نعيم الهاشمي الخفاجي ||
الانتهازية في اللغة، مصطلح مشتق من الفعل الثلاثي (نهز) بمعنى دفع وحرّك، والنُّهْزَة، الفرصة تجدها من صاحبك، والمناهزة، المبادرة، يقال ناهزت الصيد فقبضت عليه قبل إفلاته، وانتهزها وناهزها، تناولها من قرب وبادرها واغتنمها، وانتهز الفرصة أي اغتنمها وبادر إليها.
المناهزة تعني المبادرة لفعل الخير، فهذا العمل يكون مشروع يحمل قيم أخلاقية سامية، ووردت الكثير من النصوص في القرآن وأحاديث إلى الرسول محمد ص والأئمة الكرام من ال بيته الأطهار، وردت آيات قرآنية تحث على المبادرة بفعل الخير، وكذلك أحاديث نبوية عن محمد وآل بيته تحث المسلمين على المسارعة والمسابقة لعمل الخير والتنافس فيه والمبادرة بالعمل الصالح، لذلك الإنسان المحترم ينتهز الفرص ويستغلها في خدمة إخوانه المواطنين وهذه الخدمة بلا شك تمثل أهداف سامية وقيم أخلاقية، هذه الأساليب تكون محمودة يشكرها الناس.
وهناك فئة من البشر يتبعون أقذر الطرق لتحقيق مصالحهم الذاتية متجردين من كل القيم الأخلاقية، هذا الصنف من البشر يشبه فصيلة الضباع من الحيوانات البرية المفترسة من صنف الثديات، هؤلاء قرود بشرية هدفهم الأول والاخير تحقيق مصالحهم على حساب مصالح وحقوق ورفاهية عامة المواطنين من ابناء الشعب، الفيلسوف الإنجليزي توماس هويز صاحب المدرسة النفعية للإنسان، وصف الانتهازيين وصف دقيق حيث صوره بأنه ذئب يتربص بأخيه الإنسان ليفتك به، فهو يسعى دائماً للحصول على القوة ليقهر بها الآخرين، وهنا ينشأ الصراع مابين البشر البسطاء الشرفاء مع اقرانهم البشر الخبثاء الانتهازيين من صنف القردة الساعين لسرقة كل شيء بما فيها الابتسامة من عامة الناس، ويحولون حياة الناس إلى جحيم ومآسي بينما هم يعيشون في رفاهية ورخاء، هؤلاء البشرلايتوانون في اتباع أساليب الحيلة والمكر والدهاء والخديعة لكي يلحق الضرر والاذى والقتل في غيره، الانتهازيون دائما يبررون خياناتهم وفق منطق،البقاء للأقوى، أحد الكلاب النابحة قبل فترة كتب مقال يتهجم به علينا بسبب رفضي أن أكون عميل وخائن للمصالح الاستعمارية، اقول إلى هذا الرخيص مثلي لايمكن له أن يتخلى عن قيمه ومبادئه، ليس بالأمر السهل أن أصبح انتهازي، ورثنا الشجاعة من الآباء والاجداد ويكفي انا سليل سلالة من الأجداد كانوا أمراء حكموا الإمارة الخفاجية من جنوب بغداد حتى الكوفة وبنوا حصن الأخيضر طيلة اكثر من مائتين سنة ونيف، سقطت امارتنا عام ٤٩٩ هجري على يد بني اسد، لكن بني اسد كانت نتيجتهم بني العباس استعانوا بالتتار إلى إسقاط الدولة البويهية الإسماعيلية في إيران، وبعد إسقاط الدول الإسماعيلية في الشام ومصر قوت شوكة الخليفة العباسي فإستعان بسنة البصرة وتم القضاء على الدولة المتوكيلية الاسدية في الكوفة عام ٥٦٠ هجري.
التتار كانوا يحلبون الخليفة العباسي طيلة ١٢٠ سنة عندما عسكرت جيوشهم في مدينة مندلي، وكان قائد التتار كل عام يدفع له الخليفة العباسي الأموال رغم أنفه وعندما رفض آخر الخلفاء دعم أموال كبيرة اقتحمت جيوش التتار دار الخلافة العباسي وقتلوا الخليفة وهو في حضنه غلام وترقص له جارية
لذلك الانتهازي عندما تفشل مساعيه فهو يختار أقصر وأرخص الطرق لبلوغ أهدافه، صنف البشر من الانتهازيون لديهم خبرة قوية في كيفيةالصعود على أكتاف الشرفاء الذين كانوا يقاتلون بصفهم ومعسكرهم، نعم يقدمون مصالحهم، على مصلح الآخرين، ويضربون المصلحة العامة بالحذاء عندما تتعارض مع أهدافهم.
الانتهازي لاينصف أصدقائه ورفاق دربه والمناضلين والمجاهدين لأنه يعتبر ذلك مضيعة للوقت، ويعتبرالعلاقات الاجتماعية والجهادية والنضالية مجرد جسر للوصول إلى مطامعه حتى لو كانت على حساب غيره من الحزب أو الفئة التي كان يقاتل ضمنها، فهو مثل الحرباء يغير جلده حسب الظروف الجوية والمناخية، الانتهازي هو المنافق الذي ذمه القرآن وذمه رسول الله ص والأئمة ع لذلك الإمام علي ع وصف المنافقين بوصف دقيق، قال الإمام علي ع ( نَحْمَدُهُ عَلَى مَا وَفَّقَ لَهُ مِنَ الطَّاعَةِ ، وَذَادَ عَنْهُ مِنَ الْمَعْصِيةِ ، وَنَسْأَلُهُ لِمِنَّتِهِ تَمَاماً ، وَبِحَبْلِهِ اعْتِصَاماً ، وَنَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، خَاضَ إِلَى رِضْوَانِ اللهِ كُلَّ غَمْرَةٍ ، وَتَجَرَّعَ فِيهِ كُلَّ غُصَّةٍ ، وَقَدْ تَلَوَّنَ لَه الْأَدْنَوْنَ ، وَتَأَلَّبَ عَلَيْهِ الْأَقْصَوْنَ ، وَخَلَعَتْ إِلَيْهِ الْعَرَبُ أَعِنَّتَهَا ، وَضَرَبَتْ إِلَى مُحَارَبَتِهِ بُطُونَ رَوَاحِلِهَا ، حَتَّى أَنْزَلَتْ بِسَاحَتِهِ عَدَاوَتَهَا ، مِنْ أبْعَدِ الدَّار ِ، وَأَسْحَقِ الْمَزَارِ .
أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللهِ ، بِتَقْوَى اللهِ ، وَأُحَذِّرُكُمْ أَهْلَ النِّفَاقِ ، فَإِنَّهُمُ الضَّالُّونَ الْمُضِلُّونَ ، وَالزَّالُّونَ الْمُزِلُّونَ , يَتَلَوَّنُونَ أَلْوَاناً ، وَيَفْتَنُّونَ افْتِنَاناً ، وَيَعْمِدُونَكُمْ بِكُلِّ عِمَادٍ ، وَيَرْصُدُونَكُمْ بِكُلِّ مِرْصَادٍ .
قُلوبُهُمْ دَوِيَّةٌ ، وَصِفَاحُهُمْ نَقِيَّةٌ ، يَمْشُونَ الْخَفَاءَ ، وَيَدِبُّونَ الضَّرَاءَ ، وَصْفُهُمْ دَوَاءٌ ، وَقَوْلُهُمْ شِفَاءٌ ، وَفِعْلُهُمُ الدَّاءُ الْعَيَاءُ ، حَسَدَةُ الرَّخَاءِ ، وَمُؤَكِّدُوا الْبَلاَءِ ، وَمُقْنِطُوا الرَّجَاءِ ، لَهُمْ بِكُلِّ طَرِيقٍ صَرِيعٌ ، وَإلى كُلِّ قَلْبٍ شَفِيعٌ ، وَلِكُلِّ شَجْوٍ دُمُوعٌ يَتَقَارَضُونَ الثَّنَاءَ ، وَيَتَرَاقَبُونَ الْجَزَاءَ ، إِنْ سَأَلُوا ألْحَفُوا ، وَإِنْ عَذَلُوا كَشَفُوا ، وَإِنْ حَكَمُوا أَسْرَفُوا ، قَدْ أَعَدُّوا لِكُلِّ حَقٍّ بَاطِلاً ، وَلِكُلِّ قَائِمٍُ مَائِلاً ، وَلِكُلِّ حَيٍّ قَاتِلاً ، وَلِكُلِّ بَابٍ مِفْتَاحاً ، وَلِكُلِّ لَيْلٍ مِصْبَاحاً ، يَتَوَصَّلُونَ إِلَى الطَّمَعِ بِالْيَأْسِ ، لِيُقيمُوا بِهِ أَسْوَاقَهُمْ ، وَيُنَفِّقُوا بِهِ أَعْلاَقَهُمْ .
يَقُولُونَ فَيُشَبِّهُونَ ، وَيَصِفُونَ فَيُمَوِّهُونَ ، قَدْ هَوَّنُوا الطَّرِيقَ ، وَأَضْلَعُوا الْمَضِيقَ ، فَهُمْ لُمَةُ الشَّيْطَانِ ، وَحُمَةُ النِّيرَانِ ، ( أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ).
في الختام لولا الانتهازية والنظرة الضيقة لما جرت علينا الدوائر والمصائب ولما سالت دمائنا ولما تجرأ علينا اراذل فلول البعث وهابي ولما سرقت ثرواتنا ولما شرب ابناء الجنوب من الانهر التي تحولت إلى انهر طمر صحي تفتل يوميا في آلاف الناس في الأمراض الخبيثة ناهيكم عن حوادث السيارات التي تقتل آلاف من شبابنا مضاف لها يوميا يسقط الشهداء في ديالى وتكريت وسامراء والرمادي.
نعيم عاتي الهاشمي الخفاجي
كاتب وصحفي عراقي مستقل.
26/7/2022