كندي الزهيري ||
في منظور الإلهي، فإن الرقي المخلوقات لمراتب العليا، يتحصل عن طريق ( سَلَّمَ اَلِابْتِلَاءُ وَقِيَاسُ نِسْبَةِ اَلتَّوَاضُعِ وَالتَّذَلُّلِ ) ، الكبرياء والعزة اللتان هما حكرا على الله تعالى. إن تجاوز حدود العزة والكبرياء التي قال عنهما الأمام علي عليه السلام أن الله اختارهما لنفسه، ستكون نتيجة الانزلاق في هاوية الذل والمسكنة والخزي واللعنة.
إن براعة العبودية، تتمثل في الطاعة التامة، وربما يمكن في وجه آخر، إعتبار العبودية بمعنى الطاعة، من دون طرح أي تساؤل، الطاعة التامة، طوعا أو كرها، وسواء جاءت حلوة وعذبة للنفس أم لا، لكن الطاعة بعد السؤال؛ هي عبادة النفس للحظ النفساني. لذلك فإنها تفقد قيمتها وتصبح عديمة الجدوى، وهذا يمثل أحد أوجه الابتلاء والامتحان. ويتم تقييم العباد في خضم وتقلبات و الَابتلاءات، ليعرف أي منهم ينفذ من دون أي سؤال أوامر الله ونواهيه، وأي منهم ينكرها ويصبح مرتدا. ولهذا السبب قال الأمام علي عليه السلام ( يَبْتَلِي خُلُقُهُ بِبَعْضِ مَا يَجْهَلُونَ أَصْلُهُ تَمْيِيزًا بِالِاخْتِيَارِ لَهُمْ وَنَفَيَا لِلِاسْتِكْبَارِ عَنْهُمْ )...( فَاعْتَبَرُوا بِمَا كَانَ مِنْ فِعْلِ اَللَّهِ بِإِبْلِيسٍ ، إِذَا أَحْبَطَ عَمَلُهُ اَلطَّوِيلُ ، وَجُهْدُهُ اَلْجَهِيدُ ، وَكَانَ قَدْ عَبْدَ اَللَّهْ سِتَّةَ آلَافِ سَنَةٍ ، لَا يَدْرِي أَمْن سُنِّيٍّ اَلدُّنْيَا أُمُّ مِنْ سُنِّيِّ اَلْآخِرَةِ ، عَنْ كِبَرِ سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ ، فَمِنْ بَعْدِ إِبْلِيسِ يُسَلِّمُ عَلَى اَللَّهِ بِمَثَلِ مَعْصِيَتِهِ ؟ كُلًّا ، مَا كَانَ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ لِيَدْخُل اَلْجَنَّةَ بَشَرًا بِأَمْرِهِ أَخْرَجَ بِهِ مِنْهَا مِلْكًا إِنَّ حِكْمَةً فِي أَهْلِ اَلسَّمَاءِ وَأَهْلِ اَلْأَرْضِ لِوَاحِد ، وَمَا بَيْنَ اَللَّهِ وَبَيْنَ أَحَدٍ مِنْ خَلَقَهُ هَوَادَةً فِي إِبَاحَةِ حُمَّى حَرَمَهُ عَلَّ اَلْعَالَمَيْنِ ) .
في موضوع الاٍبتلاء والامتحان الإلهي فإنه لم يتم إستثناء أي من أبناء البشرية. لذلك فإن طريق الإنسان لتجربة الكمالات، يمر عبر مسار الإبتلاء والامتحان، المحفوف بالخوف والمخاطر، لكي يحرز الإنسان جميع الشروط اللازمة لنيل المراتب، من خلال الإختبار التام وبعد تجاوز الابتلاءات. وتتفتق بهذه الوسيلة فحسب مجمل مواهب وبراعات الإنسان الكامنة وتطفو على السطح.
وقد اِنخرط إبليس بعد اللعن والرجم، في جلد درة تاج الخلق هذا، صنع من لشر والحسد، حربة الحقد الدفين ليتربص بالإنسان لمنعه وحرفه عن السير في المسار، ويحوله آلى كائن تعيس وشقي مثله.
وقد بذل إبليس في أول فرصة وبشأن أول إنسان، قصارى جهده وهمته ودفع آدم عليه السلام، إلى ترك الأولى عندما أبتعد عن جنة القرب والعزة.
ــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha