إن لهذه الثقافة العدوانية التاريخية المتأصلة لدى القوم الكثير من المؤشرات والتي تجعل عملية التعايش مع من درجوا على التفنن في ابتكار الجرائم أمرا مستبعدا ( بقلم : الدكتور طالب الرماحي )
كلنا نتذكر ويتذكر أهلنا في الوسط والجنوب أن النظام السابق قد درج على قطع ماء الإسالة عليهم في المناسبات التالية : وقت الإفطار ووقت السحور في رمضان ، وعند كل مناسبة وفاة أو ولادة لأي إمام من أئمة أهل البيت عليهم السلام ، وفي العشرة الأولى من شهر محرم الحرام ، أما في يوم عاشوراء في كربلاء ووفاة النبي الكريم في النجف فإن زبانية النظام كانوا يقطعون الماء تماما بهدف إحراج الزوار ومن يهتم بإمورهم في تينيك المحافظتين المقدستين ، وكان البعثيون يتلذذون ويضحكون وهم يرون النساء في المحافظات الشيعية وهن يعانين من نقل الماء على رؤوسهن في داخل الأحياء أو من الترع والأنهار القريبة والبعيدة في بلد يعد من أغنى بلدان العالم بالماء والبترول . لقد تعلم البعثيون ذلك من الأجداد (الأمويين والعباسيين) الذين كانوا يستخدمون سلاح الماء ضد أعدائهم ولطالما كان الأعداء من أتباع أهل البيت ، وقديما منعوا الماء عن ابن بنت نبيهم الإمام الحسين عليه السلام وأطفاله وعياله وأصحابه من ماء الفرات ، ولذا فإن المتعة كانت مغرية وهم يرون الأبرياء يتضورون عطشاً بهدف الإذلال ولذا فإن الأحفاد الجدد في زمن ( صدام ) أتقنوا استخدام هذا السلاح وأضافوا الى عذابات الأحياء الذين ( فلتوا ) من حملات التصفية والدفن في المقابر الجماعية أو التغييب في السجون الرهيبة معاناة أخرى .
ولذا فإننا لا نستغرب اليوم في زمن مابعد صدام أن يُقدم ( البعثيون ) الجدد في ما يسمى بــ ( هيئة علماء السنة ) في استخدام سلاح الماء في المعركة ومحاولة إجبار خصومهم الشيعة على الإستسلام ليمهدوا لعودة ( جمهورية البعث الثالثة ) ، فقد ورد في الرسالة التي وجهتها ( الهيئة ) للشعب العراقي ما يلي : ( فإذا كان النفط في الجنوب مثلاً فالماء في الوسط والشمال يمكن حبسه حتى يُبادَل برميلٌ من النفط ببرميلٍ من الماء، ويمكن أن ينفرِط عقده فيغرق الجنوب كله ) وهذا يعني أن ثقافة القوم ( هي هي ) مع خصومهم مهما امتد الزمن وتغيرت الظروف ، لكن الشيء الغريب أن الأحفاد يحاولون تقليد الأجداد تماما ، وكما حدثنا التاريخ أن بني أمية قد قتلوا الكثير من الشيعة عطشا وكما فعلوه بالإمام الحسين عليه السلام ومنعوهم عن ماء الفرات ، فإنهم يحاولون تكرار فعلة جدهم ( المتوكل العباسي ) عندما أغرق قبر الحسين على أمل إخفاء معالمه ، ولذا فإنهم في ( تهديدهم ) الجديد لأتباع أهل البيت وهذا هو ما تعنيه مقولتهم (عقد الماء قد ينفرط فيغرق الجنوب ) .
إن لهذه الثقافة العدوانية التاريخية المتأصلة لدى القوم الكثير من المؤشرات والتي تجعل عملية التعايش مع من درجوا على التفنن في ابتكار الجرائم أمرا مستبعدا ، وهذا يعني أن القوم قد عقدوا العزم على تقسيم العراق لكن بطريقتهم ( الشيطانية ) الخاصة والتي طالما تدثرت بغطاء ( النفاق ) هذا الغطاء الذي ورثوه من الجد البارع ( عمرو بن العاص ) . ففي الوقت الذي يتهمون فيه الشيعة بالرغبة في تقسيم العراق من خلال الفيدرالية وهو حق مشروع ضمنته لهم القوانين الدولية فإنهم يصعدون من تصريحاتهم وتهديداتهم النارية معززة بهجمات ( كلاب مسعورة ) لقتل الأبرياء من النساء والأطفال وتخريب المنشآت المدنية للدولة ، ثم يطلقون على كل تلك الجرائم البشعة ( جزافا ) بالمقاومة .
إن هذه التصرفات الحمقاء والتي تذكرنا بتصرفات ( رمزهم ) صدام سوف تنقلب وبالاً عليهم ، لأن المسلمين الشيعة في العراق قد فهموا اللعبة وأدركوا جيدا كل ما يفكر به ( البعثيون الجدد ) من مخططات مستقبلية ، ولا أكتم سراً أن الشيعة في العراق أخذوا يفكرون بشكل جدي في دولة مستقلة يحققون من خلالها ( فك ارتباط ) مع الحوش الكاسرة التي لاتفهم في علاقاتها بالآخرين غير سفك الدماء وقطع الرؤوس والعبث والتخريب بممتلكات الدولة ، فالثقافة التاريخية (اليزيدية المروانية) التي درجت على إلغاء الآخر وتدربت على القتل والدمار وعدم التفكير بغير مصالحها الدنيوية لايمكن لها أن تتعايش مع ثقافة أهل البيت ومدرستها التي تربأ عن كل ما يمس الآخرين بالأذى بل إنها وجدت أصلاً لنشر المحبة والسلام والخير الذي نهلته من شرعة الإسلام المحمدي الإصيل . فليس ثمة مقومات للتعايش مع محافظات المنطقة الغربية التي اصبحت بيئة إجتماعية خصبة للإرهاب وللإرهابيين ، كل ذلك عمَّق الشعور لدى المسلمين الشيعة في الوسط والجنوب بضرورة البحث عن حل جذري يضمن وقف سفك الدماء وتخريب الممتلكات وتأخير إعادة الإعمار .
إن التهديدات الأخيرة (لهيئة علماء السنة) بقطع الماء عن الجنوب أو إغراقه إذا استوجبت طبيعة الصراع هي مكملة للمواقف السلبية التي درجت الرموز السنية الأخرى اتخاذها من العملية السياسية مما يوحي لبقية أبناء الشعب العراقي أن هناك نوايا غير سليمة مضمرة لدى الجميع على إبقاء العراق على ما هو عليه من الفوضى ، وهذا الأمر يقلق بقية الشعب العراقي ويعطيه الحق الكامل في التفكير بمستقبله وبالطريقة التي تضمن له مصلحته أولاً بعيدا عن شعارات الوحدة أو التوافق الجوفاء التي أصبحت تخدم رموز الإرهاب ودعاة القتل والترويع وعدم الإستقرار .
إن تاريخ العراق هو تاريخ المسلمين العرب الشيعة ، وأن البصرة والكوفة اللتان كان يطلق عليهما ( بالعراقَين ) ويمتدان من سامراء وحتى الخليج كانتا مقفلتان على الوجود العربي الشيعي ، وهما يشكلان العراق الحقيقي ، أما البقية فتشكل تخوم العراق وكان الأكراد يشغلون المثلث الشمالي الشرقي منه ، وما تبقى من المنطقة الغربية فقد كانت خليطاً من العرب والعثمانيين والتركمان والديلم وبقايا المماليك وبعض الطوائف الأخرى غير المسلمة.
الدكتور طالب الرمَّاحي
https://telegram.me/buratha