د.محمد العبادي ||
اعتقد ان اختيار الشهداء لمقام الشهادة هو عبارة عن تتويج من قبل الله تعالى لأعمال الإنسان ولحظاته المعنوية .
لا أعرف ماهي الكلمات التي يناجي بها الشهداء ربهم في خلواتهم وتقع منه في مورد الرضا والقبول ؟،ولا أدري ماهو العمل أو الأعمال الصالحة التي قدموها في نية صافية وخرقت حجب النور حتى وصلت إلى معدن العظمة؟ لا أعرف ولا أدري ذلك ،ولكن أعلم أن مواقفهم البطولية التي توافقت مع العالم الآخر كان لها دوراً في حسم النتيجة ونيل الفوز الأكبر .
لقد شاهدت صور الشهداء وتأملتها ملياً ،ووقفت عند بعض كلماتهم فوجدتها كأنها النور قد انبثق من وسط الظلمة وكأنً حروفها أشعة الشمس وبياضها .
لقد كان الإمام الخميني (ره) يوصي ويقول :( إذهبوا واقرؤوا وصايا الشهداء.).
نعم إن وصاياهم عبارة عن دروس وعبر لمن أراد أن يعتبر.
ويقول السيد الخامنئي:(ان لسان الإنسان عاجز حقاً عن قول شيء حول عظمة الشهداء وقيمتهم فكلامهم وسلوكياتهم ووصاياهم عبارة عن دروس لنا .واقعاً وصايا الشهداء درس).
أحد القادة العسكريين استيقظ من نومه وهو يبكي ،فسألته زوجته ما الذي يبكيك؟! قال لها : رأيت مساعدي الذي استشهد قبل شهر وامسكت بيده، وقلت له نحن عملنا معاً في السراء والضراء ،وفي كثير من الميادين ،فماهو السر الذي جعلك تستشهد، وابقى انا متأخر عنك؟!
فقال له : البكاء.البكاء.
نعم إن البكاء يعكس رهافة حس الانسان ورقة قلبه.
ثم إنّ هذا القائد الميداني ،قد لحق بصديقه ومساعده واستشهد هو الآخر.
سأنقل فصاً نورياً من وصية الشهيد جلال حسن رمال وشاهدوا مدى إيمانه العميق وأحاسيسه الصادقة ؛ حيث كتب في وصيته: (سيدي أبا عبدالله لقد تعلمت من مجالسك أن أقدم كل شيء لله.ولست أملك سوى جسدي ولحمي ودمي أقدمه لله فاشفع لي عند الله ( عسى ) ان يتقبلني قرباناً،كما تقبل أصحابك من قبل ).
وأنقل للقارئ الكريم مقطع من وصية الشهيد محسن حججي الأصفهاني -والذي كان له علاقة ومحبة خاصة بالحسين عليه السلام - وكان يتمنى أن يكون مع الحسين ويستشهد معه،وكان ان أمسك به الدواعش أسلاف بني أمية في سورية ،وقطعوا رأسه وأعضاء جسده، ولم يعثروا له إلا على بقايا من جسده الشريف، وقد كتب وصيته لأمه وأبيه وزوجته وأهله ،لكن سأقوم بتعريب جزءً من وصيته لإبنه والذي كان عمره سنة واحدة حيث كتب له : ( ولدي العزيز علي : اعتذر منك لأني غادرت ولم أشاهدك وانت تكبر ،ولم انعم بالنظر إلى رجولتك. أسعى أن تسير وتحافظ على الدرب الذي سلكته ،واسعى ان تعمل عملاً ينتهي بك عند مقام الشهادة).
يالها من كلمات يضيق عن وصفها وعاء الألفاظ.إنها كلمات نورية يهتدي بها الذين اتبعوا رضوان الله ،واخلصوا النية للدفاع عن دينهم واوطانهم .
إن إرث الشهداء وسيرتهم بحاجة للكتابة والتدوين والاهتمام به من خلال جمع وصاياهم ونشرها على شكل كتب ،أو في معارض فنية ،أو مسلسلات تلفزيونية وأفلام وثائقية وسينمائية ،ومن خلال إقامة المهرجانات الشعرية والمسابقات ،والحفلات والاناشيد ،وفي المناهج الدراسية وغيره .
ـــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha