المقالات

الفرق بين الأخيار والأشرار

1547 12:39:00 2009-03-11

( بقلم : فارس حامد عبد الكريم )

لفتت انتباهي ، وانا اتابع لغاية الرابعة صباحاً فضائية الحرية وهي تعيد نقل محاكمة المتهمين بجرائم قتل وتهجير الكرد الفيلية ، ثلاث وقائع:1 ـ قال الشاهد كانت عملية تهجيرنا سريعة ، وعندما وجدنا انفسنا عند الحدود العراقية الإيرانية قال لنا الجنود سيروا إلى الأمام ولا تلتفتوا للوراء ابداً ، واي فرد منكم سيعود سنطلق عليه النار فوراً...واستدرك قائلاً ،كنا بالمئات من الشباب والشيوخ والنساء والأطفال وبعد مسيرة طويلة مؤلمة بين الجبال والوديان الخالية من البشر ، جلسنا في استراحة وناقشنا اسباب ما حصل معنا ، وتساءلنا مع انفسنا وبحثنا حتى توصلنا إلى فكرة ، عبر عنها بلهجته العراقية قائلاً:( ربما ان العراق سيضرب بالنووي والجماعة خايفين علينه وخرجونا مؤقتاً خارج الحدود )في الحقيقة والواقع ان العراقي اياً كانت قوميته او دينه او مذهبه ، هو على الأغلب الشائع ، انسان حسن النية وخير وشريف وكريم . وهذا نابع من حسن طويته وتجربته الحضارية والمدنية التي تمتد بجذورها إلى اعماق التاريخ ، والانسان الحضاري المتمدن المتفتح عقلاً وضميراً على اعمال الخير ومساعدة الاخرين، ولأنه غير معتاد على اعمال الشر ، فان عقله ومنطقه يقودانه دائماً إلى تفسير الأشياء تفسيراً حسناً ويصعب تصوره للجرائم البشعة ، ويتصرف بتلقائية ويمارس اعمال بحرية وثقة بالناس دون شكوك أو هواجس أو ريبة من الاخرين ، لأنه يفتَرض انه لن يتعرض الى اعتداء شخص أخر. ونقطة التمييز عنده بين الخير والشر قد لا تكون واضحة دائماً مما يجعله عرضة للوقوع في حبائل ومكائد الأشرار.بينما نجد ان الشخص البدائي الشرير الذي يقصد الاضرار بالغير ، كثير التوجس ، مرتاب ، عدواني ، لا يثق بالاخرين ، ويتجنب السير في وضح النهار ويتحرك في الخفاء حاملاً سلاحه ويهاجم غفلة أي شخص يشك في انه قد يهدد وجوده او يحتمل ذلك مهما كان الاحتمال بعيداً.ومن تجربتنا في الحياة نؤمن بقوة ان في العراق غالبية عظمى من الأخيار ، الأخيار جداً ، لا تحدهم جغرافية معينة ولا يحتويهم دين او مذهب معين او قومية ما ، بل انهم يمتدون على جغرافية العراق كله وتحتويهم كل الأديان والمذاهب والقوميات، وعلى نفس المستوى توجد أقلية من الأشرار ، الأشرار جداً ، ومن سوء حظ العراقيين انها تولت عليهم وفعلت ما لا تفعله حتى الحيوانات في بني جنسها.وعندما يدرك العراقيون بوضوح نقطة التمييز الحرجة بين الخير والشر فان التاريخ لن يعود للوراء ابداً، لان التاريخ لا يعود للوراء اصلاً ، الا في حالات معنوية نادرة هي حسن النية المفرطة والثقة بالاخرين اكثر مما يجب.

2 ـ قالت الشاهدة العجوز... تصور ياسيادة القاضي ان إحدى قريباتي كانت حاملاً في شهرها الأخير وكانت متزوجة من عراقي عربي ، وقبل تهجيرها نقلها افراد الأمن إلى المستشفى وتم اخراج الجنين من بطنها بعملية جراحية وتم نقلها بعد ذلك مباشرة الى الحدود وتركت لوحدها ...ان الشر في هذه الواقعة يقع في أحوال المطلق او ما فوق المطلق ... وقد لا يحتاج الى تعليق لإظهار مدى الشر الكامن في النفوس الشيطانية ، ولكننا نحلل الواقعة الى عناصرها الطبيعية والتعليق متروك لضمير القارئ:ـ كانت امرأة.ـ كانت حامل.ـ اجريت لها عملية جراحية.ـ اخرج الجنين من بطنها في غير وقته الطبيعي.ـ رميت عند الحدود بعد إنهاء العملية مباشرة وهي لا تزال تنزف دماً وتركت بدون ماء او طعام وسارت عشرات الكيلومترات على الأقدام بين الجبال والوديان الموحشة.ـ انها بقيت على قيد الحياة، والحمد لله، وفي ذلك حكمة عظيمة، هي في حقيقتها ومعناها تعبير عن الفرق بين الخير والشر وصورة نادرة من صور انتصار الخير على الشر ولو كان الأخير مطلقاً.

3 ـ تبين لي من خلال سير الإجراءات في جلسة المحكمة ، ان الضحايا لا يزالون ضحايا ، وان أية يد حنون لم تمتد اليهم بالرعاية الواجبة لتعيد اليهم حقوقهم المغتصبة، وإنهم ما برحوا يتعرضون للابتزاز والتهديد والوعيد ، رغم ان القضاء قد حكم بإعادة حقوقهم اليهم لكن بدون تنفيذ ، فما أسرع يد الشر التي امتدت اليهم وأخرجتهم من ديارهم دون وجه حق ، وما ابطأ يد الخير ... .

4ـ كنا نؤمن منذ بداية محاكمة أزلام النظام السابق بان الشياطين لن ترضى عنا ، حتى لو اوقدنا العشر من الشموع وكفلت لهم جميع الضمانات القانونية ، وإنهم سيبقون يرددون ويصرخون ببطلان المحاكمة بزعم انها واقعة تحت ظل الاحتلال ، وهي طبعاً حجة واهية لان الحياة لا تتوقف ولا يمكن ان يحجمها منطق بطلان ، لان الحقيقة هي واحدة في النهاية، وعين الشمس لا يمكن ان تحجب بغربال ، والمجرم يبقى مجرم سواء حوكم في ظل احتلال او غيره ،وهذا ما حصل في حالات عديدة في تاريخ العراق ودول الجوار المليء بالاحتلالات من كل لون وصنف ، فالمهم ان يطبق القانون وتسير الاجراءات القضائية سيراً طبيعياً.بل ان زملائهم من المجرمين عقدوا تحت ستار تنظيم القادة العديد من المحاكمات الصورية والارتجالية وقطعوا رقاب مئات الابرياء دون أية ضوابط قانونية او أخلاقية وفي ظل الاحتلال. وكنت ارى في التزام القضاة الأفاضل بكل دقة بالإجراءات الشكلية والموضوعية أمر حسناً ولكن ليس في كل الأحوال ، حيث اني اعتقد ان العدالة ، وهي معيار الموازنة ، تقتضي ان يكون للدفاع والادعاء العام ومحامي الضحايا نفس ما توفر للمتهمين من حقوق.ففي الوقت الذي حاول فيه المتهمين الدفاع بالاسلوب السياسي عن انفسهم وبدأوا يتحدثون عن ما يسمونه بالثورة ومنجزاتها وعن الاحتلال والمقاومة وفي ذلك خروج واضح عن اجواء الدعوى ومقتضياتها ، أقول كان ينبغي ايضاً ان يسمح للادعاء العام والضحايا ومن باب المساواة ( ان يخرجوا عن الموضوع ) لمصلحة العدالة الحقيقية والتاريخ ويردوا عليهم ويذكرونهم ويسمعوا العالم والإنسانية جمعاء بنفس الوقت بالجرائم الهائلة التي ارتكبت بحق العراقيين. قد لا يكون ما ذكرناه قانونياً من الناحية الشكلية مئة في المئة ولكنه عادل بالتأكيد، لان القانون يهدف في النهاية الى ترسيخ العدل حتى لو اضطررنا في بعض الأحيان الى تجاوز بعض الشكليات التي تقف حجرة عثر في طريق تطبيقه، وهنك امثلة كثيرة عن احكام قضائية رائدة بهذا المعنى اصدرتها محاكم فرنسية ومصرية(1).الواقع ان القاضي الفاضل قد حقق لي شيئاً من امنياتي بطريقة قانونية ، ،عندما عقد مقارنة بين محاكمات الأمس البغيض ومحاكمات الحاضر العراقي المشرق الذي كفل ضمانات لمتهمين كانوا يعدمون الناس بالجملة في قضية لا تتجاوز اوراق اضبارتها وحيثياتها، الورقة او الورقتين. وكذلك عندما ناقش المتهمين في طبيعة الجرائم وعدم قانونية الاجراءات وعن دواعيها وأسبابها وندرة وجود امثلة تظاهيها...لا شك انها محاكمة قانونية غير تقليدية ولكنها صورة ناصعة للعدالة الحقة.

بغداد في 10 / 3 / 2009........ 1 ـ انظر بحثنا المعنون ( القصور في التشريع)........فارس حامد عبد الكريم العجرش الزبيدي ماجستير في القانون نائب رئيس هيئة النزاهة سابقاً باحث في فلسفة القانون والثقافة القانونية العامةبغداد ـ العراق البريد: farisalajrish@yahoo.com موقعنا: الثقافة القانونية للجميعhttp://farisalajrish.maktoobblog.com/

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
فارس حامد عبد الكريم
2009-03-14
الاخ ابو علي المحترم لاشك ان العدل الدنيوي هو عدل محدود ونسبي وغير مكتمل لان اداته من البشر سواء كانوا من القضاة او المحامون او الشهود ، وقدرات البشر محدودة في معرفة الحقائق وكشف خفايا الامور ولهذا كان للعدل البشري ضحايا، اما العدل الحقيقي فهو العدل الالهي يوم يقضي سبحانه وتعالى بين البشر وعندها كما قال تعالى ( وسيعلم الذين ظلموا أيَّ منقَلَبٍ ينقلبون﴾ , تقبل سلامي ودعائي بالموفقية للجميع
ابو علي
2009-03-11
الاخ الاستاذ فارس اسمح لي بتعليق.. يمكن ان تستغرب اذا قلت لك ان اعدام هؤلاء المجرمين ليس كل العدل ...اؤمن وبشدة ان القصاص الذي شرع هو لاجل الحفاظ على الكيان الانساني من الفساد المطلق وليس هو العدل الحقيقي ..كيف اؤمن بان شخص يحرم من الحياة الدنيا مقابل مئات الالاف او فعل ربما يستحق الاف المرات من القتل .. ان العدل الحقيقي هو العدل الذي ننتظره ولابد ان يتحقق هو العدل الذي يكون عندما يتجلى "لمن الملك اليوم ..لله الواحد القهار" هو العدل الذي يرى الانسان فيه صورة عمله الحقيقي الذي ارتكبه ..
قريب المهجرين والمفجروالمسفرين والمعدوم
2009-03-11
بسمه تعالى لو حضر ذئب قذر ورأى ما رأيت من القاذوره اكرم التكريتي وجلاوزته الارجاس لبكى ولطم وهو يهجر اشرف عائلة بشيوخها ومرضاها واخذ شابها المتزوج توا وغبت اخباره لحد يومنا هذا بأي وجه يسمون أنفسهم بعثيون ولايتخزون؟ أبالتسفير أم بالتثريم أم بالتسليب أم بالتقطيع أم بحروب الدنس الارجس واستيراده زانيات البشر ومس جيرماني لجيفه ام بمسرحيةالجروت أم أم ولا عجب وهم يرتعبون من مجرد تقربهم من بلدنا الاشم فكيف يدخلوه؟؟ يا لخزي من يؤيهم ويسندهم وهم رجس ودنس وقذارة البشر وعند الله الحساب ان لم يصادوا؟
الدكتور شريف العراقي
2009-03-11
لاشك ان هذه الجريمة من ابشع الجرائم
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك