كندي الزهيري ||
إن هذا الميدان هو أصعب الميادين القتال، فلا العدو فيه واضح وسافر، ولا يشاهد سلاح القتال في الميدان، ولا مواجهة خلف الطاولات رجالات السياسة، أو صراعات طائفية مدمرة، وحتى غزو الثقافي ، بل يمكن عده مصاديق مختلفة فهكذا ميادين عصيبة ومرهقة، فالجواسيس والمندسين؛ عد مثالاً لمقاتلي هذا الميدان، يقول سون وو؛ أن جواسيس يعدون دائما كنوزا ثمينة لكل حاكم، فهؤلاء يبعدون العقلاء وأصحاب الفضيلة عن الحاكم بسهولة، لكي لا يكون لديهم مستشارون حقيقيون...
١- يزيلون أي إمكانية لوصول عقلاء وأصحاب المشروع والطرح، إلى الحاكم وأصحاب التوقيع والسلطة.
٢- يظهرون البعيد قريبا، والقريب بعيداً عند الحاكم والقائد.
٣- يظهرون الخونة بأنهم أمناء، وإلى الإمناء بأنهم خونة.
٤- يجعلون الأمر مشتبها على الحاكم، في جميع الشؤون ويدفعون إلى الاستبداد بالرأي، والأنانية ويجردونه من جميع مواهب البقاء، البقاء السليم والصالح، ويرسمون صورة مستبدة وديكتاتورية عنه، لتشويه جل اعتباره ومصداقيته وشعبيته .
٥- يهدرون الفرص ويبددون المواضع تصرف الحاكم. أن وأحد من مصاديق الفريق الرابع من المجموعة الحقد والضغينة، والميادين في العصر الحاضر هو تيار المجاميع الخفية والماسونية الٔانيقون، فهؤلاء كحشرة الأرضية، يفتكون ويدمرون الأسس بصمت تام، ويأكلون الدعائم ويبددونها. إن سرا استحالة الشعوب الشرق برغم تاريخها و ماضيها الثقافي والحضاري مقارنة بالغرب، وعمل الماسونيين والمجاميع الخفية خلال السنوات ال 200 الأخيرة، لا يمكن مشاهدة هذه الفئة بصورة مباشرة، وفي هيئة وزي معين، أي من القوى المذكورة آنفا، أو العثور على موقع قدم واضح لها، فهؤلاء يشكلون حكومات الظل دائما، لكن يكمن دورهم ونفوذهم في جميع المجالات السياسية والاقتصادية وثقافية المهمة، وبين عامة الشعوب بإنهم يعملون ويتصرفون بطريقة خفية وغير مرئية، ويمكن تحديد موطئ قدم المارانوس (اليهود المتظاهرون بالمسيحية) والدونمة (اليهود المتظاهرون بالإسلام) في المجتمعات المسيحية والمسلمة على مدى قرون متتالية، وقد أنزل اليهود بواسطة هذا المسار عموما خدمات لا تعوض، بالمجتمعات المسيحية واليهودية. أن تاريخ أكثر من 200 عام من المنظمات والمجاميع العالمية، هو تاريخ حضور وعمل أعضاء المحافل الماسونية الانيقيين المتهودين. إن هذه المجموعة الخفية، لكن الأفعال هي صاحبة الأثر.
١- أفرغ الشرق من محتواه وباطنه، وعلمنته كافة المجالات الثقافية والحضارية.
٢- أضفت طابعاً عقلانيا على علم الوجود!، العالمية الغربية المشركة وملحدة والأنانية، وطبعتها بمسحة ثقافية وأبعدت المسلمين عن علم الوجود ونظرة العالمية الدينية.
٣- أسهمت في زرع انسلاخ الثقافة، في المجتمعات الإسلامية وابتعاد سكانها عن هويتهم الثقافية الحقيقية، بحيث لا يشاهد اليوم بين المسلمين نمط العيش والعمارة والطب والتغذية والملبس والأدب الديني والشرق الإسلامي...
٤- لقد تحول هؤلاء إلى همزة وصل وربط مجتمعات الشرقية في المجالات المهمة المذكورة، الفكر والثقافة والحضارة في المحافل الخفية والتابعة للمجاميع الماسونية.
٥- تسبب هؤلاء بظهور ونمو وتوسع التنوير العلماني، في كافة العلاقات والتعاملات للمجتمعات الشرقية. ويمكن القول، إن أيا من الدول التي تشكلت في الشرق الإسلامي الكبير، على مدى الأعوام المئتان الأخيرة، لم تنجح في تحديد هذا التيار بشكل شامل وصده عن جغرافيتها سياسية والاقتصادية والثقافية، مع اعتماد الاستراتيجية تحديد المنافذ وقنوات دخول الخصم، الميادين الأربعة المذكورة واتخاذ الإجراءات الراجعة الذكية، يمكن تجاوز عقبات المهمة وإنقاذ القوم من الوقوع في براثن التعاسة، إن عجز المسلمين على مدى الأعوام المئتان الأخيرة عن تحديد هذا الميدان، أدى إلى انصهارهم الثقافي والعقائدي في الثقافة الغربية، لكن اليوم هناك بصيص أمل مما نشاهده من وجود مقاومة، تحاول أن تعيد للثقافة الإسلامية دورها وسلطتها في الشرق الإسلامي الكبير.
ـــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha