج الرجال والنساء والأطفال، لابسين الأكفان، يعلنون أن البلد على حافة المنزلق الأكبر، ملأوا الشوارع لإنقاذ بلدهم، صرخوا من أعماق أرواحهم لعلّ الحاكم الغارق في العسكرة وشراء خبرات التعذيب والقمع يسمع صوتاً آخر، صوتاً غير أصوات وزير ديوانه وأخيه وابن خالتهما.
لقد أوضح عشرات الآلاف رأيهم بكل سلمية ووضوح، بلا خوف من القمع الذي ما تزال قوات الأمن تعاملهم به بكل وحشية، بلا كلل رغم عدم رغبة النظام في السماع والاستماع.
قال الشعب كلمته، وغداً يوم آخر، أُلقيت الحجة، لا حاجة للسلاح، ولا للدم، هناك حاجة واحدة وواضحة، احترام رأي الشعب والرجوع له، وترك أوهام القصائد الشعبية والترنم بالانتصارات العسكرية.
مرة أخرى وربما للمرة الألف، يكشف هذا الشعب عن معدنه، وطنية صافية، ومرونة ومبدئية، وتمسك بالكفاح السلمي، والوقوف بكرامة رغم الجراح، رغم الوحدة، رغم الخذلان، يهتف بالصمود، وفي لمحة تاريخية لامعة ينكشف عن مشهد شعب عملاق، عملاق المعنى، عملاق الروح، عملاق في الموقف والثبات، شجاع مثل الشاب (مصطفى حمدان)، مصاب الدراز، الذي واجه الرصاصة ولم يلتفت خوفاً للخلف.
لم يلبس الشعب الأكفان ليتركها، وموقفه المدافع عن الشيخ عيسى قاسم ليس شعاراتياً، الموت هنا تعني الموت فعلاً لا مجازاً، يراه المتظاهرون فعلاً وطنياً، دينياً، ووجودياً.
................
https://telegram.me/buratha