د.حميد الطرفي ||
نردد كثيراً نحن الذين ذقنا ويلات البعث ومآسي حكمه من ذوي الشهداء والمضحين وكل الفقراء والكادحين ومن مختلف الشرائح والفئات والتوجهات من مواليد 1920 -أطال الله أعمارهم-الى مواليد 1988 ، نردد هذا بعثي وذاك بعثي واطردوا البعثين من مواقع المسؤولية واحذروا تسلل البعثيين الى صفوف المسؤولين واصحاب القرار ، حتى بات يتهمنا البعض تارةً بأن لدينا (فوبيا) اسمها البعث وتارةً ان لدينا تهماً جاهزة نلصقها بأي خصم سياسي وتصفنا فئة ثالثة بأننا نردد اسطوانة مشروخة اسمها البعث وهي اسطوانة الفاشلين ، ويقولون إن البعثيين مابين متوفى في القبور ، أو هارب ، أو عجوز لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرا .
البعث ياسادة ليس حزباً سياسياً معيناً انتهى حكمه في 2003 وشاخ أعضاؤه ومات منهم من مات وعجز منهم من عجز ، البعث الذي نحذر منه فكر وسلوك اجرامي مشين ينتقل من الآباء الى الابناء والأحفاد ، البعث ياسادة متبنيات فكرية ، وثقافة خاصة أُسِّس لها لجيلين من ابناء الشعب العراقي طيلة أربعة عقود من الزمن ، وانفقت الدولة العراقية من مواردها مليارات الدولارات لزرع هذا الفكر وجعله موروث سياسي واجتماعي . البعث ياسادة منهج في التفكير لتشخيص العدو والصديق ، منهج يزيف التاريخ والوقائع ويخرب الوعي والبصيرة لكي نرى الأمور مقلوبة . ذات يوم وحين كانت الثورة الاسلامية في ايران فتية وبالتحديد عام 1980 التف ابو الحسن بني صدر ومعه أعضاء منظمة ( مجاهدي خلق) على الثورة وصاروا ينددون بتأسيس الحرس الثوري ، وتوجهات السياسة الخارجية للجمهورية الاسلامية ، وكيفية التعامل مع ارث الشاه ، فالتفت قادة الثورة الاسلامية الى ذلك وحين نُحي ابو الحسن بني صدر عن الرئاسة قال السيد الخامنئي في حينها اننا لم نُزح بني صدر شخصياً عن موقع المسؤولية بل ازحنا طريقة تفكير معادية للثورة وللثوار ، وبالفعل فقد كان وجود الراحل بني صدر ومن معه تهديد حقيقي لحرف مسار الثورة عن مساره المرسوم .
اليوم حين تنقلب المعادلة وتجد عراقياً يساوي بين دولة جارة شن عليها البعث حرباً ضروساً لمدة ثمانية اعوام ورسخ في نفوس جيل كامل قضية العرب والعجم والفرس (المجوس) وامجاد القادسية الاولى والاسلام العربي ومادة الاسلام هم العرب ، والعرب افضل من العجم والعجم لا يحبون العرب ، والعراق عربي النشأة والجذور وحمورابي ونبوخذ نصر واشور بانيبال كلهم عرب ( اقحاح) ، ودولة أخرى ساهمت ومولت وحرضت على هذه الحرب ، حين تجد من يفكر بهذه الطريقة فهو تفكير بعثي لا محالة ، اياً كان الشخص الذي يحمله ، حين تجد من يغفر جرائم دولة اعترفت ان ابناءها فجروا انفسهم في العراق وقتلوا عشرات الالوف من العراقيين طيلة سبعة عشر عاماً وتعترف ان مذهبها الديني مذهب يحث على العنف وتصدير الارهاب ، ومع كل هذا يركن اليها ولا يأخذ حذره منها بحجة انها عمق عربي فذلك مالم يفعله البعث نفسه . حين ترى ذلك فاعلم أن بوصلة التفكير قد انحرفت عن مسارها . نعم أن متطلبات السياسة ومعرفة القدرات الذاتية لأي بلد تستدعي تماماً المهادنة لكنها لاتستدعي المداهنة ، تستدعي قبول الصلح مع الأعداء ولكن على حذر ، لان علياً علي السلام يقول : " وَلاَ تَدْفَعَنَّ صُلْحاً دَعَاكَ إِلَيْهِ عَدُوُّكَ وَلِلّهِ فِيهِ رِضًى، فَإِنَّ فِي الصُّلْحِ دَعَةً لِجُنُودِكَ، وَرَاحَةً مِنْ هُمُومِكَ، وَأَمْناً لِبِلاَدِكَ، وَلَكِنِ الْحَذَرَ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ عَدُوِّكَ بَعْدَ صُلْحِهِ، فَإِنَّ الْعَدُوَّ رُبَّمَا قَارَبَ لِيَتَغَفَّلَ فَخُذْ بِالْحَزْمِ، وَاتَّهِمْ فِي ذلِكَ حُسْنَ الظَّنِّ." فالفرق واضح بين ان نبرر لدولة جرائم اعترفت بها وبين ان نقبل صلحاً بادرت به . هنا تكمن طريقة البعث في التفكير فالبعث يسوق منهجاً في التفكير وهو أن كل ما تلقينا من فواجع وقتل وتدمير هو ذنبنا نحن لاننا رضينا باسقاط النظام الفاشي ولاننا اقمنا علاقات حسن جوار مع ايران ولأننا ذكّرنا بجرائم صدام وزبانيته وكل ما حصل هو ثمن طبيعي وعلينا ان نعتذر نحن لا أن يعتذر الذباحون ومن مولهم وجهزهم واعانهم . طريقة التفكير هذه اليوم موجودة وهي البعث بعينه فاعتبروا يا اولي الابصار . وشيئاً فشيئًا سيتحول ضحايا البعث الى جلادين وهم الذين ساقوا العراق الى الويلات وكبدوه كل هذه الخسائر ، اما تسمع بعض الشعراء حين ينعون شهداء المفخخات والعبوات والشهداء الذين سقطوا في مواجهة الارهاب فلا يلومون داعش ولا الدول التي وقفت الى جانبها بقدر ما يلومون النظام الجديد ؟ انظروا كيف انقلبت الموازين وطريقة التفكير فسقوط النظام البعثي هو السبب في كل ما حصل لنا من ويلات ، وعليه كل من قارع النظام ورضي باسقاطه وتسنم مواقع القرار في النظام الجديد هو المسؤول عن كل هذه المذابح . اما الذباحون واعوانهم فهم ابرياء . بل تجرأوا اكثر من ذلك فانكروا المقابر الجماعية التي ارتكبها البعثيون وقالوا اولئك جنود عراقيون قتلتهم ايران بعد غزو الكويت !!!! اما تراهم يطالبون علناً باغلاق مؤسستي الشهداء والسجناء السياسيين ويقولون هذه عالة على الدولة وهي من أفقرت العراقيين وأفرغت الخزينة ليس الغرض التخفيف عن الخزينة ، ففرق سعر بيع النفط للاردن عن السوق العالمي كاف لتمويل خمس مؤسسات انتقالية ، ولكن الغرض ان لا تبقى شواهد على جرم البعث واعوانه ، انهم يريدون ان نفكر بمنهج البعث ، وهو أننا أخطأنا حين قارعنا النظام الديكتاتوري ، اخطأنا حين عارضناه ودفعنا خيرة شبابنا لاسقاطه ، فلا غرابة إذن ان يعفو عنا وزير سعودي ويقول "عفا الله عما سلف" نعم هو من يعفو وهو وهو من يبدأ صفحة جديدة ويتناسى كل ما أصابه منا وليس العكس !!! هذا هو سلوك البعث وهكذا بفكر ومن يرتضي هذه الطريقة في التفكير فهو بعثي انّى كان وممن كان ، مواطناً أم مسؤولاً ، وقائداً أم مقوداً .
ـــــــــــ
https://telegram.me/buratha