محمد مكي آل عيسى||
يؤمن اتباع الأديان السماوية الحقّة وكما جاءهم من رسلهم وأنبيائهم ع بأن العالم الذي يعيشونه والذي يسمى بعالم الملك هو عالم مادي محدود ، وليس هو الأوحد بل أن هناك من العوالم ما لا يدركها الإنسان بحواسّه وقد أشار لها القرآن بلفظة الملكوت ( وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض . . ) ويقول العلماء أن القرآن يعبّر عن الملكوت أيضاً بعالم الغيب الغائب عن حواس الإنسان مقابل عالم الشهادة الحاضر الّذي يشاهده الإنسان . .
وقد أكد القرآن على الإيمان بعالم الغيب في مفتتح السورة الثانية في القرآن وجعل هذا الإيمان بالغيب هو أول وصف للمتقين ( هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب )
كما ويؤكّد القرآن بناءً على ما سبق بأن لعمل الإنسان صورتان صورة ظاهرية ملكية والأخرى باطنية ملكوتية . . وليس بالضرورة أن تنطبق الصورتان على بعضهما فقد يكون ظاهر العمل جميلاً حسناً لكن حقيقته الملكوتية قبيح رذيل . . فمن يسرق مال اليتيم ربما يشتري به أطيب الطعام وأشهاه لكن الصورة الجوهرية الملكوتية الحقيقية لفعله أنه يأكل ناراً ولا يشعر ( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيرا) يأكلون ناراً الآن فتلك حقيقة عملهم
وبما أن نفس الإنسان هي الّتي ينطبع فيها العمل ويؤثر بها ، تكون للإنسان صورتان طبقاً لآثار أعماله وملكاته الّتي اكتسبها ، إحداهما ظاهرية مادية شهودية ملكية محسوسة والثانية جوهرية خفية غيبية ملكوتية . .
وهي الصورة الحقيقية الّتي ستظهر يوم القيامة كما شكّلها الإنسان بأفعاله وملكاته لذا فمن الناس من يحشر على هيئة القردة والخنازير والعياذ بالله وهناك من يحشر ووجهه أبيض وهناك من يحشر ووجهه أسود ( يوم تبيض وجوه وتسود وجوه )
والذي يعلم مراد الله وحكمه يستطيع أن يرى بعلمه كلاً على حقيقته . . فمن سطّر في كتاب عمله الصالحات فبالتأكيد سيكون وجهه أبيضاً وأما من جاء بالمنكرات فسيكون وجهه أسوداً بحقيقته سواءً رآها البعض أم أنكرها .
بل حتى لو كان وجهه أبيضاً أو كان وجهها ملوناً بشتى أصناف الزينة فهو بحقيقته أسوداً لا تجمّله عبارات المادحين ولا إطراءات المعجبين . . فالأبيض ماكان أبيضاً عند الله والأسود ما كان أسوداً عند الله