نبارك للشعب البحراني الاصيل عيد الفطر المبارك، متضامنين مع الحاج جواد الشيخ في الذكرى الخامسة لاستشهاد نجله البطل، علي الشيخ يوم العيد من العام 1432 هجرية
"الذين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم، فزادهم ايمانا، وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل، فانقلبوا بنعمة الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم، انما ذلكم الشيطان يخوف اولياءه، فلا تخافوهم وخافون ان كنتم مؤمنين"
جاؤوا من كل حدب وصوب، وتجمعوا حول ذلك المنزل المتواضع من منطقة الدراز، يحوطون عالمهم الجليل، يشدون ازره، ويأتمرون بأمره، ويذودون عنه. هددهم الطاغية باصناف العذاب، فحاصرهم، كما فعل القرشيون مع رسول الله والثلة المؤمنة معه، ثلاثة اعوام متواصلة، ذاقوا خلالها أشد العذاب. ولكن العاقبة كانت لهم كما هي دائما: والعاقبة للمتقين. اليوم تختصر مسيرة الشعب نحو الحرية التي استمرت قرابة مائة عام متواصلة بدون توقف او تراجع او مساومة. انها مسيرة مظفرة وواعدة، لكنها محفوفة بالمخاطر والتضحيات. الذين وهبهم الله بصيرة الايمان يرون النصر يتلألأ نجمه في الافق، ولا يساورهم الشك لحظة بان موعدهم الصبح، أليس الصبح بقريب: "انهم فتية آمنوا بربهم فزادهم هدى وأتاهم تقواهم"، فصمدوا بوجه الطاغية وجنوده، مستحضرين الآية الكريمة: "وما كيد فرعون الا في ضلال". وجهت فلول المرتزقة الاجانب الذين استقدمهم الطاغية من اصقاع الارض التهديدات تلو التهديدات، وحاصرت المنطقة التي يرابطون على ثغرها بايمان وتسليم لأمر الله، فاصبحوا جبلا أشم لا تزلزله العواصف، ولا تزيله القواصف. لهم قلوب كزبر الحديد، وارادة كالصخر، وعزم لا يفله تهديد الطاغية وعصابته. وقفوا كما وقف اصحاب الحسين يذودون عن رمز الحق والعدل في مقابل التحالف القبلي المجرم، فاستشهدوا جميعا، ولكن دماءهم اسقطت الطغمة التي حكمت عباد الله بالنار والحديد، ومارست بحق الاسلام أبشع الجرائم والتنكيل. قتلوا على الظن والريبة، واستنطقوا البشر حول قناعاتهم العقيدية والفكرية، وشتموا آل بيت رسول الله على المنابر خمسين عاما، فماذا كانت النتيجة؟ سقط الامويون، مخلفين وراءهم بذور الشقاق والنفاق والفساد. وجاء العباسبون ففعلوا ما فعلوا فاسقط الله حكمهم، وهكذا هو مصير من يسعى لمشاركة الله في حكمه وهو القائل: ولا يشرك في حكمه أحدا. ذلك هو الشرك الحقيقي الذي تتغافل عنه مدارس التطرف والتكفير، فلا تتصدى للمشركين الحقيقيين، بل تستهدف دين محمد بن عبد الله عليه افضل الصلاة والسلام.
الثلة المجاهدة المرابطة في الدراز تمثل زبدة الاجيال التي توالت في صفوف المعارضة منذ انتفاضة البحارنة في 1922، حينما انفجروا غضبا ضد الخليفيين الذين مارسوا الاستعباد والقمع والظلم والقتل، واستقدموا المرتزقة الاجانب من وادي الدواسر لاستهداف السكان الاصليين، وما اكثر القتلى الذين اغتالهم اوغاد الخليفيين، حتى ضج داعموهم البريطانين واتخذوا قرارهم بتنحية رمز الطغيان آنذاك، فاحالوه على التقاعد واستبدلوه بنجله. البحرانيون لا يبحثون عمن ينقذهم من الصلف الخليفي، ولا يستعينون بغير الله، بينما عدوهم الحقيقي ومحتل اراضيهم اعتمد طوال وجوده على الدعم البريطاني والسعودي، منذ ان وقع وثيقة الاستسلام الاولى مع "الدولة البهية" في 1820، وجددها في 1870 ثم في 1892. ومن يقرأ نصوص تلك الاتفاقات يكتشف صغر الخليفيين الاقزام الذين تخلوا عن كرامتهم ووجودهم وسيادتهم لصالح المستعمر البريطاني، في مقابل حمايتهم من غضب الشعب. وطوال العقود العشرة الماضية تصدى الشرفاء من البحرانيين الاصليين (شيعة وسنة) للطغمة الخليفية المدعومة بالاجنبي، فتحدث رجال منهم عبد العزيز الشملان وعبد الرحمن الباكر وعبد علي العليوات والسيد علي كمال الدين وسواهم، بلغة واضحة: ان الشعب يرفض الهيمنة الخليفية ويطالب باقامة نظام سياسي عصري. هذا ما قاله عبد العزيز الشملان في مقابلته المشهورة مع بي بي سي في 1956، وما كرره المناضلون اللاحقون ومنهم المرحوم عبد الرحمن النعيمي واحمد الشملان ومحمد جابر صباح، ومعهم اخوتهم من ا تباع المذهب الشيعي، كالشيخ عبد الامير الجمري وعبد الوهاب حسين وحسن مشيمع. وتواصل العمل الوطني الهادف للحرية وتحرير الارض من الاستعمار والاستعباد والخلفنة، فتصدى رجال كالشيخ علي سلمان وابراهيم شريف باللغة التي تحدث بها اسلافهم المذكورون من ذوي القلوب الحية والضمائر الواعية. اولئك جميعا كان نصيبهم السجن والتنكيل والابعاد، فما الفرق بين نفي الشملان والباكر والعليوات الى جزيرة سانت هيلانة في 1957 و ابعاد الشيخ علي سلمان والسيد حيدر الستري والشيخ حمزة الديري والشيخ عادل الشعلة في 1995؟ او ابعاد الشيخ حسين نجاتي والشيخ محمد خوجستة وتيمور كريمي في هذه الحقبة؟
برغم التضليل وتحريف التاريخ، فان الحقائق تحاصر الطاغية وعصابته وتفضح جرائمهم كل يوم. فالله لا يظلم احدا، ودماء الشهداء والابرياء لا تذهب هدرا. فها هو توني بلير يحاكمه التاريخ ليرمي به في مزبلته جزاء تجبره وشعوره الفارغ بالقوة والعظمة، وعدوان على بلد بدعاوى فارغة، اثبتت الوقائع اللاحقة زيفها تماما. فالتحالف الانجلو – امريكي لم يقف ضد طغيان صدام حسين واستبداده، بل استهدف العراق كبلد وشعب لاضعافه، فحقق ذلك ولكن بثمن باهض للجميع "انا من المجرمين منتقمون". ولم يستطع ديفيد كاميرون الهروب من العقاب الالهي بسبب مشاركة بلاده بشكل عملي في العدوان على اليمن وقتل اطفالها، وكذلك في العدوان الخليفي على البحرين وشعبها. حقا ان دعوات الامهات الثاكلات لا تحجب عن الله المقتدر الجبار. فدفعه غروره وجهله لاجراء استفتاء حول عضوية بريطانيا بالاتحاد الاوروبي، فجاءت النتيجة عكس ما يتوقع، فسقط هو وعصابته الداعمة للظلم الخليفي والسعودي، بعد ان وجه لهم الشعب البريطاني صفعة سياسية لم يكونوا يتوقعونها ابدا: "وكذلك أخذ ربك اذا اخذ القرى وهي ظالمة، ان أخذه أليم شديد". هؤلاء حل عليهم العقاب الالهي عاجلا في الدنيا، وينتظرهم حساب شديد امام الله العظيم. وهكذا ستكون نهاية المتجبرين في الجزيرة العربية. لقد بلغ بهم التجبر والتكبر والغرور ان اصبحوا يستصغرون شأن معارضيهم ويصفونهم بابشع السمات: ان هؤلاء لشرذمة قليلون، وانهم لنا لغائظون". لقد سبقهم غيرهم في هذا القول فحل عليهم غضب الله بدون رحمة. اما الطغاة الخليفيون فلطالما سعوا لتضليل العالم باباطيهم، ووصفوا البحرانيين الاصليين (شيعة وسنة) باوصاف تروق للغربيين من اجل استعدائهم ضد الشرفاء والاحرار والمناضلين وبرروا اخراجهم من ارضهم بان لديه مشروعا دينيا ينتمي للماضي وانهم اتباع لولاية الفقيه، فعمدوا لابعادهم من ارض الآباء والاجداد قائلين: أخرجوا آل لوط من قريتكم انهم أناس يتطهرون". واخيرا قتلوا نفسا بريئة طاهرة بالرصاص الحي ليجعلوا من الشهيدة فخرية المسلم درسا للآخرين ورسالة للشعب بان الخليفيين دمويون تصفويون لن يلتزموا حدودا اذا أصر الشعب على اسقاط حكمهم.
اساليب فرعونية فشلت في الماضي ولا سبيل لنجاحها اليوم. وما يجري في البحرين اليوم، بعد قتل الشهيدة فخرية ومع استمرار الحصار المفروض على الدراز والتنكيل بالشرفاء والاحرار، كل ذلك انما هو جزء من مخاض عسير لولادة الحرية والكرامة، ويؤمئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، ينصر من يشاء.... انهم يرون بعيدا، ونراه قريبا.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعلم لهم قدم صدق عندك، وفك قيد اسرانا يا رب العالمين
https://telegram.me/buratha
