د.أمل الأسدي ||
في ذكری رحيل أبي طالب(ع) علينا أن لا نسمح للأعراب أن يستمروا في صرف أنظارنا إلی مايريدونه، فهذا استغفال حقيقي، لن نبقی ندافع عن إيمان أبي طالب وهو القائل في خطبته السيدة فاطمة بنت أسد:((الحمد لله ربّ العالمين، ربّ العرش العظيم، والمقام الكريم، والمشعر والحطيم، الذي اصطفانا أعلاماً، وسدنةً، وعرفاء، وخلصاء، وحجبةً بهاليل، أطهارا من الخنى والريب، والأذى والعيب، وأقام لنا المشاعر، وفضّلنا على العشائر، نخب آل إبراهيم وصفوته وزرع إسماعيل)
ثم قال: تزوّجت فاطمة بنت أسد وسقت المهر ونفذت الأمر، فاسألوه واشهدوا.
فقال أبوها أسد: زوّجناك ورضينا بك، ثم أطعم الناس(١).
وقال في خطبته السيدة خديجة(ع) لرسول الله(صلی الله عليه وآله): (الحمدُ للهِ الذي جعلنا مِن زَرْعِ إبراهيمَ وذريةِ إسماعيل وجعل لنا بلدًا حرامًا وبيتًا محجوجًا وجعلنا الحكامَ على الناسِ ثم إِنَّ محمدَ بنَ عبدِ اللهِ ابنَ أخي مَن لا يُوَازَنُ به فتًى مِن قريشٍ إِلا رَجَحَ عليه برًّا وفضلاً وكرمًا وعقلاً ومجدًا ونبلاً، وإنْ كان في المالِ قُلٌّ فإنما المالُ ظِلٌّ زائلٌ وعاريةٌ مُسْتَرْجَعَةٌ، وله في خديجةَ بنتِ خويلدٍ رغبةٌ ولها فيه مِثْلُ ذلك وما أحببتم مِن الصَّداقِ فعليَّ)(٢) ومع ذلك مازالت الأقلام منشغلةً بالرد علی الحاقدين علی رسول الله وأهل بيته(صلوات الله عليهم أجمعين) بل إنهم حاقدون علی الإسلام لأسبابٍ ودوافع ظاهرة وخفية؛ لذا لا يريدون للإنسانية أن تلتفت إلی فضل الجماعة المؤسسة للرسالة الخاتمة، الممهدة لنور الله الرحماني المحمدي، لايريدون للمسلمين الالتفات إلی دور أجداد الرسول الأعظم، من هاشم بن عبد مناف، ثم عبد المطلب، ثم أبي طالب وعبد الله، ولا يريدون أن نرتقي بفكرنا ورؤيتنا كي نری كيف كلّف الله الرجال الأخيار والنساء الفضليات للتمهيد لدين حبيبه المصطفی محمد، فسلمی النجارية زوج هاشم، وفاطمة القرشية زوج عبد المطلب، وفاطمة بنت أسد زوج أبي طالب، وآمنة بنت وهب، والسيدة خديجة، هولاء الجماعة الصالحة هم أوتاد الرسالة ونقطة انطلاق شعاع الرسالة الرحمانية، فلماذا يريدون لنا أن نجعل رسولنا الكريم بدعا من الرسل؟ لماذا يريدون طمس هويته التي شكلت شخصيته وأعدته ليكون سيد المرسلين، الذي وصفه الله تعالی: ((وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ))( ٣).
وقال واصفا أجداده العظام: ((وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ))(٤) فلماذا يريدون للمسلمين أن يكونوا جاحدين جاهلين؟ فأبو طالب كان جنديا من جنود الله المخلصين، كان الرجل الأمة، فتحمل أعباء الرسالة، حاميا، حافظا، أمينا، مقاتلا، حكيما، مدبرا، سندا، ليس هو وحسب! وإنما أسرته كلها كانت مُسخَّرة للإسلام، بدءا من السيدة المهابة فاطمة بنت أسد ثم أولاده، طالب وعقيل وجعفر والإمام علي(عليهم السلام) فهم درع الرسول وسنده، وهم لسانه المدافع، وهم يده الكريمة، وهم عباءته الرحيمة، قدموا أرواحهم للإسلام ونصرة الرسول، عانوا وعُذِّبُوا وهُجِّرُوا في سبيل الرسالة، ثم بعد كل هذه التضحيات يأتي أعرابي متآمر يناقشنا في إيمان أبي طالب!!
فهم يريدون لنا أن نبقی بعيدين عن فهم الأمة الواحدة، يريدون لهويتنا أن تبقی مُخلخَلةً، مهزوزةً، يريدون لنا أن نبقی منبهرين بالغرب، زاهدين بكل ما لدينا!!
هكذا نتحول إلی أفراد وآراء مبعثرة، وننشغل بتفاهاتهم، كي يتمكن منّا الآخر، يتمكن من خيراتنا ونعمنا، فيتقدم الغرب العلماني، ويتقهقر الشرق الإسلامي حتی نكون أقوامَ القاع التي لاتجرؤ علی رفع رأسها!!
فكونوا كأبي طالب كعزيمته، كونوا بفكره وقوته، كونوا بإيثاره وتوكله، فصفاته هذه كانت أساسا ممهدا للعرب والإنسانية، نقلهم من الضعف والتشتت إلی الأمة التي تمتلك دولة وينظمها دستور سماوي!
ـــــــ
https://telegram.me/buratha