د.أمل الأسدي ||
في بيوتنا التي تعشق محمدا وآل محمد، تقف الأم لتعلم بناتها وأبناءها التأدُّب في حضرة عاشوراء الخلود، صحيح أن أمهاتنا من نساء الفطرة، ولم يتعلمن في مدرسة أو معهد أو جامعة؛ لكنهن يمتلكن فلسفةً عميقة ووعيا متفردا، ففي عاشوراء تدرِّب الأم أولادها علی قضية مشاركة أهل البيت في لحظات نهار العاشر، فأبسط عملٍ تقوم به، هو نزع الحالة الطبيعية اليومية المعاشة في المنزل!! فتطلب منهم أن يمسكوا عن الطعام حتی الظهيرة، أي بعد أذان الظهر (الوقت الذي اُستشهد فيه الإمام الحسين) وتطلب منهم الكف عن أي تزيينٍ أو استحمام، أو كسبٍ أو عمل منزليٍّ من ( تنظيف وكنس ومسح) وتقلب بعض القدور في المطبخ علی وجهها في مشهد يعكس أن هذا المنزل ليس في وضعه الطبيعي، وأن أمرا جسيما قد وقع فيه!!
وبينما هي وسائر الأفراد يبكون الحسين علی صوت الشيخ عبد الزهرة الكعبي، تكون القدور الكبيرة في خارج المنزل أو السطح قد نضج الطعام فيها، وسيتم توزيعه علی الجيران والمارة: كلوا هنيئا، إنه طعام علی محبة الحسين، إنه مستلٌ من بين حروف:((إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا)) بل كلوا ونحن لكم من الشاكرين!!
إذن، كل شيء في بيوتنا يوحي بوجود حدثٍ عظيم!! وبعد مضي ساعات النهار، يحل الغروب ثقيلا موحشا، فتنحني ظهورنا لوحدها، مستشعرةً حيرة السيدة زينب(ع) وكربتها وغربتها !!
فشكرا لأمهاتنا علی هذا الوعي، وهذه الرؤية العميقة التي تجسد قول الإمام الصادق(ع): إن الله تبارك وتعالى اطلع على الأرض فاختارنا واختار لنا شيعةً ينصروننا ويفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا ويبذلون أموالهم وأنفسهم فينا ،أولئك منا وإلينا).