كندي الزهيري ||
ليس معيبا أن نرجع بذكرياتنا لكي نمضي قدما في حياتنا، إلى تلك الأيام التي شخصت فيها الأبصار، التي تبقى حبيسة عقلنا الذي يرفض إطلاقها أو التخلص منها بسهولة، فالذكرى بلسم النفس وترياق الحياة القاسية التي مر بها هذا الشعب، لا أدري أن كانت الآلام وجروح تعد ماضيا جميلا عند الشعب، أم درسا لا ينسى!، أهي زادا لا ينضب... أم شيء آخر؟، ها نحن لا زلنا نسعى لمعرفة الإجابة.
مرت على الشعب العراقي أيام مظلمة، وهي تشبه في عتمتها ظلام الليل وأشد، لكن هذا الظلام يناير بنجومه، وبذلك الشق الأخضر الجميل، أتساءل عن مصدر هذا التوهج الأخاذ!، هل هو انعكاس لنفوس البسطاء الذين يحبون يحيون بالخير والأمل؟. أو أن ذلك الضوء المنبعث قادم من تلك الأرواح الطاهرة التي ضحت لأجلنا.
جميلة هي المياه لونها سر الحياة... ورائعة دورتها في الطبيعة، فمرة تكون بحارا... وتارة سحابا... حتى تنزل قطرات باردة، لتمتزج بعضها ببعض، وتكون انهارا، وهكذا هم الشهداء... نحيا ونكبر بفضلهم، بتوجيهاتهم بتضحياتهم بإخلاصهم بوفائهم، ويمطرون سيوف أعدائنا بقطرات دمائهم الزاكية ... لتكون انهارا تغرقهم، وتسقي مروج قضيتنا، لتنبت أمانا. إن نجوم الشهداء في السماء تلمع بشدة، تلمع دائما بانتظام متواصل، لا أحد يجرؤ على الاقتراب منها، أو طمر ذكراهم، أو نكران فضلهم، وستبقى ذكراهم تلمع هكذا دائما، أن تصرفات الشهداء تشبه النجوم شبها كبيرا، ليس في السرعة، لكن وحيث إنه لا قدرة لأحد على تغير مجريات حقيقتهم. يذكر بان أحدهم قال ذات مرة؛ إن دروب الشهداء وهم يعيشون حياتهم، لا تأتي مصادفة، بل ما يواجههم محتما ومقدرا، لكونهم شملوا بألطف الأهي العظيم، هذا يعني أن لقاءهم في ذلك اليوم، ونيلهم للشهادة في ذلك المكان كان أمرا بعيدا عن المصادفة بل هي رحمة أخصهم الله بها من دون عباده الآخرين، فحين تلاقت دروبهم في حلكة ذلك الظلام، لمعت هناك مثل النجم أرواحهم الطاهرة، كانت أجمل لحظات لهم وهي لحظة يستحيل أن نفهمها إلا إذا سرنا بدرب العشق كما ساروا هم.
إن أحد الدروس لمهمة التي يعلمنا إياها الشهداء في هذه حياة، الطبيعة النبيلة لنكران الذات، فعندما يضع الشهيد جميع أولوياته جانبا، ويفضل الآخرون على نفسه وراحته وعلى رغباته، تاركا عائلته وبيته وماله خلف ظهره من أجل الحرية والكرامة، سوف نسمو وتكبر قيمتنا بين الأمم، ونرى أن الشهداء يفعلون ذلك صادقا ورائعون حقا، ليتنا لو درسنا ذلك للأجيال، حتى يبقون أعزاء شامخين بين الأمم كشموخ الجبال الرواسي، وهذا ما تؤكد عليه المرجعية العليا من الضروري أخذا والتمسك بما جاء به الشهداء حتى نعيش أحرارا...