ففي الوقت الذي ندعو اليه لتركيز الأختلافات على الموضوعات لا الأشخاص, وان يكون الأصل النظري هو ان التواصل أو التفاهم السريع بين السياسيين , هو عملية فكرية , تفترض وجود أطار مشترك للمصلحة أيضا , كي تكون أساسا لفك شفرة المصطلحات وماهو مضمر من الأفترضات ,لأدراكها , وأمكان أستنباط النتائج المحتملة , وهو ما يمهد لأتفاق ما . ( بقلم : المهندس صارم الفيلي )
تطرقنا في مقالات سابقة لبعض الشروط التي تجب أن تتوفر في رئيس الحكومة القادمة الذي سيكون من المؤكد أحد أعضاء الأئتلاف العراقي الموحد , وكذلك في التشكيلة الوزارية لها ككل. وذكرنا ضمن النقاط , ضرورة التوفر على ملامح دولة المؤسسات في التشكيلات الهيكلية لكل وزارة ,وابعادها بالدرجة القصوى عن الأدلجة المرتبطة بتوجه الوزير . وهنا نريد أن نذكر شرطا آخر يجب أن يتوفر عليه رأس السلطة التنفيذية . وهو التمتع بروح العمل الجماعي في صناعة وتنفيذ القرارات . لا الأرتجال الشخصي . وهذا يأتي بتأسيس ثقافة أعتبار الجماعة هي اللبنة الأساسية لنجاح أي نشاط سياسي أو أقتصدادي أوخدمي . أنها الثقافة الضامنة لتلافي الوقوع في تداعيات أجتماعية وأقتصادية للقرارات قبل أصدارها، وتجنب الأخطار الناجمة عنها, لينظر في بادئ الأمر الى مسألة تخفيف تعرض الفئات الأجتماعية المتضررة للمعاناة المعيشية المتزايدة، بخلق شبكات حماية أجتماعية مسبقة لتوفير الحاجات الأساسية اللازمة لتأمين الحد الأدنى المقبول لمستوى المعيشة. وما القرار المفاجئ السابق في زيادة المشتقات النفطية "بدون التمهيد له على كافة المستويات ", وما رافقه من غليان شعبي , كان ينذر بأخذه لأتجاهات خطرة , بسبب عدم رضوخ بعض أو الكثير من المحافظات له , الا نموذج لأفتقارنا لروح العمل الواضح والمؤسسي كفريق , كوسيلة لضمان المرونه والأنسيابية في الأداء . ثم يشمل العمل الجماعي أيضا فيما يشمل , أطلاع البرلمان على القرارات المهمة التي تتخذ حكوميا , كون النواب هم الممثلين الحقيقيين للشعب فيما يخص التشريع والمراقبة . وما طلب ألحكومة المنتهية ولايتها في التمديد للقوات الأمريكية وما أثاره من تساؤلات كثيرة للنواب "بغض النظر عن تقييم القرار" الا نموذج واضح لضعف التنسيق بين الحكومة ومجلس النواب . ناهيك عن حالات غير متناهية من الأنفاق التي لا تخضع لرقابة السلطة التشريعية مما جعل حتى الجانب الأميركي أن يصل الى قناعة شبه تامة بأن النزف المالي والفساد المالي أكبر العوائق أمام بناء العراق الجديد , رغم أشتراك بعض الشركات الأميركية في الفساد, دون تبرئة الكثير من المسؤولين العراقيين " على الأقل بسبب ضعف التصدي لحالات فساد واضحة في معظم الوزارات " العمل الجماعي يأتي بأخضاع كل مشكلة للبحث المعمق ومن كافة الزوايا , عندها تلزم كل وزير أن يدعم خطط بقية زملائه، نظرا للتشابك بين مهام القطاعات المختلفة والوزارات المختلفة. ثم أن الأدارة الجيدة لآليات العمل داخل أي فريق عمل تؤدي ألى مضاعفة قيمة الفريق بصورة تتجاوز القيمة الأجمالية لأفراد الجماعة منفردين. وهنا تأتي مسألة الوضوح :حيث يعد وضوح مهمة مشروع ما أو الهدف من قرار معين بالنسبة لأفراد الفريق الوزاري أمرا بالغ الأهمية, بحيث تكون مهام المشروع هي المحرك الرئيسي لكافة أعمال وتصرفات أفراد الفريق. وهذا لا يأتي ألا بأشراك الجميع في المناقشات والحيلولة دون الانفراد بطرح الأراء بتشجيع كافة أفرادالفريق على الاشتراك في المناقشات التي تدور بشأن العمل, وأن يكون لكل فرد اقتراحاته, وأن يعرف الجميع أن مثل هذه الاقتراحات محل تقدير وترحيب, لا العكس بأن تكون عاقبة الآراء المخالفة الأبعاد أو التهميش . لا بل يتعدى ذلك عند مناقشة قرارات هامة تمس حياة المواطن مباشرة , أشراك مؤسسات المجتمع المدني في المناقشات , لغرض أطلاع الجميع , على الأهداف والنتائج ,دون أن يكون القرار بمثابة الصدمة على الصعد النفسية والأجتماعية والأقتصادية . أن فترة الأربعة سنوات القادمة تتطلب من رأس الحكومة الجديدة تفعيل جدي لدور القوى ألمجتمعية الفاعلة التي تجمعها قيم ومصالح واحده , ليكون دورها مكمل لدور الدولة , حيث تعمل على نقل الجماهير الى جبهة الرقابة والمسؤولية وبالتالي تشجع على ترسيخ قيم المبادرة لدى الجماهير في أيجاد آليات تشخيص الأنحرافات في الممارسات الأقتصادية والأدارية لفعاليات أجهزة الدولة . تشتمل هذه على النقابات المهنيه والجمعيات الأهلية ومنظمات المرأة والشباب وغيرها, وتساعد في بلورة الحالة الديمقراطية التي تستعيض عن المنطق الذي يهبط بالدولة بأتجاه المجتمع السياسي , وبالتالي المجتمع المدني , بمنطق معكوس يتجه الى الأعلى أبتداءا من المجتمع المدني . أن هذه التجمعات المنفصلة عن الدولة من ناحية والمرتبطة بها من ناحية أخرى عن طريق المنظومة السياسية بصفتها التمثيلية تحد من سلطة الدولة محققة أحدى غايات الديمقراطية . أن العمل الجماعي يحتاج الى مراقبة مستمرة لسيره , بغية معالجة التفاعلات التي تحدث بين أعضاء العمل للسيطرة على الأحتقانات التي تحدث في منعطفاته الحادة , وتذليلها قي وقتها , دون السماح لها كي تتفاقم وتصل الى حجم المشكلة . لأن القرار الناجح مرهون بأختيار الموعد الناجح لأتخاذه , والا يكون متخبطا ويؤدي الى فشله المرحلي أو الرجوع الكلي عنه . وهذا يأتي بدراسة وافية للظروف المرافقة , لدرجة موافقتها أو معارضتها للهدف المعلن . عندها يكون أتخاذ القرار دون تردد أو أبطاء . لأن القرار يكون قاطعا وصائبا . وبغيره يكون متعجلا . يقول علي(ع) : و"َإِيَّاكَ وَالْعَجَلَةَ بِالأُمُورِ قَبْلَ أَوَانِهَا ، أَوِ التَّسَقُّطَ فِيهَا عِنْدَ إِمْكَانِهَا ، أَوِ اللَّجَاجَةَ فِيهَا إِذَا تَنَكَّرَتْ ، أَوِ الْوَهْنَ عَنْهَا إِذَا اسْتَوْضَحَتْ ، فَضَعْ كُلَّ أَمْر مَوْضِعَهُ ، وَأَوْقِعْ كُلَّ أَمْر مَوْقِعَهُ " . ثم علينا أتباع آلية الأنتخابات في أختيار مسؤولي الوحدات الأدارية " لا القرابة والزمالة والتحزب الضيق", من مؤسسات ومنشآت ومديريات وأقسام , يمكن أن يعطي مؤشرا واضحا عن كفاءة ونزاهة المتصدين لهذه المناصب , حيث من الصعوبة بمكان تصور تواطئ جميع العاملين في هذه الوحدات على أختيار من لم يتمتع بتلك الصفات . على رأس الحكومة الجديدة , وكذلك الوزراء تشجيع طواقمهم , على أبداء أجتهادات لتطوير العمل وتقوية الأداء , في حدود التكليف , وان يعرض كل ذلك على الجهات المختصة للنظر فيه ومناقشة جدواه تمهيدا لقبوله أو تعديله أو رفضه . أن العمل الجماعي يتعدى الطواقم الرسمية , الى التأسيس لآلية يتم خلالهاالأستفادة من خبرات وتجارب الآخرين , غير الرسميين, وحتى العراقيين في الخارج , لتذليل كل صعوبة تواجه العمل وتحقيق المرونة الكافية في الأداء . أن وضوح الهدف ثم التخطيط المبني على الخبرة والمعرفة والمشورة والاستعانة بالأكثر دراية وأن كان من خارج الأدارة هي من أبرز مقومات نجاح الحكومة القادمة . لأن كل ذلك من شأنه تفادي الحلول الفردية والقرارات الفردية , ويؤسس لمبدأ الحوار والأتصال المستمر لأختيار أفضل البدائل في التعامل مع المشاكل المختلفة . بعد أستعراض كل بديل من جهة المميزات والعيوب , قبل الأتفاق على افضلها , مع عدم الأغفال عن مسألة التقييم المستمر أثناء التنفيذ وعند الأنتهاء منه . ففي الوقت الذي ندعو اليه لتركيز الأختلافات على الموضوعات لا الأشخاص, وان يكون الأصل النظري هو ان التواصل أو التفاهم السريع بين السياسيين , هو عملية فكرية , تفترض وجود أطار مشترك للمصلحة أيضا , كي تكون أساسا لفك شفرة المصطلحات وماهو مضمر من الأفترضات ,لأدراكها , وأمكان أستنباط النتائج المحتملة , وهو ما يمهد لأتفاق ما . لكن في نفس الوقت نعرف أن مجرد كل هذه التوافقات , قد لا تكون دائما ضمانا للتفاهم وسرعة التواصل . بل هناك أيضا عوامل نفسية قد تسهل التفاهم أو قد تعطله بين الأشخاص , حتى لتوفر العاملان السابقان, مما يدفع بالأمور داخل فريق العمل في الدولة الى بعض الطرق المسدودة . وهنا لا بد أن يؤخذ العامل الأخير , غير الحسي , أيضا بنظر الأعتبار عند التوليفة الحكومية القادمة . وان توضع آليات للبحث عن بدائل محتملة كمخرج عند أشتداد الأزمات المتشكلة على قاعدة الخلفيات المتباينة . لديمومة العمل على تنفيذ الخطط المرسومة للسنوات الأربعة القادمة بروح الفريق الواحد .
المهندس صارم الفيلي
https://telegram.me/buratha