د.أمل الأسدي ||
"هذا الغريب منين" قصيدة نسمعها في كل عام، قصيدة تركت أثرا سلبيا،غير حقيقي علی واقع الناس وعلاقتهم بالإمام موسی الكاظم(ع)؛صحيح أنها تثير العاطفة،وتستدعي الدموع؛لكنها تنافي الواقع،فمنذ لحظة استشهاد الإمام ومحاولة السلطة العباسية الاستخفاف بالشيعة وإمامهم،ومناداتهم:"هذا إمام الرافضة" منذ تلك اللحظة والی الآن،بقي موسی بن جعفر(ع) سيد بغداد،إذ ضجت بغداد ضجيجا وانقلب الأمر علی العباسيين،فلم يكن في حسبانهم أن بغداد كلها تحب الإمام موسی بن جعفر(ع)،ولم يكن في حسبانهم أن الناس بمختلف طبقاتهم وطوائفهم خرجوا لتشييعه!! وإلی الآن نری العجب؛فالزوار يتوافدون أفواجا من كل مناطق بغداد،ومن كل محافظات العراق(شيب ،شباب،أطفال،نساء...)الكل يمشي هونا،غير مبال لأية عقبة ولأي تهديد،ولأي استهداف!!
وعلی الرغم من ذلك كله؛ نسمع الصوت المنكسر الذي ينادي"هذا الغريب منين"!!!
كيف يكون غريبا وهو سيد بغداد؟ كيف يكون غريبا وقلوب الناس تسعی إليه من كل حدب وصوب؟!
ولماذا لانستثمر مشاهد القوة والعزة التي تعكسها الزيارة ؟ ولماذا لانحول هذه المشاهد إلی رسالة تحذير إلی كل طاغ يفكر في يوم من الإيام بمساس سيدنا؟ ولماذا لانحول هذه الطقوس إلی رسالة عالمية تعكس المحبة،وتصور إرادة هذا الشعب،وتبين خصاله المتفردة،المتمثلة بالإيثار والكرم والإصرار؟
ولماذا لانحول مشهدية الزيارة إلی مدرسة تربي أولادنا علی الرفعة وعدم الخضوع والانكسار،تعلمهم أن هذا بلدهم،وأن لهم فيه حقوقا وعليهم واجبات؟!
لماذا لا نفهِّم أولادنا أن هذه هويتنا؟لماذا لانعلمهم أن يكون العمل مقرونا بالعاطفة،وأن العمل أولا ثم العاطفة؟
فما قيمة العاطفة إذا لم تكن حاثة علی العمل والبناء والتقدم؟ ما فائدتها وهي تثبِّت أقدامنا في مفهومات التضحية والخضوع والتازل عن الحقوق؟!
إذن؛أيها العام الإنساني،أيها العالم الإسلامي، الإمام موسی بن جعفر(ع)ليس غريبا!!
إنه سيد بغداد وإمامها،،إنه الترياق المجرب الذي منّ الله به علی أرض العراق!
فماذا عسانا أن نغيِّر في واقعنا،إذا لم نستطع أن نغيِّر خطاب قصيدة؟ كيف نزيل أثرها الذي يبرِّز الضعف والهوان بإزاء القوة الواقعية الشاهدة،المتجسدة في زيارة الإمام في ذكری استشهاده،فضلا عن زيارته في الأيام الاعتيادية،ولاسيما يوم السبت الذي يطلق عليه العراقيون"السبوتة"؟! لماذا نشيع خطاب توهين الإمام الذي جری علی لسان عدوه في تلك الساعات التي امتدت يده الظالمة عليه؟!
إنّ موسی بن جعفر ليس غريبا،إنه امتداد الرسالة المحمدية المورق في أرض العراق،أرادوه وحيدا غريبا،وأراد الله له أن يكون قطبا ومركزا تدور حوله القلوب.