المقالات

الضوابط الرضوية في بناء الحياة السعيدة


الشيخ محمد الربيعي ||

 

مبارك لكم ولادة الامام الرضا ( عليه السلام )

نرى ان الاحياء الحقيقي للمناسبات التي تتعلق بأهل البيت ( عليهم السلام ) ، هو الاحياء الفكري ، و التعرض لافكارهم ووصاياهم و احكامهم ، هو الاولى من طرق الاحياء الاخرى وان كانت مطلوبة و لابأس بها  .

الامام الرضا ( ع ) بوصية الى تلميذة عبد العظيم الحسني و التي اوصاه ان يبلغها الى اولياءه ، واولياءه باقين مع تغير الزمان والمكان و بالنتيجة تكون هذه الوصية ذات مفعول مستمر يجب الاخذ بها والاطلاع عليها بين الحين و الاخر و هي وصية ذات ضوابط ان عمل بها واخذ باهدافها كان مجتمع متماسك و سليم مجتمع يسوده السعادة ، بل نقول لو اخذ بهذه الوصية كانت هي الحل لسراب الانغلاق السياسي الحاصل اليوم .

محل الشاهد :

نص الوصية :  وروى عبد العظيم الحسني عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام ) قال: يا عبد العظيم أبلغ عني أوليائي السلام وقل لهم: أن لا يجعلوا للشيطان على أنفسهم سبيلا، ومرهم بالصدق في الحديث وأداء الأمانة ومرهم بالسكوت وترك الجدال فيما لا يعنيهم وإقبال بعضهم على بعض المزاورة فان ذلك قربة إلي.

ولا يشتغلوا أنفسهم بتمزيق بعضهم بعضا فاني آليت على نفسي أنه من فعل ذلك وأسخط وليا من أوليائي دعوت الله ليعذبه في الدنيا أشد العذاب وكان في الآخرة من الخاسرين وعرف هم أن الله قد غفر لمحسنهم وتجاوز عن مسيئهم إلا من أشرك بي أو آذى وليا من أوليائي أو أضمر له سوءا فان الله لا يغفر له حتى يرجع عنه فان رجع.

التعليق :  فنرى الإمام الرّضا(ع) يلتقي بتلميذه (السيد عبد العظيم الحسني) الذي يُزار في منطقة الري (طهران)، ويسمّى بـ(الشاه عبد العظيم)، فلقد كان يرسله، ليبلّغ أولياءه ما يريد منهم، لأنَّه كان يفكّر فيهم وفي أوضاعهم وفي كلِّ ما يعيشونه، ويراقب أوضاعهم، لأنَّ ذلك هو موقع القيادة في أيِّ مكان وأيِّ زمان، بأن يكون القائد في موقع الرّاصد لكلِّ أتباعه وجنوده، ليبتدئهم إذا لم يسألوه، وليجيبهم إذا سألوه.

قال(ع): "يا عبد العظيم، أبلغ عني أوليائي السّلام، وقل لهم ألاَّ يجعلوا للشيطان على أنفسهم سبيلاً ــــ أن يعرفوا خطوات الشيطان ووساوسه وحِيَلَه وألاعيبه، وأن يعملوا على أن يتفادوا ذلك كلَّه في سلوكهم العملي، فيغلقوا كلَّ النوافذ التي يمكن أن يُطِلَّ عليهم منها، ويسدّوا كلَّ الطرق التي يمكن أن يأتي إليهم منها.

والوصيّة هي لنا، لأنَّه يوصي أولياءه، ونحن من أوليائه في كلِّ زمانٍ ومكان ـ وأْمرهم بالصدق في الحديث"، ألاَّ يكونوا الكاذبين في ما يحدّثون به، لأنَّ الكذب يعطّل وضوح الحقيقة في الواقع، فعندما نعيش الواقع في جزئيّاته وكليّاته بعيداً من الحقيقة، فإنَّه يُصاب بالضّياع وبالارتباك وبالخَلَل في موازينه وأحكامه وأداء الأمانة، لأنَّ الله يأمرنا أن نؤدي الأمانات إلى أهلها، سواء كان أهلها من الكافرين أو من المسلمين، ولأنَّ أداء الأمانة، سواء كانت أمانة مالٍ أو أمانة سرٍّ أو أمانة مسؤوليّة، هي التي تحافظ على توازن المجتمع، وعلى تركيز قواعد الثقة الاجتماعيّة بين أفراد المجتمع، عندما يحترم كلُّ شخصٍ الآخر من خلال ما اؤتمن عليه في حياته، مالاً كان أو أمراً سياسيّاً أو اجتماعياً، وأْمُرهم بالسكوت، بالصمت الذي ينطلق به الإنسان ليفكّر، لا صمت الغباء، ولكن صمت الفكر، لأنَّ الإنسان إذا لم يُعطِ نفسه فرصةً للصمت وللسكوت، فإنَّه قد لا يجد فرصةً للتّفكير الصافي المنفتح.

لذلك، نحن بحاجةٍ إلى بعض الصمت وبعض السكوت، حتى نستطيع من خلال صفاء الفكر وهدوئه وابتعاده عن الضجيج، أن نفكّر في ما عملناه وفي ما قلناه وخطّطنا له، لندرس إيجابيّاته وسلبيّاته، وأن نعرف ما نريد أن نخطّط له أو نقوله، أو أن نفعله، لندرس نقاط ضعفه ونقاط قوّته، في أين الصّواب هنا، وأين الخطأ هناك؟

الجدال بالحقّ : ويكمل الإمام الرضا(ع) وصيته، فيقول: "وترك الجدال في ما لا يعنيهم". وهذه وصيّة حيّة مهمّة رائعة، وهي أنَّك عندما تدخل في جدالٍ حول أمرٍ تختلف فيه مع الآخر، فكّر في هذا الأمر الذي تثير الجدال فيه؛ هل هو من الأمور التي تتّصل بالخطوط الأساسيّة للعقيدة، باعتبار أنَّ عقيدتك مسؤوليّة فكرك الذي تقدّم فيه حسابك إلى الله، أو أنَّه يتصل بخطٍّ حيويٍّ بالشّريعة، باعتبار أنَّ الشريعة تمثّل حركة حياتك في مسؤولياتك السلبيّة أو الإيجابيّة أمام الله، أو هل يتّصل بشأنٍ من شؤون الحياة السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة، بما يتعلّق بقضايا المصير؟

وإذا رأيت أنَّ هذا الأمر لا علاقة له بالعقيدة أو بالشريعة أو بالحياة، ولا علاقة له بالمصير، وإنَّما هو مجرّد شي‏ءٍ تجريدي، سواء اعتقدته أو لم تعتقده، فإنَّه لن يغيّر من الأمر شيئاً، تماماً كما كان أهل قسطنطينية يتجادلون في ما لا ينفع، والفاتح يدقّ الأبواب، وفلاسفتهم يتناقشون هل إنَّ البيضة أصل الدّجاجة، أو الدّجاجة أصل البيضة؟ فهذا يقول إنَّ البيضة أصل، وذاك يقول إنَّ الدّجاجة هي الأصل، وهل إنَّ الملائكة ذكورٌ أم إناث؟ ويختلفون فيما بينهم، ولا يلتفتون إلى القضايا المصيريّة..

هذا كلامٌ فارغٌ كالكثير من الكلام الفارغ الذي يدور في القضايا التي ينطلق فيها الناس على أنَّه مَن هو أفضل ذاك أم هذا، وهذه أم تلك؟ في حين أنَّ الأمور عندما لا تتصل بمسؤوليّتنا أمام الله ولا بمسؤوليّتنا بحركة الحياة، فإنَّها تمثّل طواحين الهواء التي تطحن وتطحن ويبقى الهواء هواءً، إذ لا يمكن أن يتحوَّل الهواء إلى أيِّ شي‏ء، ولكن عندما تطحن الحنطة، فإنَّها تتحوّل إلى دقيق تستطيع أن تعجنه خبزاً. ولكنَّ المشكلة، هي أنّنا أناسٌ متخلّفون بكلِّ أسف، فنحن نحاول أن نصعد بالتخلّف إلى الدّرجات العليا من مواقعنا، ولا نلتفت إلى الآثار المؤسفة المترتّبة على هذا التخلّف، ونتنازع ونتكافر ونتضالل، في حين لا علاقة لقضايا الخلاف والنزاع بالدنيا ولا علاقة لها بالآخرة.

الوحدة والتضامن :

ثم يقول الإمام الرّضا(ع): "وإقبال بعضهم على بعض ــــ وذلك بألاَّ يتقاطعوا، وأن يُقبل المؤمن على المؤمن بعقله ليعطي النصيحة، وبقلبه ليعطي المحبة، وبحياته ليعطي الطاقة ــــ والمزاورة ـ بأن يزور بعضهم بعضاً ــــ فإنَّ ذلك قربة إليَّ ــــ لأنَّهم بذلك يوحِّدون الصفّ ويقوّون الموقع ـــ ولا يشغلوا أنفسهم بتمزيق بعضهم بعضاً ــــ في حين أنَّ الكثيرين يزورون الإمام الرّضا(ع)، وهم يمزّقون بعضهم بعضاً، وكأنَّهم لا يشعرون بأنَّ "المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص، يشدُّ بعضه بعضاً"، وكأنَّهم لا يعرفون "مَثَلُ المؤمنين في توادّهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الأعضاء بالحمّى والسهر".

ـــــ فإنّي آليتُ على نفسي أنَّه من فعل ذلك ـــــ من شيعتي وأوليائي، بأنْ عمِل على تمزيق الواقع الإسلاميّ والإيماني تحت أيِّ اعتبار ـــــ وأسخط وليّاً من أوليائي ـــــ بالإساءة إليه، وباتهامه بما ليس فيه، وبغيبته وتشويه صورته، وبإسقاط موقعه ـــــ دعوتُ اللهَ ليعذّبه في الدنيا أشدَّ العذاب، وكان في الآخرة من الخاسرين".

وهذه المسألة تحتاج إلى تأمّل، فلو دعا عليك شخصٌ عاديٌّ، فالأمر هيّن، ولكنّ الإمام الرّضا(ع) يقول أنا أخذتُ على نفسي عهداً أمام الله، أنَّهم إذا فعلوا ذلك، ودمّروا واقع المؤمنين ومجتمعهم بالتفرقة والبغضاء والحقد، دعوت عليهم بأن يعذِّبهم الله أشدَّ العذاب. وبذلك، فعلى مَن لديه عقدةٌ نفسيّةٌ أو مشكلةٌ شخصيّة أو وضعٌ فئويٌّ معيّن أو وضعٌ عائليٌّ خاصّ، أن يعرف حاله قبل أن يزور الإمام الرّضا(ع)؛ هل هو ممن يدعو عليه الإمام(ع) أو ممن يرتضيه من أوليائه؟

ثم يوصيه: "وعرّفهم أنَّ الله قد غفر لمحسنهم ـــــ عندما ينطلقون من قاعدة الإسلام، ومن قاعدة الخطِّ الأصيل، وهو خطُّ الولاية في الإسلام ـــــ وتجاوز عن مسيئهم، إلاَّ من أشرك به، أو آذى وليّاً من أوليائي، أو أضمر له سوءاً، فإنَّ الله لا يغفر له حتى يرجع عنه ـــــ أي عندما تعود القلوب مفتوحةً على المحبّة لبعضها البعض، فإذا كان الشخص يؤذي وليّاً، أو يضمر له سوءاً ـــــ فإن رجع عنه ـــــ تاب الله عليه ـــــ وإلا نزع روح الإيمان من قلبه، وخرج من ولايتي، ولم يكن له نصيبٌ في ولايتنا، وأعوذ بالله من ذلك".

وهذه مسألة تعطينا صورة عن واقعنا، فالبعض، ومن باب تبرير عمله، يقول أفعلُ ما أفعل من أجل الدّين، أو من أجل المذهب، أو من أجل الإسلام، أو من أجل الوطن، وعندما ندخل إلى داخل نفوسنا، نجد أنَّها تقوم بكلِّ ذلك من أجل الذّات حسداً أو حقداً أو عداوة، وأعوذ بالله من ذلك.

اللهم احفظ الاسلام واهله

اللهم احفظ العراق وشعبه

ــــــــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك