عمر الناصر *||
قد تصل بعض الدول الى مفترق طرق في سياستها الداخلية وليس لديها امكانية لتسخير الامكانيات البشرية ورصد الاموال الكبيرة لمعالجة تلك المشاكل مثل تعدد المافيات المنظمة وتجار الاسلحة والمخدرات وخصوصاً في تلك البلدان التي ليس لديها نسب سكانية كبيرة ويكون لديها وقت العمل مكلف جداً بسبب اعتمادها على الضرائب العالية التي تعتبر هي المصدر الاساسي للتنمية والانتعاش الاقتصادي، ولان ضياع دقيقة من الوقت هو خسارة كبيرة للاموال كونها تسعى لاتباع مبدأ خفض النفقات بأي شكل من الاشكال ، فأتباع الكثير من هذه الدول مفهوم تقليل الموارد في ابواب يمكن الاستعاضة عنها ببديل محلي جاء لغرض الحفاظ على اقتصادها وامنها الداخلي بأقل تكلفة ممكنة مقابل ان تغض النظر عن بعض الامور التي تتعلق بحرية عقد الصفقات الغير مشروعة على ان لايمس ذلك امن وسيادة الدولة مما جعل عقد الاتفاقيات بين اكبر زعامات المافيات وحكومات تلك الدول هي من اجل جعل جهد الاخيرة ينصب في اتجاة واحد بدلا من تشتت ذلك في جوانب وتحديات مختلفة .
لم تعد الكثير من الدول المتقدمة تفكر بزيادة اعداد الطاقات البشرية في مسالك الشرطة والجيش لغرض بسط السيطرة الكلية تجاه اي تحدي امني كالذي يحدث لدينا بل سخرت امكانيات الجهد الاستخباري الصامت وبتحركات استباقية دقيقة لاتثير زوابع سياسية ولا هلع امني او مجتمعي حيال اي عملية نوعية تطيح برؤوس المافيات السياسية الفاسدة من اجل الحفاظ على قوة واستقرار القرار السياسي والسيادي من جانب ولارسال رسائل هادئة وقوية بأن الدولة المنتخبة موجودة على الارض بكامل عدتها وقيافتها لكنها تعمل بصمت كامل .
لايمكن ان يتزايد نفوذ الدولة العميقة او الدولة المتجذرة اذا لم تتوفر لديها عوامل ومقومات تساعدها على بسط نفوذها لتهيمن على اهم مقدرات ومفاصل المؤسسات وتضعف مركزية القرار فيؤدي ذلك الى تراجع قدرات الدولة المنتخبة امام الدولة الغير منتخبة ، فتوفر غطاء الحماية بوجود المال السياسي الفاسد وتفشي السلاح المنفلت يعد من اخطر واهم تلك المشاكل وابرز التحديات امام دولة المؤسسات والتي تمتد جذور تلك المشاكل في اغلب الاحيان الى خنادق مخابراتية دولية واقليمية تسعى للاستحواذ والهيمنة المطلقة على القرار السيادي بالكامل لما له من تأثير على الاقتصاد الذي يعاني من الترنح لدى تلك الدول المستفيدة من ذلك الضعف وانطلاقاً من مبدأ التحرك الاستباقي للدفاع عن امنها القومي من خارج خارطتها الاقليمية في ظل ضعف سيادة الدولة المنتخبة وغياب القوانين الصارمة التي تقف حائلا من ايقاف تدفق املاءات القرار السياسي القادم من خارج الحدود.
ولا ينشط عمل الدولة العميقة الا في الانظمة الديموقراطية بسبب وجود عوامل ومقومات تدعم وتغذي خطوطها السياسية الناقلة ، فاذا امعنا النظر بجميع انظمة الحكم الدكتاتورية نجدها تخلوا تماماً من وجود اي اثار للدولة العميقة بسبب الاساليب التعسفية والقمعية التي تنتهجها والتي لاتدع المجال لاي ثغرة قد تستغلها الجهة المستفيدة للولوج الى مفاصل الدولة للتأثير على مصادر صنع القرار ، وخطر المشاركة في صناعته هي احدى التحديات الداخلية واولى السلبيات التي توجد في الحكومات ذات الانظمة الديموقراطية التي لا تمتلك عوامل الحزم والقوة تجاه ايقاف تمدد ذلك بسبب تأثير نفوذ القوى الاقليمية بوجود المال والسلاح والموارد البشرية التي بالامكان ولادتها في لحظة البرق ليؤدي ذلك الى ظهور قوة موازية لقوة الدولة وفي اغلب الاحيان اقوى منها ان صح التعبير لنكون انذاك قد دخلنا في دوامة الدولة واللا دولة في وقت لاتستطيع رقعة الشطرنج تحريك بيادقها اكثر من قدراتها الواقعية ..
*/ كاتب وباحث سياسي